منذ نشأتها، ظلت إسرائيل كيانًا يثير التساؤل العميق: هل هى دولة بالمعنى المتعارف عليه فى القانون الدولى، أم أنها عصابة منظمة استولت على أرض ليست لها بقوة السلاح وغطاء المصالح الاستعمارية؟ هذا السؤال لم يعد فلسفيًا أو عاطفيًا، بل صار واقعيًا أمام كل ممارساتها على الأرض: عدوان متواصل، اغتصاب للأرض، انتهاك للقوانين، وتوسع لا يتوقف.
إسرائيل وُلدت على أنقاض فلسطين عام 1948 بمجازر ومذابح وتهجير قسرى لمئات الآلاف من الفلسطينيين، وما زالت إلى اليوم تسير على ذات النهج: الاستيلاء بالقوة وتكريس سياسة الأمر الواقع. من يراجع تاريخها يجد أنها لم تتوقف عند حدود، ولم تلتزم يومًا بقرارات مجلس الأمن أو الشرعية الدولية. ومن يتابع حاضرها يرى أنها تواصل القصف والاغتيال والتوسع فى الضفة الغربية، وتهويد القدس، ومحاولات فرض سيطرة على غزة، وكأنها فوق القانون.
هذا السلوك لا يشبه الدول التى تحتكم للقانون والدبلوماسية، بل يشبه العصابات التى تعتمد على العنف كأداة وحيدة لتحقيق أهدافها. العصابة لا تحترم جيرانها، بل تقتات على خوفهم وضعفهم. وهكذا هى إسرائيل: تضرب فى سوريا ولبنان وغزة واليمن وحتى قطر مؤخرًا، دون أن تكترث بالقوانين أو الأعراف. فهى لا ترى فى حدود الآخرين إلا ساحة مفتوحة لإرسال الطائرات المسيّرة، أو مجالاً للتجسس والتخريب.
الأخطر أن هذه التوجهات العدوانية ليست مجرد ردود أفعال ظرفية، بل هى خطط توسعية مبرمجة. فالفكر الصهيونى الذى بُنيت عليه إسرائيل يقوم على مقولة «من النيل إلى الفرات»، أى مشروع استعمارى يريد إعادة تشكيل المنطقة. وهذا ما يفسّر أطماعها فى المياه، وسعيها الدائم للسيطرة على الموارد، ودعمها للفوضى فى محيطها العربى لضمان بقائها الأقوى. إسرائيل لاتريد سلامًا حقيقيًا، بل هدنة مؤقتة تتيح لها التوسع على مراحل، حتى تضمن أن خصومها يعيشون دائمًا فى حالة انقسام وضعف.
الوقائع على الأرض تثبت ذلك: الاستيطان فى الضفة يتضاعف، جدار الفصل العنصرى يبتلع الأراضى، حصار غزة مستمر منذ أكثر من 18 عامًا، الاعتداءات الجوية لا تتوقف، ومشاريع التطبيع الأخيرة ليست سوى غطاء لإضفاء شرعية زائفة على كيان يقوم أساسًا على نفى الآخر. أى دولة تحترم نفسها كانت لتبحث عن سلام واستقرار مع جيرانها، لكن إسرائيل تصر على نموذج العصابة الذى يعيش على الدماء والدمار.
لقد آن الأوان للعالم أن يجيب عن السؤال بصراحة: دولة أم عصابة؟ إن الكيان الذى يُمعن فى قتل الأطفال، ويهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، ويستهزئ بالقرارات الدولية، ليس جديرًا بوصف «دولة». إنه كيان عصابة، مدجج بالسلاح النووى والدعم الغربى، لكنه يفتقر إلى الشرعية الأخلاقية والإنسانية.
والحقيقة التى يخشاها الاحتلال أن الشعوب لا تنخدع.. الشعوب ترى جرائمه يوميًا، وتدرك أن دوام الحال من المحال. قد يفرض العدو هيمنته بالحديد والنار لبعض الوقت، لكنه لا يستطيع أن يمحو هوية أمة أو يقتل روح مقاومة. وإذا كانت إسرائيل تعتبر نفسها «دولة»، فإن التاريخ والواقع يفضحانها لتبدو فى حقيقتها مجرد عصابة منظّمة تمارس الإرهاب تحت غطاء الشرعية الدولية.
إن السؤال «دولة أم عصابة؟» ليس استفهامًا بريئًا، بل هو إدانة مفتوحة، ورسالة إلى العالم: آن الأوان لوقف هذه المهزلة. آن الأوان للتعامل مع إسرائيل كخطر يهدد الأمن والاستقرار، لا كدولة طبيعية بين الدول. فإما أن تلتزم بالقانون والعدل، أو تُكشف حقيقتها التى يعرفها الجميع: عصابة مسلّحة تمارس البلطجة فى قلب الشرق الأوسط.