ليس جديدًا أن تضرب إسرائيل غزة أو الضفة أو حتى بيروت أو تونس.. الجديد هذه المرة أن الصواريخ وصلت إلى قلب الدوحة، حيث يجلس قادة حماس يتدارسون لوضع فصل جديد من فصول «كتاب التفاوض» مع العدو. الرسالة الإسرائيلية كانت واضحة: «يمكنكم مناقشة وبحث التفاوض كما تشائون، لكن لا تنسوا أن السماء ملك لنا».. الغارة لم تقتل فقط أفرادًا، بل أصابت فى مقتل فكرة الوساطة ذاتها،فمن ذا الذى سيجلس على طاولة مفاوضات بعد ذلك وهو يضع فى باله احتمال أن يسقط الصاروخ على القلم قبل أن يقوم بالتوقيع؟ الجديد أن إسرائيل لم تُخفِ شيئًا، بل أعلنت مسئوليتها بكل بجاحة ، وكأنها تقول للعالم كله : «نعم فعلناها، ويمكن أن نفعلها مرة أخرى؟»..ولعل حديثها فى مجلس الامن كاشف واضح لما تخطط له. وبالنسبة لحماس، فالضربة كانت اغتيالاً لروح المفاوضات ورسالة واضحة للقيادات ومع ذلك، لا تملك الحركة ترف الانسحاب الكامل..فهى أمام خيارين: الاستمرار فى التفاوض تحت الدخان، أو الانسحاب وتحمل مسئولية انهيار أى أمل فى هدنة..وفى الحالتين، تبدو الخسارة مضمونة. أما الدوحة التى اعتادت أن تقدم نفسها كوسيط مقبول بين الأضداد، وجدت نفسها فجأة وسيطًا مستهدفًا..فالغارة لم تكن فقط رسالة لحماس، بل أيضًا لقطر: «حتى أرضك ليست خارج اللعبة»وهو ما قد يدفع الدوحة للمطالبة بضمانات دولية صارمة لأى دور قادم، وربما لإعادة النظر فى حجم المجازفة السياسية. رغم كل الضجيج، يبقى السيناريو الأقرب هو التوصل إلى هدنة مؤقتة، تتضمن تبادلاً جزئيًا للأسرى أو تخفيفًا محدودًا للحصار، مقابل وقف عمليات كبرى..هدنة لن تُعمّر طويلاً، عمرها أقصر من بطارية هاتف قديم، لكنها ستُباع للجمهور على أنها «إنجاز دبلوماسى». المتفائلون سيقولون إن الضربة كانت الشرارة لصحوة إقليمية، تدفع الجميع لإدراك ضرورة الحل السياسى.. أما المتشائمون فسيرون أنها مجرد حلقة أخرى فى مسلسل «شجب وإدانة بلا نهاية»والحقيقة؟ ربما مزيج من الاثنين: هدنة هشة، قابلة للكسر عند أول زلة، واستمرار للنزيف الإنسانى فى غزة بلا حلول جذرية. ويبقى طرح مختلف يشير «أوله» إلى أن قطر ستخرج أقوى، ودول الخليج ستعيد حساباتها، والكل سيدرك أن الحل السياسى ضرورة لا مفر منها. باختصار: «ضربة فى الدوحة.. صحوة فى المنطقة».. هدنة مؤقتة، تبادل أسرى، وربما اتفاق أطول لاحقًا. نعم، السلام ممكن، حتى لو بدأ من هدنة «هشة». فيما يشر «آخره» إلى أن الخليج الآن قلق، حماس أكثر عنادًا، والمستقبل هو نفس الماضى، لكن مع عدد أكبر من بيانات الشجب وكمية أقل من الأمل. واخيرا أستطيع أن اقول «ما بعد الدوحة لن يكون كما قبلها» إسرائيل أثبتت أنها تفاوض وتضرب فى اللحظة نفسها، حماس بين مطرقة الاستمرار والانسحاب، وقطر تحاول إنقاذ دورها كوسيط محتـرم..أما المنطقـة ككل، فهى تنتظر هدنة لا تحمل أكثر من تأجيل للمواجهة المقبلة.