لسنا أمام خيار أخر سوى أن نكون جزًء من التقدم العلمى
خلال الحرب العالمية الثانية لعبت التطورات التكنولوجية دورًا محوريًا فى إطلاق «الثورة الرقمية»

عزيرى القارئ … الإجابة بسيطة للغاية، وهى أن الخطر الحقيقى من الذكاء الاصطناعى هو أننا لا نكون جزءاً من هذا العالم الجديد القائم على تطبيقات غير نهائية تعتمد اعتماداً كلياً على توطين الذكاء الاصطناعى فى كافة المجالات سواء كانت عسكرية، أو مدنية، بما فى ذلك المجالات المتعلقة بالصحة والطاقة والخدمات المالية والزراعة والصناعة والتجارة واللوجستيات والتعليم، وبالطبع من الممكن أن تضيف أى مجال قد يخطر على بالك فى هذا السياق.
وإن كنت تريد يا عزيزى معرفة لماذا يمثل عدم الدخول فى العالم الجديد المبنى على الذكاء الاصطناعى خطرًا حقيقيًا، بل خطر وجودى، فإنه من دواعى سرورى بكل تأكيد أن تتفضل على شخصى البسيط باستكمال قراءة المقال. وهذا يستدعى فهمًا عميقًا لأصول الذكاء الاصطناعى وتطوره.
فى البداية أود أن أؤكد أن الذكاء الاصطناعى لم يبدأ فى الأمس القريب كما يظن أغلب الناس فى كوكبنا العامر، لذا علينا أولاً أن نعود إلى الوراء قليلاً ونستعيد فترة الحرب العالمية الثانية فى أذهاننا، حيث خرج الذكاء الاصطناعى من رحم الحرب فى بدايات أربعينيات القرن الماضي.
خلال الحرب العالمية الثانية، لعبت التطورات التكنولوجية دورًا محوريًا فى إطلاق الثورة الصناعية الثالثة، أو ما يُعرف بالثورة الرقمية، من خلال التقدم فى مجال الحوسبة. فى هذا السياق، برز العالم البريطانى آلان تورينج (1912-1954) كأحد أهم مؤسسى علوم الحوسبة والذكاء الاصطناعي. فقد قدم تورينج فى عام 1936 مفهوم «آلة تورينج»، وهى نموذج نظرى لجهاز حوسبة قادر على تنفيذ أى عملية حسابية مبرمجة، مما شكل حجر الأساس للحاسبات الحديثة. وخلال الحرب، عمل تورينج فى مركز بلتشلى بارك البريطاني، حيث ساهم فى فك شفرات آلة «إنجما» الألمانية من خلال تصميم جهاز «بومب» الذى استخدم مبادئ منطقية وحسابية وخوارزميات احتمالية، مما أسهم بشكل كبير فى دعم جهود الحلفاء وتغيير مسار الحرب.
وفى عام 1950، نشر تورينج ورقة بعنوان «الحوسبة والذكاء» فى مجلة Mind العلمية، طرح فيها السؤال الفلسفى «هل يمكن للآلات أن تفكر؟»، واقترح «اختبار تورينج» الذى يقيس قدرة الآلة على محاكاة التفكير البشرى عبر محادثة نصية. وفى هذه الورقة، توقع تورينج العديد من الاتجاهات التى طورت لاحقًا مفاهيم الذكاء الاصطناعي، مثل أهمية التعلم الآلى لتحقيق ذكاء يشابه الذكاء البشري، ووصف فكرة «آلة الطفل» التى تتعلم وتتطور مثل الإنسان. كما اقترح ثلاث طرق لتحقيق الذكاء الاصطناعي: البرمجة الصريحة، التعلم الآلى من الصفر، واستخدام المنطق والاحتمالات مع المعرفة الخلفية، مؤكدًا أن الطريقة الثالثة هى الأفضل لتطوير ذكاء اصطناعى متقدم.
وبعد الحرب، واصل تورينج وباحثون آخرون تطوير هذه الأفكار، حيث سيطرت فى الستينيات والسبعينيات الأنظمة الخبيرة التى تعتمد على قواعد منطقية لاتخاذ القرارات. وفى الثمانينيات، بدأ التحول نحو التعلم الآلى المستوحى من فكرة تعلم الآلة بطريقة مشابهة للطفل البشري، مما أدى إلى ظهور تقنيات التعلم من البيانات. وفى التسعينيات وما بعدها، تطورت أبحاث الذكاء الاصطناعى لتعتمد بشكل أكبر على التمثيل المنطقى والتعلم الاحتمالي، مما ساهم فى بناء نماذج أكثر تعقيدًا فى معالجة اللغة الطبيعية، والتعرف على الصور، والروبوتات الذكية.
ويُعتبر تورينج مؤسسًا ليس فقط للحوسبة والذكاء الاصطناعي، بل أيضًا للفلسفة المعاصرة المتعلقة بوعى الآلة. وورقته حول اختبار تورينج لا تزال تمثل تحديًا فلسفيًا وعلميًا مستمرًا. كما أن عمله فى فك الشفرات شكل نواة لتقنيات الحوسبة الحديثة، خاصة فى المجالات التى تعتمد على المنطق والتعلم الآلي. واليوم، تُمنح جائزة تورينج تكريمًا لإرثه العميق فى علوم الحاسوب.
وبعد تورينج، شهد الذكاء الاصطناعى تطورًا متسارعًا، حيث عُقد مؤتمر دارتموث عام 1956 الذى أطلق حقبة البحث المنظم فى هذا المجال. فى تلك الفترة، تم تطوير برامج تحاكى ألعاب الذكاء، وظهرت لغات برمجة مثل Lisp وProlog، إلى جانب أنظمة محادثة بسيطة مثلELIZA. وفى السبعينيات، انتشرت الأنظمة الخبيرة مثل MYCIN وDENDRAL فى مجالات مثل التشخيص الطبي. وفى الثمانينيات، برزت الشبكات العصبية الاصطناعية التى تحاكى الدماغ البشري، ولكن واجهت تلك التقنية الناشئة عثرة ليست بالبسيطة، أو ما يطلق عليه «شتاء الذكاء الاصطناعي» بسبب نقص الموارد وضعف القدرات الحوسبية وقلة البيانات المتاحة بالإضافة إلى وجود التفاؤل المفرط فى إمكانيات الذكاء الاصطناعى فى ظل وجود تلك التحديات المالية والفنية. ولكن مع تحسن قدرات الحوسبة وتوفر البيانات الضخمة، حقق الذكاء الاصطناعى قفزات كبيرة، مثل انتصار حاسوب Deep Blue على بطل الشطرنج جارى كاسباروف عام 1997.
وفى الألفينيات، أدى تطور الشبكات العصبية العميقة إلى تقدم فى معالجة الصور وتحليل النصوص، والتعرف على الصوت، مما جعل الذكاء الاصطناعى جزءًا من الحياة اليومية عبر أنظمة التوصية والمساعدات الصوتية. وفى السنوات الأخيرة، برزت تقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى مثل GPT وDALLE، القادرة على إنشاء نصوص وصور إبداعية. كما طورت تقنيات التعلم المعزز لتعليم الآلات اتخاذ قرارات استراتيجية عبر التجربة والخطأ.
ويُستخدم الذكاء الاصطناعى اليوم فى مجالات حيوية مثل تشخيص الأمراض، والاكتشاف المبكر لها، واكتشاف العقاقير للأمراض المستعصية، وسلاسل الإمداد الذكية ذاتية التشغيل والسيارات ذاتية القيادة، وتحليل البيانات المالية، والتصنيع المرن، وغيرها. ولكن هذا كله يفرض علينا ضرورة تطوير مهاراتنا التقنية لمواكبة هذا التقدم وإلا سيواجه البشر موجة غير مسبوقة من البطالة لم يشهدها العالم منذ الثورة الصناعية الأولى فى أواخر القرن الثامن عشر، عندما فرضت تلك الثورة الصناعية على المجتمعات أن تتحول من مفاهيم المجتمع الزراعى القائم على عمالة الأفراد والدواب إلى مجتمع صناعى يعتمد على الشراكة بين البشر والآلات بشكل غير مسبوق.
وعلى الجانب الآخر، هناك تعقيدات لم يتم مواجهتها بصورة جدية حتى الآن، حيث يواجه الذكاء الاصطناعى تحديات أخلاقية تتعلق بالخصوصية، والشفافية، والمساءلة، مما يتطلب رقابة بشرية لضمان استخدامه بمسئولية.
وعلى الرغم من ذلك فإنه من المتوقع أن يشهد مجال الذكاء الاصطناعى مزيدًا من التطور مدفوعاً باستثمارات غير مسبوقة سواء من الحكومات أو الشركات الكبري، وخاصة فى الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، قد تصل إلى ما هو أكثر من 4 تريليونات دولار خلال الأعوام القليلة القادمة، فى مجالات الحوسبة العصبية، والتعلم الذاتي، والتكامل مع إنترنت الأشياء، مع التركيز على تطوير ذكاء اصطناعى عام يحاكى القدرات البشرية بشكل آمن.
وتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى القطاعات العسكرية، أصبحت متعددة ومعقدة، حيث يعزز الكفاءة العملياتية ويوفر حلولاً مبتكرة للتحديات الأمنية، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعى لتحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة فائقة، مما يعزز الوعى الظرفي. على سبيل المثال، اعتمد مشروع «مافن» التابع لوزارة الدفاع الأمريكية فى عام 2017 على خوارزميات التعلم الآلى لتحليل الصور الجوية من الطائرات بدون طيار، مما قلل وقت تحديد الأهداف من أسابيع إلى دقائق، وهذا طبقاً لدراسة تم نشرها فى مجلة Journal of Global Security Studies عام 2024. وفى سياق الحرب الروسية-الأوكرانية (2022-2024)، استخدمت القوات الأوكرانية الذكاء الاصطناعى لتحليل بيانات مفتوحة المصدر من وسائل التواصل الاجتماعى والأقمار الصناعية للتنبؤ بحركات الجيش الروسي، مما عزز دقة المدفعية بنسبة 50 ٪، وفقاً لبحث منشور فى TS2 Space Technology عام 2025. هذه التطبيقات تُبرز قدرة الذكاء الاصطناعى على تحويل الاستخبارات إلى عملية آلية سريعة، مما يمهد الطريق لاستخدامات أخرى فى الأسلحة الآلية. وفى مجال الطائرات بدون طيار والأنظمة الآلية، يُظهر الذكاء الاصطناعى إمكانات مذهلة، حيث نجح برنامج «تطور القتال الجوي» (ACE) التابع لوكالة DARPA الأمريكية عام 2020 فى تدريب وكيل ذكاء اصطناعى لقيادة طائرة مقاتلة افتراضية، متغلباً على طيار بشرى بنتيجة 5-0، كما أفادت دراسة فى DefenseScoop عام 2023. كذلك، طورت الصين أسراب طائرات بدون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعى للتنسيق الجماعى فى المهام، مما قلل الخسائر البشرية، كما وثق فى تقرير منشور فى The Verge عام 2021. وفى مثال آخر، يعمل نظام «لانيوس» الفرنسي، الذى طورته شركة Thales، كسرب صغير للاستطلاع والاستهداف، كما وُصف فى مجلة Global Defence Technology عام 2023. هذه التطورات تُبرز التحول نحو الحروب الآلية، لكنها تستدعى الوعى بخطورة التحديات الأمنية السيبرانية المصاحبة.
فى الأمن السيبراني، يُستخدم الذكاء الاصطناعى للكشف عن الهجمات الإلكترونية فى الوقت الفعلي، حيث طورت أنظمة الكشف عن الاقتحام المعززة بالذكاء الاصطناعى قدرة على تحليل حركة الشبكة لصد هجمات مثل رفض الخدمة، كما أشارت دراسة فى Future Forge عام 2024. على سبيل المثال، استخدمت القوات الأمريكية أدوات الذكاء الاصطناعى فى تمارين مشتركة، مما قلل وقت الاستجابة بنسبة 70٪، وفقاً لتقرير من IBM Center عام 2023. وفى الصين، يُستخدم الذكاء الاصطناعى ضمن قوة الدعم الاستراتيجى لمعالجة البيانات الاستخباراتية، كما وثق بحث فى International Affairs Review عام 2020. هذه التطبيقات تُظهر تحول الدفاع السيبرانى إلى نظام وقائى ديناميكي، مما يقودنا إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى اللوجستيات.
فى اللوجستيات والصيانة، يساهم الذكاء الاصطناعى فى تحسين الكفاءة من خلال التنبؤ بالأعطال، حيث يستخدم نظام «إيجيس» البحرى الأمريكى الذكاء الاصطناعى لتتبع أكثر من 100 هدف جوي، كما أشار التقرير المنشور فيDigitalDefynd عام 2024. كما يحلل الذكاء الاصطناعى بيانات المستشعرات للتنبؤ بأعطال المعدات، مما يقلل تكاليف الصيانة بنسبة 30 ٪، وفقاً لبحث فى Flysight عام 2025. وفى الرعاية الصحية العسكرية، تستخدم وكالة الصحة الدفاعية الذكاء الاصطناعى لتشخيص الأمراض وتحليل الصور الطبية، مما يعزز جاهزية القوات، كما وثقت دراسة فى ResearchGate عام 2021.
على الرغم من هذه الإنجازات، يثير الذكاء الاصطناعى مخاوف بشأن التحيز فى الخوارزميات وفقدان السيطرة البشرية، حيث حذر تقرير RAND عام 2020 من مخاطر القرارات الخاطئة فى الاستهداف، مما قد يهدد الاستقرار العالمي. كما طورت دراسة فى Frontiers in Psychology عام 2023 مقياساً لقياس المواقف تجاه الذكاء الاصطناعى العسكري، مشيرة إلى مخاوف من الحروب الآلية. وأكدت دراسة فى Oxford Academic عام 2024 ضرورة إطارات أخلاقية لضمان الشفافية. ولكن فى المجمل، يُظهر الذكاء الاصطناعى إمكانات هائلة فى تعزيز القدرات الدفاعية، كما فى مشاريع مثل «مافن» و»ACE»، لكنه يتطلب سياسات حكيمة لضمان استخدامه بمسؤولية، كما دعا إعلان «الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعى العسكري» عام 2023.
كما يُعد الذكاء الاصطناعى أداةً تحويليةً تعزز جودة الحياة فى القطاعات المدنية من خلال تطبيقات مبتكرة تتراوح بين الرعاية الصحية والزراعة إلى المدن الذكية والنقل، مما يجعله ركيزة أساسية للتنمية المستدامة، لكنه أيضاً يتطلب معالجة دقيقة للتحديات الأخلاقية المرتبطة به. فى مجال الرعاية الصحية، يُحدث الذكاء الاصطناعى ثورة فى التشخيص والعلاج، حيث طورت شركة DeepMind خوارزميات للكشف المبكر عن أمراض العيون مثل اعتلال الشبكية السكري، محققة دقة تفوق الخبراء البشريين بنسبة 94 ٪، كما وثقت دراسة فى Nature Medicine عام 2018. كذلك، يُستخدم الذكاء الاصطناعى فى تحليل الصور الطبية، مثل نظام Watson Health من IBM الذى يساعد فى تشخيص سرطان الرئة من خلال صور التصوير المقطعي، مما يقلل أخطاء التشخيص بنسبة 20 ٪، وفقاً لبحث منشور فى Radiology عام 2020. هذه التطبيقات تُظهر قدرة الذكاء الاصطناعى على تحسين الرعاية الصحية، مما يمهد الطريق لاستخداماته فى الزراعة.
فى القطاع الزراعي، يُسهم الذكاء الاصطناعى فى زيادة الإنتاجية وتحسين استدامة الموارد، حيث طورت شركة Blue River Technology نظام «See & Spray» الذى يستخدم الرؤية الحاسوبية للتمييز بين المحاصيل والأعشاب الضارة، مما يقلل استخدام المبيدات بنسبة تصل إلى 90 ٪، كما أفادت دراسة فى Journal of Agricultural Engineering عام 2022. وفى مثال آخر، استخدمت منصة Plantix فى الهند خوارزميات الذكاء الاصطناعى لتحليل صور المحاصيل عبر الهواتف الذكية، مما ساعد المزارعين على تشخيص الأمراض وتحسين الإنتاج بنسبة 15 ٪، وفقاً لبحث منشور فى Precision Agriculture عام 2023. هذه التطورات تُبرز دور الذكاء الاصطناعى فى دعم الأمن الغذائي، مما يقودنا إلى تطبيقاته فى تخطيط المدن الذكية.
فى مجال المدن الذكية، يُستخدم الذكاء الاصطناعى لتحسين إدارة الموارد الحضرية، حيث طورت سنغافورة منصة «Smart Nation» التى تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحليل بيانات المرور والطاقة، مما قلل من زمن التنقل بنسبة 25٪، كما وثق تقرير فى Urban Studies عام 2021. كما يُستخدم الذكاء الاصطناعى فى تصميم البنية التحتية المقاومة للتغيرات المناخية، مثل نظام FloodNet فى نيويورك الذى يتنبأ بالفيضانات بدقة 85 ٪ باستخدام بيانات المستشعرات، وفقاً لدراسة فى Environmental Modelling & Software عام 2022. هذه التطبيقات تُبرز قدرة الذكاء الاصطناعى على تعزيز الاستدامة، لكنها تفتح الباب أمام استخداماته فى النقل.
فى قطاع النقل، يُحدث الذكاء الاصطناعى ثورة من خلال السيارات ذاتية القيادة وإدارة حركة المرور، حيث طورت شركة Waymo سيارات ذاتية تعتمد على التعلم العميق لتجنب الحوادث، محققة نسبة أمان تفوق السائقين البشريين بنسبة 30 ٪، كما أشارت دراسة فى Transportation Research Part C عام 2023. كذلك، استخدمت مدينة تورنتو نظاماً قائماً على الذكاء الاصطناعى لإدارة إشارات المرور، مما قلل التلوث بنسبة 15٪، وفقاً لبحث من Journal of Transport Geography عام 2024. هذه الابتكارات تُظهر تأثير الذكاء الاصطناعى على تحسين الكفاءة.
على الرغم من الفوائد اللانهائية فى القطاع المدنى من استخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يواجه تحديات تتعلق بالخصوصية والتحيز، حيث حذرت دراسة فى Nature Human Behaviour عام 2021 من أن خوارزميات التشخيص الطبى قد تُظهر تحيزات ضد مجموعات عرقية معينة، مما يؤثر على دقة التشخيص بنسبة تصل إلى 10٪، كما أشارت دراسة فى Ethics and Information Technology عام 2023 إلى مخاوف من انتهاكات الخصوصية فى أنظمة المراقبة الحضرية. وأكد تقرير من IEEE Transactions عام 2024 على ضرورة تطوير إطارات أخلاقية لضمان الشفافية وعدالة التوزيع.
وهذا قطعاً يحتاج أن يتكاتف المجتمع الدولى على وضع حلول قابلة للتنفيذ لضمان تعظيم الاستفادة من الذكاء الاصطناعى لخدمة البشر، وفى ذات الوقت تحييد المخاطر المرتبطة بالاستخدام اللاأخلاقى لهذه التقنيات، وخاصة على مستوى الدول الأقل تطوراً.
وفى الختام، نحن أمام عالم جديد شئنا أم لم نشأ، عالم تتسارع فيها وتيرة تطور التقنيات البازغة بسرعة تفوق القدرة على التصور، وفى القلب من كل ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعى بدون شك، والتى تتطور فى حد ذاتها كتقنية، ولكن فى نفس الوقت تطور معها كل التقنيات الأخرى بنفس الوتيرة، وكل ذلك مدفوعاً باستثمارات تبلغ آلاف المليارات من الدولارات كل عام، ومن يملك تلك التقنيات ستكون له الحصانة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، بل الهيمنة كذلك، وسيكون قادرا على حماية حاضره، وصناعة مستقبل مستدام له، أما من سيقرر أن يكون من الجالسين فى صفوف المتفرجين وحسب، ويظل مشغولاً طوال الليل والنهار بأخطار التكنولوجيا، دون النظر إلى فوائدها، أو دون العمل بكل ما أوتى من إرادة وإدارة وقوة وعلم وتمويل ليصبح طرفاً فاعلاً فى هذا العالم الجديد، بكونه صانعا للتقنية وليس مستهلكا لها، فلا يلومن إلا نفسه، لأن مصيره سيكون مثل مصير ساحرات القرون الوسطي.