فى لحظة عربية متوترة، وفى زمن تتكاثر فيه الضغوط والمؤامرات، انعقدت فى الدوحة قمة طارئة وُصفت إعلاميًا بأنها «قمة القلق العربي». لكن السؤال الأعمق الذى يفرض نفسه: هل تكون هذه القمة شرارة تبعث «الروح العربية» من جديد؟ وهل يمكن أن تتحول من مجرد اجتماع بروتوكولى إلى محطة مفصلية فى تاريخ الأمة؟
إن الهجوم الإسرائيلى على قطر لم يكن مجرد خرق عابر للسيادة، بل رسالة وقحة موجّهة إلى كل بيت عربي، تقول إن الحدود مستباحة، والقانون الدولى مجرّد ورق، والعدو يختبر أعصابنا ويقيس قدرتنا على الرد. ومن هنا جاءت الدعوة القطرية إلى القمة، ليس لأنها دولة مستهدفة فقط، بل لأنها أرادت أن تقول للعالم: «قطر ليست وحدها، والعرب لن يكونوا فرادى بعد اليوم».
الدوحة، التى لطالما عُرفت بدور الوسيط، وجدت نفسها فى قلب المواجهة، والمفارقة أن استهدافها قد يفتح الباب لإعادة اكتشاف معنى التضامن العربي. فالقصف الذى طال أراضيها كان بمثابة إنذار مبكر للجميع: إذا لم نتحرك اليوم، فغدًا قد تُمس سيادة عاصمة أخري.
القلق الذى يخيم على الأجواء مشروع ومفهوم، فنحن قلقون على سيادتنا ومستقبلنا ومكانتنا فى عالم لا يحترم إلا الأقوياء. لكن القلق وحده لا يصنع قرارًا، ولا يحمى أمة. المطلوب أن نترجم القلق إلى يقظة، وأن تتحول هذه اليقظة من ارتعاد خوف إلى ارتعاد اختيار، أى أن نهتز ونتحرك بإرادتنا، لا أن نرتجف انتظارًا لضربة جديدة.
التحديات كثيرة. أولها الانقسام العربي، تلك الثغرة التى ينفذ منها العدو كل مرة. ثانيها الضغوط الدولية التى تحاول دومًا أن تفرغ الغضب العربى من مضمونه وتعيده إلى مربع التسويات الهشة. وثالثها التنفيذ، فكم من قرارات وُلدت فى القمم وماتت فى الأدراج! إن لم تمتلك هذه القمة آلية للتنفيذ، فلن تكون إلا تكرارًا باهتًا لتجارب سابقة.
ومع ذلك، فإن الفرصة لا تزال قائمة. هذه القمة يمكن أن تعيد الثقة المفقودة بين الشعوب وقادتها، وأن تبرهن على أن العرب قادرون على الدفاع عن سيادتهم حين يتعرضون للامتهان. يمكنها أن تكون بداية لعودة التضامن العربى الإسلامى إلى الواجهة بعد سنوات من التراجع والخذلان. إن خرجت بقرارات شجاعة قابلة للتطبيق، ستكون رسالة إلى إسرائيل والعالم بأن العرب ليسوا متفرجين، وأن القانون الدولى ليس مسرحية هزلية.
لكن إن اكتفت القمة بالبيانات التقليدية، فستتحول «قمة القلق» إلى «قمة العجز»، وسيفقد المواطن العربى آخر ما تبقى لديه من أمل. فالأمة التى لا تحمى كرامتها، لا يعبأ بها أحد.
الدوحة اليوم ليست مجرد عاصمة تستضيف اجتماعًا استثنائيًا، بل قد تكون بوابة لإعادة بعث الروح العربية. روح تحتاج إلى يقظة، يقظة لا ترتعد خوفًا بل ترتعد وعيًا واختيارًا، لتقول للعالم: إننا هنا، وإننا قادرون على أن نحيا بكرامة أو نموت بشرف.
إنها ليست قمة قطر وحدها، بل قمة كل العرب، قمة المصير المشترك. والسؤال سيبقى معلقًا: هل تبعث الروح العربية من الدوحة؟ أم أننا سنُضيف سطرًا جديدًا فى سجل التردّد والهزيمة؟