تستضيف العاصمة الكازاخية، أستانا، يوم الثلاثاء المقبل، فعاليات المؤتمر الثامن لزعماء الأديان العالمية والتقليدية، وهو حدث عالمي يُنتظر أن يمثل منصة دولية رفيعة المستوى تجمع ممثلي الديانات والثقافات المختلفة.
المؤتمر في ظل أزمات العالم
يأتي المؤتمر، الذي يفتتحه رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، في وقت يواجه فيه العالم أزمات معقدة وصراعات دامية، أبرزها ما يحدث في غزة من قتل للأبرياء وانتهاكات صارخة للإنسانية. وهذا الواقع يضاعف من أهمية هذا التجمع الروحي والفكري الذي يرفع شعار السلام المشترك والعيش الآمن.
في ظل العنف والفوضى، يوفر هذا المؤتمر بصيص أمل. فهو ليس مجرد لقاء بروتوكولي، بل هو صرخة إنسانية تطالب بوقف الحروب، وخاصةً في غزة حيث ينزف الأبرياء كل يوم، كما أنه دعوة للضمير العالمي كي يستيقظ لوضع حد للقتل والتشريد ومحاولات التهجير التي تتعارض مع مبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان.
كازاخستان.. جسر للحوار
منذ استقلالها عام 1991، حرصت كازاخستان على ترسيخ مكانتها كدولة تؤمن بقيم التسامح الديني والتعدد الثقافي. وقد برزت مبادرتها التاريخية في عام 2003 باستضافة النسخة الأولى من مؤتمر زعماء الأديان، ليصبح منذ ذلك الحين ملتقى دوريًا يجمع ممثلين عن الأديان الكبرى مثل المسيحية، والإسلام، واليهودية، بالإضافة إلى العديد من الديانات الأخرى.
هذا التراكم عبر 7 مؤتمرات سابقة منح كازاخستان سمعة عالمية باعتبارها “جسر الحوار بين الشرق والغرب” و”العاصمة العالمية للتسامح”. والآن، مع استضافتها للمؤتمر الثامن، تواصل أستانا دورها الرائد في صناعة السلام الفكري والديني الذي قد يؤدي إلى حلول عملية لأزمات العالم.
أبرز رسائل المؤتمر وأهدافه
يركز المؤتمر الثامن على ترسيخ السلام العالمي من خلال الحوار بين الأديان، مع تناول القضايا الإنسانية الملحة التي تهدد البشرية. ومن أبرز رسائله:
- إدانة العنف والإرهاب بكل أشكاله ورفض استغلال الدين في تبرير القتل وسفك الدماء.
- الدعوة لوقف قتل الأبرياء في غزة وحماية المدنيين في جميع مناطق النزاع.
- تعزيز قيم العدالة، والمساواة، والرحمة في العلاقات الدولية.
- تقديم الدين كجسر للتعاون وليس كسلاح للانقسام.
هذه الرسائل ليست مجرد شعارات، بل هي توجه عملي يسعى المؤتمر إلى تجسيده في وثائق ختامية وبيانات رسمية لتكون بمثابة مرجع أخلاقي وإنساني للدول والمنظمات.
غزة.. جرح في ضمير العالم
سيكون الملف الفلسطيني، وخاصة المجازر المستمرة في غزة، حاضرًا بقوة في مداولات المؤتمر. وقد شددت القيادات الدينية المشاركة على أن وقف قتل الأبرياء أصبح مسؤولية جماعية، وأن صمت العالم على هذه المأساة يهدد مبدأ العدالة الدولية بأكمله.
من المتوقع أن يرفع المشاركون أصواتهم للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود، وحماية المدنيين، ووضع أساس لحل سياسي عادل يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني. ويمثل إدراج هذا الملف الإنساني في جدول أعمال المؤتمر دفعة قوية، ويحول الاجتماع من مجرد نقاش فكري إلى صوت عالمي ضاغط من أجل تحقيق العدالة.
مشاركات بارزة ودبلوماسية الأديان
يشهد المؤتمر حضورًا مميزًا لقيادات دينية بارزة من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الدكتور أسامة الأزهري، ممثلًا عن الأزهر الشريف، ووفدًا من الفاتيكان، وممثلين عن الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية، وحاخامات بارزين يمثلون الطائفة اليهودية، وزعماء روحيين من البوذية، والهندوسية، والطاوية، والشنتوية، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة واليونسكو.
هذا التنوع الفريد يجعل المؤتمر أكبر منصة دينية عالمية تتبنى هدفًا إنسانيًا واحدًا هو “إعلاء قيمة الحياة”. ويؤكد منظمو المؤتمر أن الاختلاف في المعتقدات لا يجب أن يكون سببًا للصراع، بل دافعًا للتعاون.
ويرى المراقبون أن المؤتمر يعكس صعود مفهوم “دبلوماسية الأديان” كأداة موازية للدبلوماسية السياسية. ففي الأوقات التي قد تعجز فيها الحكومات عن إيجاد حلول، يمكن للقادة الدينيين أن يفتحوا مسارات جديدة قائمة على القيم الأخلاقية والروحية.
النتائج المتوقعة
من المتوقع أن يُسفر المؤتمر عن نتائج مهمة، أبرزها:
- إصدار إعلان أستانا 2025 الذي يتضمن إدانة واضحة للعنف والحروب.
- توجيه نداء عالمي لوقف قتل الأبرياء في غزة وكل مناطق النزاع.
- وضع آليات عملية لتعزيز التسامح ومناهضة خطاب الكراهية.
- إطلاق مبادرات مشتركة بين المؤسسات الدينية لدعم اللاجئين وضحايا الحروب.
- تعزيز دور كازاخستان كدولة محورية في بناء جسور الحوار العالمي.
إن نجاح المؤتمر يعتمد على قدرته على تحويل الكلمات إلى أفعال، وإقناع قادة العالم بأن الدين ليس أداة للتقسيم، بل طاقة كبرى لصناعة السلام. وكما يقول المنظمون: “إذا اجتمع القادة الدينيون على كلمة سواء، فإن صوتهم سيكون أقوى من صوت المدافع”.