الحديث المتكرر لرئيس الوزراء الإسرائيلى المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية ووزرائه المتطرفين سيموتريتش وزير المالية بتسلئيل وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومى ووزير دفاعه ورئيس أركان جيشه حول ما يسمونه «تغيير الشرق الأوسط» لا يمكن اعتباره حديثا عابرا بالنظر إلى السلوك الإسرائيلى فى المنطقة منذ فترة وربما من قبل السابع من أكتوبر 2023، لكن هذا السلوك بعد السابع من أكتوبر تحول إلى خارطة طريق إمبريالية، اليوم انكشف اليمين المتطرف الإسرائيلى أكثر من أى وقت مضى وبات المشروع الصهيونى فى المنطقة كهدف استراتيجى فى العلن، ولا يستحى نتنياهو وأمثاله إظهار نواياهم، وباتوا اليوم فى حل من الدفاع عن طبيعة مشروعهم، فبعد أن كانوا يصدرون للرأى العام العالمى عبر جماعات الضغط والمنظمات اليهودية المتفرقة فى الولايات المتحدة وأوربا أنهم دولة صغيرة متحضرة تريد العيش بين جيرانها بسلام، الآن هم من يجاهرون بقوتهم على التوغل وابتلاع الأرض والاعتداء على السيادة ويحددون الخرائط للمنطقة بأقلامهم ولا احترام للجغرافيا السياسية والقانون الدولي.
لا يمكننا القول إن هذا السلوك وهذه الأهداف جديدة على الكيان الصهيوني، فهى موجودة ربما من قبل وجود الكيان ومنذ وعد بلفور المشؤوم، كل ما فى الأمر أنهم كانوا يخفون العداء ويظهرون للعالم أنهم يريدون السلام، وكان العرب يجاهدون فى سبيل اعتماد سرديتهم تجاه الكيان الاستعمارى ويجدون صعوبة فى التواصل السياسى الفعال مع المجتمع الدولى ومؤسساته لإقناعهم بعنصرية المشروع الصهيوني، فى ظل هيمنة يهودية على مراكز القرار والإعلام الغربي، هذا بالطبع إلى جانب الوصاية التاريخية للولايات المتحدة على الكيان الصهيونى منذ نشأته وحتى الآن والدعم المتعدد الأوجه ماليا وعسكريا ومعنويا ولوجستيا ودبلوماسيا، ماأكسب السردية الإسرائيلية حصانة دولية داعمة تطغى على الحقائق التاريخية والجغرافيا، وتأمن إسرائيل من العواقب وتقف حائلا دون استصدار قرارات تدينها وإن صدرت فهى قرارات بلا أنياب،لا تنفذ، وفى المقابل كانت دائما السردية العربية منبوذة عالميا، فالعرب عوملوا وكأنهم أقوام درجة ثانية يهاجمون إسرائيل ويعتدون عليها بلا سند ويريدون زوالها.
الآن أصبح اللعب على المكشوف والنوايا الخفية ظهرت، الكره للعرب بات عنوانا رئيسيا فى صحف إسرائيل والعالم، قادة إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو يتبنون فلسفة «الجدار الحديدي» التى أسسها زئيف جابوتنسكي، الأب الروحى لليمين الإسرائيلي، ومؤسس الحركة التصحيحية أو التنقيحية فى عشرينيات القرن الماضي، والتى تقوم على ضرورة بناء قوة عسكرية ساحقة واستباقية، تحيط إسرائيل بدرع منيع من القوة والردع، ونتنياهو يتحرك فى كل مكان حاملا معه ما يسميه خريطة إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر ويردد النبوءات التوراتية المزعومة عن أرض الميعاد ومهمته التاريخية الروحية فى محو جيرانه العرب حتى لا يصبح فى المنطقة غيره، يريد ابتلاعهم وينتظر أن تعطيه الولايات المتحدة كوب ماء ليبلع ما التهمه، وبناء على هذه المهمة يتحرك نتنياهو يمينا ويساراً وشمالا وجنوبا ليستعرض فائض القوة بالسلاح الأمريكى والأوربى والحصانة الدولية فى مجلس الأمن بالفيتو الأمريكى وهو يقدم للمنطقة ما يسميه «إسرائيل الجديدة» ومشروعها الكبير «إسرائيل الكبري» والذى لم تعد مشكلته فقط مع حماس ولا مع محور الممانعة وإنما مع المنطقة بأكملها.
بالهجوم الإسرائيلى الفاشل مؤخرا على اجتماع لقيادات حماس فى قطر يقول نتنياهو بمنتهى الوضوح إنه أطلق رصاصته على المفاوضات فماتت وهى ميتة أصلا، ويمضى فى طريقه لاستكمال مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة والتوغل فى الضفة الغربية للقضاء على حلم الدولة الفلسطينية.
ما فعلته إسرائيل فى العاصمة القطرية الدوحة هو إرهاب دولة واعتداء صريح على سيادتها وانتهاك سافر للقانون الدولي، ولا يختلف كثيرا عما فعلته وتفعله فى غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسورية.
الآن سقطت كل الأقنعة وبدا واضحا للعالم ما هو المشروع الصهيونى العنصرى الذى يعلن استعداءه للجميع ويهدف إلى الإبادة، على حساب المنطقة وما هو الشرق الأوسط الجديد الذى يتشدقون بأنهم يعيدون رسمه، وفى سبيل ذلك تمارس إسرائيل البلطجة السياسية وتضرب الخصوم والمحايدين وحتى السائرون «جنب الحيط»، ولا تزال الولايات المتحدة تشكل غطاء واقيا لجرائم إسرائيل الواضحة وضوح الشمس والمجتمع الدولى ومؤسساته فى ثبات عميق.