عندما تقف على أعتاب الحقيقة مجرّدًا، سترى كل شيء بوضوح. ستكتشف أن المجانين – أو لنقل تأدبًا «الحمقي» – هم من يشعلون الحروب ويؤجّجون الصراعات لتحقيق مآرب شخصية ونزوات مريضة. فالدولة التى يحكمها مجنون تغلبه نزعاته الهوجاء، مصيرها إلى الهلاك ثم الزوال. هذا درس علّمنا إياه التاريخ، وسجّل لنا عشرات النماذج التى تسلّلت إلى مواقع الحكم عبر دروب الشيطان، وجلست على عروش السلطة ببركة إبليس نفسه، فكانت النتيجة خرابًا ودمارًا.
لدينا المثال الأبرز: أدولف هتلر، الذى انساق وراء جنونه وأوهامه، فقاد العالم إلى أتون حرب كبرى أكلت الأخضر واليابس، وأهلكت ملايين البشر، قبل أن ينتهى به الحال مهزومًا منتحرًا، وتُقسم بلاده إلى أشلاء. واليوم يقف بنيامين نتنياهو على نفس الدرب، بعقلية مأزومة ونزعة دموية، وقرارات تحركها أوهام مريضة. السؤال: هل يلقى نفس مصير هتلر، أم أن الزمن قد تبدّل وأصبح للمجانين سبل أخري؟
الثابت عندى أن نتنياهو مصاب بجنون السلطة، تدفعه معتقداته الفاسدة وشخصيته المريضة إلى ارتكاب كل تلك الجرائم. فقد أشعل حروبًا وصراعات أودت بآلاف الأبرياء، وأصدر أوامر بتصفية قيادات فى دول آمنة، وربما بعضها حليف لدولته. الرجل أصيب بما يمكن وصفه بـ»متلازمة الدم»: كلما قتل اشتهى المزيد، كلما هوجم تلذذ بالشتائم، وكلما انتُقد ازداد تعطشًا للمزيد من سفك الدماء.
نسى نتنياهو أنه يقود دولة عضوًا فى الأمم المتحدة، يفترض أنها تلتزم بمواثيقها وقوانينها، لكنه اختار أن يدير الحكم كما يفعل زعيم عصابة فى حارة، أو بلطجى يفرض سطوته: لا قانون يردعه، ولا مناشدات يسمعها، ولا نصائح ينتبه إليها. وحده صوت نفسه المريضة هو ما يسيطر عليه، صوت يسعى إلى الخراب والدمار والقتل وترويع الآمنين.
يبقى السؤال الأخطر: هل يمكن لهذا المجنون أن يوجه جنونه نحو مصر؟ السؤال يبدو غريبًا، لكنه يفرض نفسه. فالمجنون لا يمكن التنبؤ بسلوكه، ولا تقدير تحركاته، ولا يجوز التعامل معه كما لو كان عاقلًا. نحن نعرف أنه أحمق ومتهوّر، فهل يصح أن نتعامل معه على أنه حكيم رزين؟
الحقيقة التى يجب أن ندركها أن هذا المجنون قادر على أن يفعل أى شيء مع أى أحد دون حساب أو تقدير. قد يكرر مع مصر أو مع السعودية ما فعله مع قطر أو إيران، بذات العقلية المريضة التى تسبح بعيدًا عن جغرافية المنطق والعقل، وتغوص فى عوالم اللامعقول واللا متوقع.
ومن هنا تأتى ضرورة الانتباه. أعلم يقينًا أن مصر مستعدة لكل الاحتمالات، وأن جيشنا قادر – إذا فُرض عليه القتال – أن يدفن نتنياهو وأوهامه فى قلب تل أبيب. لكن فى الوقت نفسه علينا أن نضاعف يقظتنا، وأن نصطف ونتوحد بوعى شديد.
أول ما يجب الانتباه له هو ما يُبث من شائعات مدفوعة الأجر، تستهدف ضرب المجتمع المصرى فى قلبه وزرع بذور الفتنة داخله. ثانيها، أن نتجنب الدخول فى ملاسنات أو مكايدات مع أى شعب عربي، فالأمة العربية فى هذه اللحظة أحوج ما تكون إلى التماسك لا إلى التشظي.
وقبل كل ذلك، علينا أن نتابع سهام أعدائنا من جماعة الإخوان لندرك أين تكمن الحقيقة. هذه الجماعة لم تكن يومًا مسلمة بحق، بل هى صنيعة صهيونية متأسلمة، تردد ما يقوله نتنياهو حرفيًا. أذكّركم بعبارة مشهورة: حينما قال نتنياهو «افتحوا المعبر إنقاذًا للشعب الفلسطيني»، ردّدها الإخوان كأنهم تلاميذه المخلصون. وحين ترى خطاب الجماعة متطابقًا مع خطاب نتنياهو، تدرك ببساطة أن العدو واحد، والغاية واحدة، وإن تغيّرت الشعارات.
إنها حروب المجانين يا سادة، لا عقل فيها ولا منطق. والتاريخ لا يرحم، فقد علمنا أن كل من أشعلها انتهى محترقًا بنارها. وها نحن اليوم أمام مجنون جديد اسمه نتنياهو، يقود كيانًا غاصبًا، ويندفع إلى هاوية لا قاع لها. فلتكن يقظتنا هى السلاح، ووحدتنا هى الحصن، ولتكن مصر – بجيشها وشعبها – كما كانت دائمًا، عصيّة على أن يمسها جنون المجانين.