أواصل الحديث حول الإستراتيجية الوطنية للتصنيع الزراعى التى تقوم بتنفيذها الدولة المصرية. وأتحدث اليوم عن البنية التحتية لمشروعات التصنيع الزراعي.. وتلعب هذه البنية دوراً حيوياً فى دعم وتطوير مشروعات التصنيع الزراعى فى مصر، حيث تمثل الأساس الذى تقوم عليه هذه الصناعة. إن الاستثمار فى تحسين وتحديث هذه البنية يعزز من كفاءة الإنتاج، ويقلل من الفاقد، ويزيد من القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق المحلية والدولية. وتتعدد جوانب هذه البنية لتشمل مجالات رئيسية مثل النقل والطاقة، والمياه، والاتصالات، بالإضافة إلى المناطق الصناعية المتخصصة.
وتعد شبكة النقل شريان الحياة لمشروعات التصنيع الزراعي.. فمن الضرورى وجود طرق وسكك حديدية وموانئ قوية وفعالة لربط مناطق الإنتاج الزراعى بمصانع التصنيع، ومن ثم تسهيل نقل المنتجات النهائية إلى الأسواق والمنافذ التصديرية.
وقد استثمرت الحكومة بشكل كبير فى تطوير شبكة الطرق القومية، مما ساهم فى تقليل زمن النقل وتكلفته. وتعتبر الطرق الرئيسية التى تربط الدلتا بالصعيد، والمناطق الصحراوية المستصلحة بالمدن والموانئ، حاسمة لنقل المحاصيل والمواد الخام.
ويمكن أن تلعب السكك الحديدية دورا أكبر فى نقل المنتجات الزراعية بكميات كبيرة، خاصة للمسافات الطويلة، مما يقلل من الضغط على الطرق ويخفض تكاليف النقل.
كما تعد الموانئ مثل الإسكندرية ودمياط، وبورسعيد، والسخنة نقاطا محورية لتصدير المنتجات الزراعية المصنعة. ويجب أن تكون هذه الموانئ مجهزة بمرافق تخزين مبردة ومراكز لوجستية متطورة لضمان جودة المنتجات حتى وصولها إلى وجهتها النهائية. كما تستخدم المطارات فى نقل المنتجات سريعة التلف.
ويعتبر توفير الطاقة بشكل مستدام وموثوق أمرا بالغ الأهمية لتشغيل المصانع الزراعية. وتعتمد هذه المصانع على الكهرباء لتشغيل الآلات، وأنظمة التبريد والإنارة.
وقد حققت مصر طفرة فى توليد الكهرباء، مما أدى إلى القضاء على مشكلة انقطاع التيار الكهربائى التى كانت تؤثر على الإنتاج. ويمكن للمصانع الآن الاعتماد على شبكة كهرباء مستقرة.. كما يتجه العديد من المصانع إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. هذا التوجه يقلل من التكاليف التشغيلية ويساهم فى تحقيق الاستدامة البيئية، وهو عامل مهم فى جذب المستثمرين الأجانب. كما يجب ضمان توفير كميات كافية من المياه النظيفة للمصانع. وتعتبر محطات معالجة المياه ضرورية لإعادة استخدام المياه فى عمليات لا تحتاج إلى درجة نقاء عالية، مما يقلل من الهدر. وتعد شبكات الصرف الصناعى ومعالجة المخلفات السائلة ضرورية لمنع التلوث البيئي، وهو شرط أساسى للحصول على شهادات الجودة والتصدير. كما تعتبر البنية التحتية الرقمية أساسية لتحديث الصناعة، إضافة إلى وجود شبكات إنترنت قوية وفعالة يمكن المصانع من استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل إنترنت الأشياء لمراقبة خطوط الإنتاج والتحكم فى الآلات عن بعد، وتحليل البيانات لزيادة الكفاءة. ويمكن استخدام التطبيقات الرقمية فى تتبع المنتجات من المزرعة إلى المصنع ومن ثم إلى المستهلك، مما يعزز من الشفافية ويسهل عمليات التتبع، وهو أمر مهم للمحافظة على جودة المنتجات. وتعمل الحكومة المصرية على إنشاء وتطوير مناطق صناعية متخصصة فى التصنيع الزراعي. وتعد هذه المجمعات مناطق مخصصة تضم مصانع التصنيع الزراعي، مما يسهل توفير الخدمات اللوجستية المشتركة ويقلل من التكاليف. وتوفر هذه المناطق بنية تحتية متكاملة من شبكات كهرباء، ومياه، وصرف صحي، وطرق داخلية. كما يتم إنشاء مراكز لوجستية بالقرب من الموانئ والمطارات والمناطق الصناعية لتسهيل عمليات التخزين، والتوزيع، والتصدير. هذه المراكز مجهزة بمستودعات مبردة ومراكز فرز وتعبئة، مما يضمن وصول المنتجات طازجة وسليمة إلى الأسواق.
وعلى الرغم من التقدم الكبير فى تطوير البنية التحتية، لا تزال هناك تحديات. أحد أبرز التحديات هو الحاجة إلى المزيد من الاستثمار فى التخزين المبرد على طول سلسلة التوريد . كما أن هناك حاجة لتحسين كفاءة استخدام الموارد، وتطبيق التقنيات الحديثة فى جميع مراحل الإنتاج. وتُشكل الفرص المستقبلية فى التوسع فى مشاريع الاستصلاح الزراعى فى المناطق الصحراوية، والتى تتطلب بنية تحتية جديدة تماما، فرصة كبيرة لزيادة الإنتاج الزراعى والمصنع. إن البنية التحتية القوية والمتطورة ركيزة أساسية لنمو وازدهار قطاع التصنيع الزراعى فى مصر. كما أن الاستثمار المستمر فى هذه البنية، مع تبنى التقنيات الحديثة، سيعزز من قدرة مصر على تحقيق الأمن الغذائي، وزيادة صادراتها، وخلق فرص عمل جديدة.
وللحديث بقية.