فى أعقاب حرب تحرير الكويت عام 1991 بعد قيادة القوات الأمريكية لعملية «عاصفة الصحراء» التى استهدفت القوات العراقية التى احتلت الكويت عام 1990 فإن هناك قناعات سادت المنطقة بأسرها مؤداها أن الاعتماد على الامريكان والسماح لهم بإقامة قواعد عسكرية واتفاقيات أمنية مشتركة يضمن الأمن والحماية ويمنع أى عدوان مستقبلى على هذه الدول.
ومنذ ذلك التاريخ.. والمنظومة العربية تشهد تفككا.. والوعى العربى أصبح غائبا.. و العقل العربى منهارا.
والأمر لم يتوقف عند الاستعانة بالأمريكان، بل تعدى ذلك إلى دعوات وخطوات نحو إسرائيل التى أصبح البعض يعتقد انها الحليف الجديد فى المنطقة والقاعدة المتقدمة للأمريكان للتدخل عند وجود أخطار خارجية مثل الخطر الإيرانى الذى بالغت دول الغرب فى تضخيمه..!
وجاءت أحداث غزة الدامية بعد عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر من عام 2023 لتهدم كل الأوهام السياسية التى تبلورت خلال العقود الماضية.
فعملية طوفان الأقصى وما تلاها من تدمير قطاع غزة فى أكبر مأساة إنسانية كشفت للعقل العربى حقيقة أوهام التعايش والتعاون مع قوة احتلال تنظر للعالم العربى على أنه فريسة ولقمة سائغة يسهل الانقضاض عليها والتهامها.. كما اوضحت أن إسرائيل لم تتخل يوما عن أفكارها التوسعية وأنها تسعى إلى الحلم التاريخى فى إقامة دولة إسرائيل الكبري.
وعندما تلاقت إرادة نتنياهو إسرائيل مع ترامب أمريكا فإن العالم العربى هو من دفع الثمن فى عدوان إسرائيلى لم يتوقف عند مرحلة التدمير والقتل وإنما تعدى ذلك إلى مرحلة التهجير القسرى للقضاء على القضية الفلسطينية وحلم الدولة الفليسطينية المستقلة.
وبالغ نتنياهو إسرائيل فى حماقته فاستفز الخليج العربى بضرب قيادات حركة حماس على أراضى دولة قطر فى أول مواجهة واعتداء إسرائيلى على دولة خليجية.
>>>
ورب ضارة نافعة.. فالاعتداء الإسرائيلى على قطر أعاد للعقل العربى وعيه، وأعاد تقييم الحسابات والسياسات.. والذين ظنوا أن للتعلب دينا اكتشفوا انهم كانوا فى حالة من الوهم والخداع.. وأن الأمان.. الذى كانوا يبحثون عنه سوف ينقلب على الجميع ضعفا وهوانا واستسلاما.
وفى مرحلة سابقة من مراحل تغييب العقل العربى فإن مصر العروبة كانت لا تتوقف عن دق ناقوس الخطر.. كانت تحذر وتنبه إلى ما سيحدث.. لم تكن تبحث عن الأمن والأمان لمصر وحدها وإنما كانت تدرك أن الانقسام العربى وغياب الوعى و محاولة اضعاف مصر هى مقدمات للسيطرة والهيمنة على المنطقة بأسرها.
ومصر التى كانت وستظل العمق الإستراتيجى لكل الدول العربية حاربت معركتها الاقتصادية ومحاولات الضغط على قرارها السياسى وهى تنظر حولها وتتعجب من ضغوط تمارس هنا وهناك دون أن يكون هناك تجاوب ومساندة تعيد التوازن وتحافظ على قوة مصر التى هى قوة وسند لكل العرب.
«ورب ضارة نافعة» فحماقة نتنياهو جاءت لتصحح أوضاعا متردية فى عالمنا العربي.. حماقة نتنياهو أعادت عزلة إسرائيل عربيا ودوليا.. حماقة نتنياهو كانت أكثر ضررا على إسرائيل من أضرار طوفان الأقصى على الفلسطينيين..!
>>>
ونذهب إلى حواراتنا.. والناس التى أصبحت تعيش حياتها داخل قوقعة وشرنقة السوشيال ميديا.. وأتحدث فى ذلك عن الفيديوهات المصورة التى تعج وتمتليء بها السوشيال ميديا لأحداث كانت تمر مرور الكرام فى حياتنا اليومية والآن تصبح نوعا من الحوارات والانقسامات وتبادل الاتهامات والاستفزازات.
وأتحدث فى ذلك عن «خناقة» عادية يتكرر حدوثها عند كل حادث مرورى بسبب الانفعال أو أخطاء البعض فى القيادة.. وينفعل هذا وذاك ويتدخل اولاد الحلال و»صلوا على النبي» وينتهى الأمر ــ ويذهب كل واحد من أطراف «الخناقة» إلى حال سبيله..!
ولكن ما يحدث الآن مختلف تماما عن ذى قبل.. فالآن هناك تصوير وهناك اصطياد للأخطاء والانفعالات وبث مباشر وغير مباشر على مواقع التواصل الاجتماعى ودخول أطراف جديدة على خط المواجهة والتعليق والتضخيم وصب الزيت على النار.
ففى حادث سيارة اصطدمت بأخرى فقد خرج الرجل الذى تعرض لاصطدام من الخلف وعاتب بقسوة قائد السيارة الأخرى فى عبارات انفعالية خاطئة بعيدة عن صوت العقل الذى كان غائبا وامتدت العبارات إلى التعرض للفلاحين قائلا: لمن اصطدم به انت فلاح من المنوفية..!
وأيا كانت حدة العبارات و قسوة الكلمات فإنها خرجت وحرفت عن سياقها لتصبح قضية تتعلق بالتقليل من شأن الفلاحين وقدراتهم وأهميتهم مع ان الحادث كان فرديا والرجل كان كبيرا فى السن لم يتمكن من السيطرة على انفعالته..!
>>>
وعبدالحليم حافظ فى «قارئة الفنجان» غنى للماضى والحاضر والمستقبل.. وستفتش عنها يا ولدى فى كل مكان، وستسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن وتجوب بحارا وبحارا وتفيض دموعك انهارا وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجارا وسترجع يوما يا ولدى مهزوما مكسور الوجدان، وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان، فحبيبة قلبك ليس لها.. أرض.. أو وطن أو عنوان.. ما أصعب أن تهوى امرأة.. يا ولدى ليس لها عنوان.. يا ولدي!
>>>
وأخيرا:
المكان الذى كنت أهرب إليه لم يعد مكاني.. !
>>>
وعش اللحظة التى تود ولا تبالي..
>>>
وفخور بنظافة قلبى الذى لم تستطع أن تلوثه الدنيا ولا ناسها.
>>>
وتوقف عن لوم نفسك، ستمضى الأمور إلى حيث من المفترض لها أن تمضي.