وجوه لم تكن تعرف إلا تلك الأتربة العالقة فى بنايات سكنتها العشوائية قبل أن تسجن خلفها طفولتهم البريئة فباتت الحياة بلا معنى بالنسبة لهم بعد أن ضلت الأحلام طريقها إليهم ولم يعد يصاحبهم سوى كابوس الموت أسفل المنازل المتصدعة الآيلة للسقوط بين وقت وآخر.. هكذا كان حال أطفالنا فى المناطق غير الآمنة قبل أن تمتد إليها يد التطوير وتحيل الخراب إلى مجتمعات عمرانية متكاملة الخدمات لترسم الحياة الكريمة أحلامهم فى حياة جديدة .
ومن ضمن العديد من المشروعات الخاصة بالسكن البديل لأهالينا فى المناطق العشوائية الخطرة جاء مشروع الخيالة الذى يمتد على مساحة 3705 فدان ليوفر 2268 وحدة سكنية من خلال 42عمارة بخلاف ما يضمه من خدمات متكاملة حيث مدرسة ومركز شباب ومركز طبى ونقطة إسعاف ومسجد وكنيسة ومكتب بريد ونقطة شرطة بجانب حدائق عامة ليوفر المشروع أسس الحياة الكريمة لسكان مناطق« الجيارة والسكر والليمون وحوش الغجر» تلك المناطق التى كانت تفتفر للحد الأدنى من الخدمات بل كانت محرومة منها تماماً الأمر الذى أحال حياة السكان بها إلى جحيم ليتحول الأمر لنعيم بعد نقلهم لمساكن الخيالة التى تم تسليمها لهم مؤثثة بالكامل .
إلى هنا قد يبدو الأمر قد انتهى لكن إرادة التطوير فى الجمهورية الجديدة لا تعرف التوقف وبدأ التفكير فى تحسين البيئة بشكل يعيد بناء الإنسان فى تلك المناطق لتتضافر كافة الجهود من أجل رسم سعادة سكان الخيالة عبر مجموعة من الأفكار نجحت فى طبع ابتسامة على وجوه الجميع .
إعادة تأهيل الفراغات تجربة ملهمة شهدتها منطقة الخيالة من خلال تحويل فراغ عام بين العمارات كان يستخدم بشكل سيئ لمنطقة نشاط ترفيهى يمكن لأطفال المشروع الاستمتاع من خلال التواجد داخله وممارسة العديد من الأنشطة من خلال مكونات بسيطة تم تنفيذها بالتعاون بين المجتمع المدنى وسكان المشروع لنجد أنفسنا داخل منطقة سعادة لجميع أطفال مشروع الخيالة ليس هم فقط بل لأهاليهم الذين عاشوا الفرحة مع أولادهم .
الدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة يرافقه المهندس خالد صديق الرئيس التنفيذى لصندوق التنمية الحضرية شهدا منذ أيام احتفالية بمشاركة أهالى الخيالة قاما خلالها بافتتاح مشروع «فراغ عام مميز» تم تصميمه وتنفيذه بمشاركة مجتمعية مميزة فى منطقة الخيالة والتى تعد أحد أقدم أحياء القاهرة التاريخية ويأتى المشروع كجزء من المبادرة الدولية الحوكمة الحضرية والمشاركة فى تصميم الفراغات العامة فى المدن العربية» والتى تركز على تعزيز مشاركة السكان فى تصميم وتطوير الفراغات الحضرية بما يعكس هويتهم ويلبى احتياجاتهم الحياتية.
وخلال الافتتاح ثمن محافظ القاهرة جهود التعاون بين السكان والجهات المختصة والتى تمت بدعم من صندوق التنمية الحضرية والشركاء الدوليين لتعزيز جودة الحياة وتطوير مساحة تجمع آمنة ومستدامة لجميع فئات المجتمع مؤكداً أن ما تم هو نموذج عملى ناجح فى التشاركية الحضرية والابتكار فى إعادة تأهيل الفراغات العامة تأكيداً على الدور الريادى لصندوق التنمية الحضرية فى تحسين البنية التحتية الحضرية .
اهتمام بالغ
وأكد محافظ القاهرة أن هذا المشروع يأتى تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية برفع جودة الحياة المقدمة للمواطنين فى المناطق الأكثر احتياجًا الأمر الذى أولت معه المحافظة اهتمامًا بالغًا لتطوير المناطق غير الآمنة وتحسين مستوى الخدمات المقدمة فيها ومن هنا كان هذا المشروع الذى يهدف لتطوير الفراغات العامة لقاطنى مدينة الخيالة وإحداث أثر مستدام يسهم فى خلق حياة ثقافية واجتماعية وترفيهية بالمكان وتخصيص أماكن للعب والترفيه مع مراعاة معايير الأمن والسلامة مشيراً إلى أن مالمسه من فرحة وسعادة على وجوه الأطفال وأهاليهم هو أكبر حافز لمواصلة المشوار
تعاون دولى
من جانبه قال المهندس خالد صديق الرئيس التنفيذى لصندوق التنمية الحضرية إن هذا المشروع جاء ضمن فعاليات ورشة عمل لمشروع «الحوكمة الحضرية المحلية: المشاركة فى الفراغات العامة بالمدن العربية (PR-GPS)» والتى أقيمت فى منطقة الخيالة بمدينة القاهرة وهو مشروع تعاون بحثى دولى ويعد الصندوق الشريك الحكومى المصرى فى هذا المشروع الذى يضم أكثر من 20شريكًا من جامعات وهيئات حكومية ومنظمات مجتمع مدنى من 8 دول هى مصر ،ألمانيا، تونس، الأردن، لبنان، السودان، العراق، واليمن ضمن جهود تعزيز تطوير الفراغات العامة بطريقة تشاركية وحضارية تلبى احتياجات السكان وتعكس هويتهم الثقافية والاجتماعية.
قال المشروع من الأفكار الجميلة التى يتم تنفيذها وهى فكرة استغلال الفراغ وتحويله لمنطقة خدمات لأهالى المنطقة بعيداً عن تركه ليتحول لمنطقة مهملة يلقى فيها القمامة وتمارس فيها أفعال خارجة عن القانون .
توظيف الطاقات
أضاف الأهم فى الموضوع هو فكرة استغلال الطاقة الموجودة عند الأطفال والشباب فى شئ إيجابى بدلاً من تركهم فى الشارع بلا هدف الآن هم فى مناطق آمنة وتحت أعين أهاليهم خيث تحول فراغ الخيالة من مساحة رمادية مهجورة إلى بيئة حضرية نابضة بالحياة توفر الألعاب وأماكن الجلوس والتظليل والأشجار بمشاركة السكان والمتطوعين من طلبة خمس جامعات مصرية ساهموا جميعا فى ورش تصميم وتنفيذ عملى مستخدمين المواد المحلية ومستفيدين من العمالة المتاحة بالمنطقة مما يعزز إحساس الملكية ويضمن استدامة المشروع ويحرك النظام الاقتصادى المحلى للخيالة.
أشار إلى أن فكرة استغلال الفراغات فى المدن العربية فكرة تم تطبيقها من قبل فى الأسمرات وأردنا أن تمتد للخيالة ومن المقرر أن تمتد لجميع مشاريعنا الخاصة بتطوير المناطق العشوائية لأننا نستهدف جذب أولادنا وإخراج طاقتهم فى أشياء مفيدة .
أكد أن مثل هذه المشروعات تحقق فلسفة الدولة المصرية فى بناء الإنسان فمع التطوير باتت لدى سكان مشروعات الإسكان البديل رغبة فى تحقيق الأفضل ونحن نسعى كصندوق لتحقيقه لهم وتمكينهم من رسم سعادة أطفالهم كما حدث فى مشروع الفراغ والذى نفكر حاليًا فى تسليمه للجمعية الأهلية بالخيالة لإدارته للحفاظ عليه فالاستدامة أهم من التنفيذ.
تعميم التجربة
ووعد المهندس خالد صديق بتحويل جميع الفراغات داخل المدن لنماذج مشابهة حيث ستقتصر المرحلة الأولى على المشروعات التى نفذها الصندوق على أن يمتد الأمر فى المرحلة الحالية ليصل لكل المدن المصرية والفراغات المتواجدة فيها وهناك اجتماعات على مستوى دولى لبحث آلية تحويل تلك الفراغات لمشاريع استثمارية وترفيهية فهدفنا هو إسعاد أهالينا .
وعن مشكلة التسرب من التعليم الموجودة فى مشروعات السكن البديل قال المهندس خالد صديق نتعاون مع التعليم لتشجيعهم على دخول المدارس من خلال حل بعض المشاكل مثل الأوراق الثبوتية حيث لاحظنا عدم وجود شهادات ميلاد لبعض الأطفال وهذه مشكلة كبيرة يتم حلها بالتعاون مع الجهات المعنية هذا بالنسبة للسن الصغير واستخراج البطاقات لمن تجاوز سنه مرحلة دخول المدرسة وهناك تنسيق مع الهيئة العامة لتعليم الكبار للالتحاق ببرامج محو الأمية فنحن حريصون على تقديم نموذج شامل لمفهوم التطوير .
أشار إلى أن نموذج الورش الحرفية التى تم تطبيقها فى الأسمرات وحققت نجاحاً كبيراً سيتم نقلها للخيالة حيث يتم دراسة تحويل بعض الفراغات لمصانع صغيرة أو ورش تمكن سكان المنطقة من تعلم حرفة تساعدهم على تحقيق مصادر دخل .
قيمة مضافة
أوضح المهندس محمد حسين رئيس جهاز الخيالة أن تطوير الفراغات فكرة سبق تنفيذها فى الأسمرات وأردنا نقلها للخيالة بعد رصد حاجة السكان لذلك موضحاً أن الأمر لاقى اهتماماً كبيراً ورغبة فى المشاركة وبأفكار بسيطة تحول مكان مهجور لمنطقة سعادة للكبار والصغار .
أكد أن تعظيم قيمة المشاركة للحفاظ على المكان قيمة مضافة فى المشروع فالطفل الذى لون جزءاً فى الفراغ سيكون أول المهتمين بالحفاظ عليه وهذا نوع من تشكيل وعى وسلوك أطفالنا بشكل إيجابى من خلال غرس قيم الانتماء وتعزيز قيم العطاء .
أضاف مشروع الخيالة جاء لتحقيق مفهوم الحياة الكريمة وفقاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو ما نعمل على تحقيقه من خلال الأنشطة والدورات التوعوية التى نطلقها بالتعاون مع وزارتى التضامن الاجتماعى والثقافة من أجل خلق مجتمعات أكثر وعياً وانتماء من خلال تلبية احتياجاتها .
فرحة الأطفال
« الجمهورية « رصدت فرحة أطفال مشروع الخيالة للسكن البديل بالمشروع الجديد الذى يأتى كمتنفس ترفيهى وثقافى لهم حيث يضم مجموعة من العناصر التى تحقق جودة الحياة من خلال ما يضمه المشروع من مكونات هى مناطق مفتوحة لممارسة العديد من الأنشطة الترفيهية .
وتتنوع مصادر البهجة داخل المشروع بداية من الألوان التى تم طلاء أحواض زرع تم إنشاؤها وسط المساحات وركزت جميعها على الألوان القادرة على جذب انتباه الطفل مثل الأحمر والأصفر والأخضر والبرتقالى والأزرق بجانب الرسومات التى حملت أشكالاً من الهوية المصرية مثل النخلة والحصان والمكونات الأساسية لمنطقة مصر القديمة التى يقع فيها مشروع الخيالة حيث المساجد والكنائس التى رسمت الوحدة الوطنية داخل نسيج الوطن فى تلك المنطقة التاريخية وهى نفس العناصر التى حرص صندوق التنمية الحضرية على تضمنيها داخل المشروع .
فى مشروع الفراغ تم تصميم برجولات ومقاعد انتظار ليتمكن الآباء والأمهات من انتظار أطفالهم لحين الانتهاء من اللعب فى الأرجوحات التى تم تركيبها فى الفراغ بجانب مجموعة من الألعاب الشهيرة مثل السلم والثعبان تم تنفيذها بالألوان التى اختارها الأطفال بنفسهم وسط حالة من البهجة .
الطفل أحمد حسين «10 سنوات» عبرَّ عن فرحته بالمشروع قائلاً: كلنا فرحانين بالحالة الحلوة اللى عشناها أثناء تنفيذ المشروع حيث رسمنا ولوننا وعملنا حاجة جميلة بأيدينا وإن شاء الله نحافظ عليها « .
فى الوقت الذى انشغل الطفلان أنور عمرو « 11 سنة » وكريم محمد « 13 سنة « باللعب فى واحدة من الألعاب الذهنية وسط حالة من السعادة عبروا عنها بقولهما « لعبة جميلة كنا بنلعبها على الموبايل لكن فى الحقيقة أحلى بكثير» .
وقالت فاطمة أسامة « 15 سنة « -إحدى ساكنات العمارة المطلة على الفراغ – سعدت بالمشاركة فى تجربة رائعة ومميزة حيث ساعدتنى على تعلم أشياء جديدة وفى نفس الوقت قابلت أشخاصا مميزين جداً من دول عديدة مؤكدة على سعادتها بكونها جزءاً من هذه التجربة حيث قضت وقتا ممتعا واكتسبت خبرات ستساعدها فى المستقبل بعد تجربة مليئة بالإيجابية والفرحة وستظل تتذكرها .
أضافت شاركت على مدار أربعة أيام فى تنفيذ المشروع من خلال المشاركة بالرسم مع الأشخاص القائمين على المشروع ولأول مرة أشعر بالإيجابية حيث كان المكان مستغلا بشكل سيئ والآن تحول لمساحة آمنة تستطيع من خلالها قضاء وقت ممتع .
تأثير إيجابى
الفرحة بالمشروع لم تتوقف عند أطفال وسكان الخيالة بل امتد للمشاركين فى تنفيذه وهو ما عبرت عنه شاهيناز سابى واحدة من الفريق المشارك فى تنفيذ مشروع تطوير فراغ الخيالة وتحويله لمنطقة ترفيهية تثقيفية .
أكدت أن السعادة التى حققها المشروع لسكان المنطقة لا يمكن وصفها والأهم كانت فكرة دمج السكان فى جميع خطوات التنفيذ ليشعروا بقيمة المكان ويحافظوا عليه بجانب إشراكهم فى اختيار الألوان والأشكال التى تم رسمها مثل الهرم والشجر.
أوضحت مكونات المشروع رغم بساطتها عظيمة فى تأثيرها وهذا ما لمسناه فى ردود فعل الأطفال الذى كانوا حريصين على مشاركتنا والتواجد معنا بصفة مستمرة وإبداء رأيهم فى كثير من التفاصيل موضحة أن مصر سادس دولة يتم على مستواه تنفيذ هذا المشروع الذى سيكون له تأثير كبير على تعديل سلوك الأطفال فى مناطق السكن البديل .
