لا شك أن الدولة أحدثت طفرة حقيقية فى تطوير شبكات الطرق والكبارى، إلى جانب التوسع فى استخدام أنظمة المراقبة الحديثة، مثل الكاميرات الذكية وتفعيل نظام المخالفات الإلكترونية، ورغم هذا التقدم اللافت، إلا أن ظاهرة الركنات الخاطئة لا تزال تمثل أزمة حقيقية، خاصة فى القاهرة الكبرى، فهى تنتشر بشكل ملحوظ فى المناطق السكنية المزدحمة، وحول المراكز الخدمية، ورغم أن المخالفات تسجل إلكترونيا وتوثق بالصور، فإن المعالجة الواقعية على الأرض ما زالت محدودة، والدليل تكرار نفس المخالفات من السائقين أنفسهم، وكأن الغرامة أصبحت بديلاً مريحا لاحترام النظام، وهناك ملفات مرورية تحمل عشرات المخالفات المتطابقة، وهذا يعكس ضعف الردع القانونى، وقلة الوعى المجتمعى بخطورة هذه السلوكيات وأثرها الكارثى على الحركة العامة.
والملاحظ أن الكثير من هذه الركنات العشوائية لا تعود إلى نقص فى أماكن الانتظار، بل إلى الاستهتار والاستعجال من السائقين، الذين يركنون فى أماكن غير مخصصة، أو أمام مداخل المنازل، أو حتى فوق الأرصفة، وللأسف أن هذا الفوضى تدار فى كثير من الأحيان من قبل «السايس»، الذى لا يهتم بالتنظيم بقدر ما يهمه جمع الأموال، حتى لو كان ذلك على حساب القانون والمجتمع، وأنا شخصياً رأيت مؤخرًا مشهداً على شارع المريوطية بين فيصل والهرم، ضرب هؤلاء السياس بعرض الحائط كل القوانين والأعراف، حيث تحول أحد الـ «U-Turns» إلى موقف سيارات «Parking»!! مما تسبب فى اختناق مرورى حاد رغم أن المكان نفسه يتمتع بتصميم جميل.. الأمر لم يكن سوء تخطيط، بل استغلال منظم من قبل بعض السياس الذين فرضوا الأمر الواقع، بلا أى احترام للقواعد أو القوانين، أو حتى راحة السكان المجاورين.
هناك حلول ممكنة وعملية قد تحد من هذه الفوضى أولها وأهمها «إبعاد السايس نهائيًا» من الشوارع، خاصة فى غياب الإشراف، وتركيب «ماكينات دفع إلكترونية للركن» فى الأماكن العامة، على غرار أجهزة الـ ATM، تتيح الدفع وفقًا لمدة الانتظار، و«تغليظ العقوبات على من يكرر المخالفة» من خلال مضاعفة قيمة الغرامة أو حجز المركبة، و«إطلاق تطبيق ذكى يسمح للمواطنين بالإبلاغ الفورى» عن أى ركن مخالف، مع ربطه بجهات المرور، واستخدام أدوات ردع مثل «الملصقات التحذيرية أو القفل الذكى»، وربط المخالفات بنظام النقاط المرورية، لتنبيه السائقين بخطورة التكرار، بالإضافة إلى «إنشاء مواقف متعددة الطوابق» فى المناطق الحيوية لحل مشكلة نقص المساحات الفعلية.
«الركنات الخاطئة» ليست مجرد تصرفات فردية، بل تعكس سلوكا عاما فوضويا يضر بالصالح العام، ويزيد من الازدحام، وقد يؤدى إلى مشكلات مرورية أكبر فى المستقبل إن لم يواجه بالتخطيط الدقيق والرؤية المستقبلية.. الخلاصة أن التقنيات الحديثة متوفرة، إلا أن الالتزام بالتطبيق الصارم، والمتابعة اليومية، والتنسيق بين الجهات المعنية، تظل كلمة السر لإنهاء هذه الأزمة، واستعادة المظهر الحضارى لشوارعنا.