الكذب هو حل سهل يلجأ إليه الضعفاء وغير الأذكياء. وكثيرًا ما ينكشف. فيلجأ الكاذب إلى كذبة أخرى يُخفى بها الأولى. وهكذا يدخل فى حلقة مفرغة من الأكاذيب لا تنتهى… والكذب دليل على الخوف وعلى ضعف الشخصية.. أما الإنسان الصادق فهو شجاع، يتحمل مسئولية أعماله. والكاذب لا يثق أحد بكلامه. حتى إن قال صدقًا يشك الناس فى صدقه. وقد يلجأ إلى القسم ليثبت قوله، فيشك الناس فى قسمه أيضًا… كلامه فقد هيبته.
والكذب قد يكون مباشرًا أو غير مباشر. لذلك فإن ناقل الكذب يعتبر كاذبًا، وشريكًا فى الكذب ونشره. ويدخل تحت هذا العنوان مروجو الإشاعات الكاذبة. وقد يقع فى هذا الأمر أيضًا البسطاء الذين يصدقون كل ما يسمعونه، ويتكلمون عنه كأنه حقيقة، دون فحص وتأكيد.
وفى الحقيقة لا نستطيع أن نسمى هذه البساطة بمعناها الدقيق، بل هى سذاجة. من أجل هذا نقولها نصيحة لكل إنسان لا تصدق كل ما يقال، ولا تحكم بدون تحقيق.
فلو كنا نعيش فى عالم مثالى، لأمكن أن نصدق كل ما يقال. ولكن ما دام الكذب موجودًا فى العالم، فيجب علينا أن نحقق وندقق قبل أن نصدق. فمصدر الخبر الذى يصل إلينا قد يكون جاهلًا حقيقة الأمر، أو على غير معرفة وثيقة أكيدة بما يقول. أو قد يكون مبالغًا فيما يسرده من أخبار.. أو أن مصادره التى اسـتقى منها المعلومـات غير سـليمة. أو قد يكون غير خالص النية فيما يقوله، وله أسباب شخصية تدفعه إلى طمس الحقائق، أو إلى الدس والإيقاع بين الناس. أو له رغبة خاصة فى إيذاء شخص معين أو جماعة معينة ولايصح أن يكون الإنسان سمّاعًا، يصدق كل ما يسمعه. أو أن يكون توّاقًا لسماع الاتهامات الباطلة، أو أن يكون كالببغاوات التى تسمع دون أن تعقل مثلما قال الشاعر: «أثر البهتان فيه وانطوى الزور عليه يا له من ببغاء عقله فى أذنيه» والذى يسمع الكذب ويقبله، إنما يشجع الكاذب على الاستمرار فى كذبه. لذلك فخطيئة الكذب يشترك فيها ثلاثة: الكاذب، وناقل الكذب، وقابل الكذب. حقًا ما أكثر الاتهامات التى توجه إلى أبرياء، وكلها كذب ودس ووقيعة. وللأسف تكون أمثال هذه التهم أحيانًا محبوكة حبكًا عجيبًا، حسب مهارة الشيطان فى تدبير الشر.
هناك أنواع أخرى من الكذب: منها من يذكر فقط أنصاف الحقائق، بأن يخفى النصف الأخر من الحقيقة الذى يمكن أن يعكس المفهوم السليم. ومن الكذب أيضًا الملق والمحاباة. أى المديح الزائد بدون وجه حق.
ويزيد ذلك بشاعة، إن كان صاحبها بوجهين، أى يتملق شخصًا فى وجهه ويذمه فى غيبته. والبعض قد يحابى أهل الموتى. فيمدح المتوفى مديحًا ليس فيه بشكل يتعب الحاضرين ويفقدهم الثقة فى كلام الغائبين.
ومن أمثلة الكذب أيضًا الظن السيئ، وأيضًا الرياء. وهناك عوامل تزيد بشاعة الكذب: منها كلما كانت شـخصية الكـاذب كبيــرة، أو كان موضع ثقة، بحيث يصدق كلامه بدون فحص وتزيد بشاعة الكذب أيضًا كلما عظمت مكانة من تكذب عليه يظن البعض أن الكذب يُنجى، ويلجأون إليه لإخفاء أخطاء معينة. لكن حيل الكذب قصيرة، وغالبًا ما ينكشف. ونقول لهم إن الشىء الذى تخاف أن تنكشف فيه، لايصح أن تفعله. ولو صممت أن تكون صادقًا لاسترحت من خطايا كثيرة.
وقد يكون الكذب بسبب الكبرياء إخفاء للجهل! ولكن لا يضير الإنسان أن يقول أحيانًا لا أعرف. وختاما نؤكد أن الكذب عنوان للفشل ونموذج متكامل للفاشل فدائما الكاذب فاشل دون مواربة.
حفظ الله مصر
حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم