إذا أردنا أن نقرأ المشهد الإسرائيلى فى لحظته الراهنة، فلا بد أن نعود قليلاً إلى عام 2006، حين كان إيهود أولمرت على رأس الحكومة العبرية، فى حربه على جنوب لبنان وغزة، يومها بدا أن إسرائيل – أو هكذا تخيّلت – قادرة على فرض معادلة جديدة بالقوة، تعيد رسم خرائط النفوذ، وتكسر شوكة المقاومة.
لكن أولمرت اصطدم بواقع مغاير: فى جنوب لبنان، خرجت إسرائيل مثخنة بالجراح بعد حرب تموز، عاجزة عن تحقيق نصرٍ عسكرى أو سياسى، لتجد نفسها أمام حزب الله أكثر رسوخًا وقوة.
وفى غزة، ورغم الضربات الجوية والبرية، وجد الفلسطينيون طريقًا إلى المناورة.
ومع ذلك، احتفظ أولمرت – رغم الفشل العسكرى – بقدر من «المرونة السياسية»، فقد أدرك أن إسرائيل ليست قادرة على الانتصار الحاسم، فسعى إلى التهدئة عبر الوسطاء الدوليين، محاولاً إنقاذ صورته الداخلية.
أما اليوم.. فالمشهد مختلف تمامًا مع بنيامين نتنياهو..الذى يخوض الحرب الراهنة – الممتدة منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم – بعقلية محاصر لا بزعامة مبادرة.
> لم ينجح فى إخضاع غزة رغم شهور من القصف والحصار والتجويع.
> لم يحقق أهدافه المعلنة: لا القضاء على المقاومة، ولا تحرير الأسرى، ولا حتى إعادة «الردع الإسرائيلى» الذى تآكل أمام أنظار الداخل والخارج.
> وجد نفسه فى مواجهة انتقادات حادة من الداخل الإسرائيلى، حيث تتهمه المعارضة – بل وبعض جنرالات المؤسسة الأمنية – بأنه يجر إسرائيل إلى «مستنقع لا خروج منه».
وبالمقارنة بين الرجلين: فإن أولمرت فى 2006 خرج من الحرب مهزوزًا، لكنه استطاع أن يبرر جرائمه أمام الرأى العام الإسرائيلى بكونه رئيس وزراء حديث العهد، دخل معركة لم يختَر توقيتها، محمّلاً بأخطاء المؤسسة العسكرية.
أما نتنياهو 2023-2025 يدخل الحرب محمّلاً بتاريخ طويل من الشعارات، ووعود بـ»الأمن المطلق» و«الردع الدائم»، فإذا به يقف عاجزًا، لا يملك سوى المزيد من القصف، الذى لا يغيّر المعادلة ولا يردع خصومه.
بل إن ما كان يُحسب لأولمرت – رغم هزيمته، صار اليوم يُحسب على نتنياهو بالعكس: فهو لم ولن يُسمح له، ولم ولن يُفلح أبدا فى الوصول إلى أهدافه الشيطانية بتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة إلى سيناء.
ولعلها تكون مفارقة التاريخ.. أن الرجل الذى طالما قدّم نفسه حامى إسرائيل «نتنياهو»، قد يكون هو ذاته الذى يكتب السطر الأول فى تراجع مشروعها، وأن الداخل الإسرائيلى لم يعد ينظر إلى الحرب باعتبارها وسيلة للخلاص، بل باعتبارها طريقًا إلى مأزق أكبر.