المنطقة بكاملها أصبحت عند مفترق طرق.. فمن ناحية يؤجج نتنياهو المتعطش للدماء نار الحرب، يتمدد بها ويتوسع يدفع المنطقة إلى حرب لا هوادة فيها.. حرب لا تبقى ولا تذر تأكل الأخضر واليابس.. ويعلنها بلا أى خجل أو مواربة بإصراره على تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم بما فى ذلك «معبر رفح».
وموقف مصرى قاطع وحازم واضح المعالم.. ثابت لا يتغير.. ترفض وتدين التهجير تحت أى مسمى، سواء قسرياً أو طوعياً.. وتناشد المجتمع الدولى تفعيل آليات المحاسبة على الجرائم الإسرائيلية المعلنة، التى تتحول تدريجياً إلى أداة للدعاية السياسية استغلالاً لغياب العدالة الدولية.
وعند مفترق الطرق، تلوح فى الأفق ملامح «إفاقة عربية» أو هى صحوة عربية تبلورت فى مجلس وزراء جامعة الدول العربية، الذى اعتمد قرار «الرؤية المشتركة للأمن والتعاون» بمبادرة مصرية- سعودية أملاً فى أن يكون للعرب دورهم المستحق فى وضع ترتيبات المنطقة وعدم السماح لأى طرف بالهيمنة على المنطقة أو فرض ترتيبات أمنية أحادية تهدد أمن المنطقة واستقرارها.
المواطن العربى كثيراً ما يتعطش لأن يرى اصطفافاً عربياً يوحد كلمة العرب والدول العربية ويسخر قدراتها وإمكاناتها ومقوماتها لصالح القضايا العربية وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لشعوبها، بدلاً من هجرة المليارات والتريليونات عبر بنوك العالم ليتم استثمارها فيما لا يعود على العرب بالنفع.. بل الأخطر أنه يعود على العرب بالكثير من الخسائر والحروب والدماء.
المواطن العربى ونحن فى مصر جزء لا يتجزأ من الواقع العربى، وأيضا «الحلم العربى» الذى فيه يستفيق العرب ويدركون أن سلاح «بقائهم» والحفاظ على «وجودهم»، إنما هو أمانة بين أيديهم هم دون سواهم، وقالها العالم كله إن من يتغطى بغير قوته أو قوة أشقائه هالك لا محالة، وأن أمريكا والغرب يرون اسرائيل أحد مكوناتهم، ولو كانت غير موجودة لأوجدوها كما قال بايدن الرئيس الأمريكى السابق، وبالتالى فإن الرهان عليها خاسر خاسر خاسر.
ووسط حالة «الغليان» التى تثيرها آلة الحرب الإسرائيلية الجهنمية وحرب الإبادة التى يقودها نتنياهو واليمين المتطرف، فإن المواطن العربى والمصرى يمسك بالأمل عبر بوابة لم ولن تغلق أمام الإرادة المصرية- السعودية، ووحدة المواقف بين البلدين إزاء التهديدات التى تحيط بالأمن القومى العربى فى مجمله، ولا ينسى المواطن المصرى والعربى هذه الإرادة المصرية- السعودية واستخدام السعودية البترول كسلاح فى حرب أكتوبر 1973 ودورها الداعم لمصر فى كسر الغطرسة الإسرائيلية رغم الدعم الأمريكى اللامحدود.
المبادرة المصرية- السعودية عبر الرؤية المشتركة للأمن بالمنطقة العربية، تؤكد حق العرب فى أن يكون لهم السيادة على منطقتهم، استناداً إلى احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية والامتناع عن استخدام القوة العسكرية خارج الشرعية الدولية.
المبادرة حلقت بأحلام المواطن العربى فى كلمة عربية سواء يطرحها العرب.. يفرضون إرادتهم ورؤيتهم للمنطقة وفق منظومة أمن وتعاون أساسها الاحترام المتبادل والسلام العادل.
المواطن المصرى وهو يعيش حالة غير مسبوقة من التربص والاستهداف عبر سائر الاتجاهات الإستراتيجية للدولة المصرية وتحديات على الحدود الليبية والسودانية وفى البحر الأحمر، والتحدى الوجودى لمياه النيل.. والأخطر هذه الحرب غير المسبوقة التى تجاوزت 23 شهراً، قدم خلالها المصريون أكثر من 70 ٪ من اجمالى المساعدات الإنسانية والإغاثية، قدمت «550» خمسمائة وخمسين ألف طن من الغذاء والإمدادات الطبية، يديرها 35 ألف متطوع، واستقبلت مصر خلال هذه الحرب اللاإنسانية 18 ألفاً و560 فلسطينياً تلقوا علاجهم فى 172 مستشفى مصرياً، واستضافت مؤتمراً لإعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه أقرته القمة العربية.. ورغم هذا كله، تتعرض القاهرة لأخطر المؤامرات والفتن تقودها مخابرات معادية وجماعة الاخوان الارهابية بالتعاون مع الموساد لتخفيف الضغط على إسرائيل ونقله إلى مصر.
ورغم هذا كله مازالت مصر على عهدها.. كلمتها شرف ومواقفها قمة النبل.. تحشد العالم كله للاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين.. وها هى الجمعية العامة للأمم المتحدة تشهد موقفاً دولياً يعزز حل الدولتين، الذى ترفضه إسرائيل وتدعمها فى ذلك أمريكا بـ «الفيتو» والمال والسلاح.. وتؤكد مصر دوماً أن تعنت إسرائيل هو العقبة الرئيسية فى مسار التهدئة، وأن «التجويع» أصبح سلاح حرب غير أخلاقية يقوم بها الكيان الإسرائيلى ضد النساء والشيوخ والأطفال الرضع، وأن التجويع جريمة مكتملة الأركان صناعة إسرائيلية.
المواطن المصرى، الذى تكسرت عند أقدامه كل المؤامرات والفتن وكل الشائعات والفبركات.. وكان دائماً ومازال وسوف يظل بإذن الله فى خندق الوطنية المصرية.. هذا المواطن ورغم كل التحديات، مازال يؤمن بعروبته، وأن فلسطين هى قضية العرب الأولى، وأن حل الدولتين يمكن أن يقى المنطقة من الانزلاق نحو الهاوية.
المواطن المصـرى يرى قدوتـه فى قيـادته الوطنية.. يرى قدوته فى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يواصل إصراره على بعث الطمأنينة والسكينة فى نفوس المصريين- كل المصريين- وأن الصورة مهما كانت درجة الغيوم فيها، فإنها لم ولن تغيب عن وعى القيادة وخطط المواجهة المدروسة بعناية.
الرئيس الذى يرى الله وعنايته تحوط كل المصريين والمتمسك بالأخلاق والقيم والشرف، يرفض كل صور التطرف والعنف والإرهاب، ويمطئن المصريين بأن الدولة المصرية بقواتها المسلحة وشرطتها وسائر مؤسساتها على أعلى درجات اليقظة وإدراك كامل لما يدور حولنا وما يحاك ضدنا، وجاهزون لها بإجراءات مدروسة، وأن الشر مهما تعددت وجوهه وتنوعت أساليبه، فإنه لن يقدر أبداً على مصر وشعبها.. وما صمت الرئيس يوماً عن بعث الهمم للعمران والعناية بالبحث العلمى وإكرام المرأة والصدق فى العمل والاستعداد للموت والشهادة فى سبيل الوطن وحمايته وأمنه.
والسؤال الذى يردده المواطن المصرى والعربى: ترى هل حان الوقت؟!.. وأفاق العرب وتيقظوا لما يحاك لهم من مكائد ومهاترات ومؤامرات تهدد وجودهم ذاته.. وهل أيقنوا أخيراً أن الالتحام العربي- العربى مع مصر يمكن أن يكون السلاح الأقوى والطريق الأكثر اختصاراً وأماناً وهو الأقوى والأبقى من مليارات الدولارات وتريليونات تنفق هنا وهناك؟!
ترى هل هم قادرون على ترجمة «صحوتهم» ورؤيتهم المشتركة للأمن والتعاون فى المنطقة، التى أقروها فى المجلس الوزارى لجامعة الدول العربية بمبادرة مصرية- سعودية مشتركة.
العالم كله لم يعد يؤمن، وكذلك المواطن المصرى والعربى.. لم يعد أحد يؤمن فوق كوكب الأرض بالكلمات والبيانات وخطابات النوايا.. وإنما الإيمان بمن يستطيع فرض قناعاته ورؤاه على أرض الواقع.. وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.. وجميعنا يحلم ويتمنى يوماً يفرض العرب فيه إرادتهم.. ولا تدار منطقتهم من خارجها.