على مدار ما يقرب من مائتى عام « 1096 – 1291م» شهد المشرق العربى عدداً كبيراً من الحملات الصليبية التى فشلت جميعها فى إحكام سيطرتها على القدس أو البقاء بالشام أو هزيمة مصر، وفى مدينة قرطاج التونسية تجمعت حملة صليبية هائلة كانت فى طريقها إلى المشرق العربى، لكن وفاة قائد الحملة لويس التاسع بالطاعون تسببت فى فشل الحملة فشلاً ذريعًا ولم يعد الصليبيون فى هذه الآونة إلى المنطقة بصورتهم القديمة، لكنهم عادوا فى القرن التاسع عشر فى صورة دول استعمارية تقاسمت السيطرة على الدول العربية من خلال معاهدة سايكس بيكو عام 1916، فيما أصدرت بريطانيا وعد بلفور بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين عام 1917، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبالتحديد عام 1948 تم الإعلان عن قيام إسرائيل وفتح أبواب الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وطرد وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم فى أسوأ حملات استعمارية عرفها التاريخ الحديث.
>>>
هذه الحكاية القصيرة أقدمها للأجيال الجديدة التى تعيش حالة من الدهشة لما تراه على الشاشات كل يوم من اضطرابات مستعرة تحيط بمصر من جميع الجهات ومن حرب إبادة تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة، ثم هذا الحديث السخيف الذى يتناوله الإعلام الصهيونى بين الحين والآخر عن إسرائيل الكبرى»من الفرات للنيل»، وحقيقة فإن المقصود من تلك الحكاية هو أن تستوعب الأجيال الجديدة مدى ما أحدثه استهداف الاستعمار الغربى «القديم والجديد» لمنطقتنا العربية وأن تستعد هذه الأجيال لمجابهة الاستعمار خلال العقود القادمة، فالحكاية بدأت منذ نحو ألف عام فى شكل الحملات الصليبية خلال القرنين الثانى عشر والثالث عشر، ثم عادت فى القرون « 19 و20 و21» فى شكل حملات استعمارية بريطانية وفرنسية وأوروبية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، ثم حملات صهيونية بدعم غربى وأمريكى بعد هذا التاريخ، هذه الحملات انتهت باغتصاب معظم أراضى فلسطين ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية إلى جانب التوسع فى سوريا ولبنان والطمع فى احتلال المزيد من الأراضى العربية.
>>>
إننا هنا أمام عملية رصد فقط لبعض المحطات المؤلمة فى تاريخ العرب والسبب فيها بالطبع هذه الحملة الاستعمارية الجديدة وهذه الهمجية الإسرائيلية الخطيرة فى المنطقة التى بلغت أقصى درجاتها بحرب الإبادة الممنهجة فى غزة، ثم هذا الدعم الأمريكى غير المحدود للكيان الصهيونى والذى جعلنا أمام معانى الحروب والصراعات قبل نشوء الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، ثم هذا الاستهزاء بالمصداقية وبالقانون الدولى من قبل الإسرائيليين، فليس أصعب على العرب والفلسطينيين من نكران تل أبيب لهذه المجازر اليومية فى قطاع غزة، وليس أصعب على شعوب العالم من عدم قدرة الأمم المتحدة على وقف تجريف غزة وتحويلها إلى أرض محروقة يصعب العيش فيها، ولكن الأصعب هنا هذا «الهراء» الذى يتحدث به اليهود بأن المجازر صناعة «حمساوية» وأن المجاعة سببها سرقة المقاومة للغذاء وأن إسرائيل تقاتل فقط عناصر حماس وليس لها علاقة بقتل المدنيين خاصة النساء والأطفال.
>>>
وحقيقة فإن قمة الهراء والفجر والضلال، هو ما ذكره بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى هذا الأسبوع «بأنه يمكنه فتح معبر رفح من الجانب الفلسطينى المحتل أمام هجرة سكان غزة ولكن مصر ترفض ذلك رغم تعارضه مع حقوق الإنسان فى العيش والتنقل»، فهذه العبارة تكشف إلى أى مدى وصلت أكاذيب نتنياهو والتى يستخدمها فى كل اجتماعاته بأعضاء حكومته وبقادة جيش الاحتلال، كذلك لجوئه للمغالطة والتدليس اثناء لقاءاته واتصالاته بالرئيس الأمريكى وقادة الدول الأوروبية، وهنا نكتفى باعادة ما ذكرته الدبلوماسية المصرية للرد على هذه المغالطات: بأن الأولى برئيس حكومة إسرائيل أن يبرهن هو على احترامه لحقوق الإنسان بوقف الإبادة فى غزة وينهى الحصار والتجويع لسكان القطاع وأن يمنحهم حرية الحركة والتنقل إلى مدنهم والمناطق التى نزحوا منه فى حيفا ويافا واللد والنقب، فهذه أراض فلسطينية محتلة ومن حق سكان غزة العودة إليها بينما التهجير القسرى إلى سيناء فهو خط أحمر وأن مجرد التفكير فى تجاوزه سيؤدى إلى عواقب وخيمة.
>>>
لقد فاقت حالة «الفحش والتوحش» الإسرائيلية كل التوقعات والخيالات، ورغم ذلك فهى تبين أن الكيان الصهيونى ليس فى أفضل حالاته كما يحاول نتنياهو إبداء ذلك، فرئيس الوزراء الإسرائيلى فى ظهوره اليومى على الشاشات تبدو عليه مشاعر الخيبة والخوف والتوتر، خاصة بعد فشل جيش الاحتلال وعلى مدى نحو عامين فى حسم معاركه ضد المقاومة الفلسطينية فى غزة، وبعد أن بات الكيان الصهيونى فى عهده مكروهًا ومنبوذًا من معظم شعوب العالم، والأخطر أن نتنياهو فضح الغرب وأمريكا فى دعمهم له فى حربه الصهيونية على المشرق العربى، وهذه الملاحظة بالتحديد ستكون نقطة تحول فى تغيير دفة قيادة المجتمع الدولى وانتهاء عصر اليهمنة الأمريكية وظهور قوى أخرى تعيد التوازن والعدل والسلام لهذا العالم، وتعيد الأمن والأمان والطمأنينة للشعوب المغلوبة على أمرها.