هل أنا على الطريق الصحيح؟.. ما هو هدفى فى الحياة؟ هل أنا هنا لسبب معين أم أن وجودى مجرد صدفة؟
هل أنا سعيد حقا؟.. هذه عينة من أسئلة تطرح أسئلة أكثر ما تطرح إجابات ، قد تسعد صاحبها أو من حوله، أو تحول حياته إلى جحيم.
والبداية تكون هل السؤال هو المهم أم الإجابة عليه؟
بداية لا تطور سواء للأمم أو الإنسان بلا أسئلة، وعندما يصبح السؤال إبداعًا يكون للسؤال أهمية.. لماذا؟ لإن مفتاح التطور يكمن فى «الاستفهام»؟
وتكمن إشكالية السؤال فى إننا نعيش فى عالم يغرق فى بحر من الإجابات الجاهزة والحلول السريعة، ونتناسى أن أعظم قوة لا تكمن فى معرفة الإجابة، بل فى عبقرية السؤال. ..نعم، السؤال ليس مجرد وسيلة لطلب المعلومة، بل هو أداة لخلق واقع جديد، وفن يُطلق العنان للإبداع، وشرارة تُشعل البحث عن الحقيقة.
لنفكر فى الأمر: وبلغة الفلاسفة، كل علمهم يرتكز على السؤال والبحث عن إجابة والسؤال هو المهم والمهمة التى تثقل ظهر الفلاسفة منذ بدء الوجود وحتى الآن.. وعلميا كل اختراع عظيم، وكل نظرية علمية غيرت وجه التاريخ، لم تبدأ بـ «الإجابة الصحيحة»، بل بـ«السؤال الصحيح». «ماذا لو سقطت التفاحة فى اتجاه مختلف؟» سؤال قاد نيوتن إلى اكتشاف الجاذبية.. «ماذا لو كانت هناك طريقة لرؤية ما لا نراه؟» سؤال دفع العلماء لاختراع الميكروسكوب والتلسكوب.
السؤال يكون بحجم القضية وبحجم من يطرحه من قدرات عقلية ومعرفية، السؤال العبقرى ليس مجرد فتحة فى جدار المعرفة، بل هو مطرقة تهدم الجدار بأكمله أحيانا . إنه يبدأ رحلة استكشاف لا نهاية لها.. السؤال العبقرى هو الذى يرفض التسليم بالمسلّمات، ويتحدى الأفكار السائدة، ويجبر العقل على الخروج من منطقة الراحة، الى مناطق القلق والتوتر والشك، وللدرجهالتى ربطه ديكارت بالشك وبالوجود، وما الشك الا أسئلة متتالية لا حصر لها، السؤال الجيد لا يكتفى بالبحث عن الإجابة االمتاحة، بل يبحث عن الإجابة غير الموجودة.
يعنى السؤال يُناقش ويفتح باب الجدل والحوار، والإجابة تُنهى الحوار، خاصة إذا زعم صاحبها أنها يقينية لا تقبل النقاش.. والفارق الجوهرى بين السؤال والإجابة، هو أن الإجابة غالبًا ما تضع حدًا للنقاش… هى نقطة نهاية.. أما السؤال فهو دائمًا نقطة بداية.. عندما تطرح سؤالًا مثل «كيف يمكننا جعل مجتمعنا أكثر تطورا ؟»، فإنك لا تطلب إجابة واحدة، بل تدعو إلى حوار، وتفتح الباب أمام مئات الأفكار والحلول… أنت لا تبحث عن إجابة، بل تناقش إمكانيات الإجابات المختلفة.
وتقدم المجتمعات وتطورها وتميزها عن نظيرتها مرهون بثقافة السؤال. ففى المجتمعات التى تشجع على التساؤل، ينمو الابتكار، ويزدهر التفكير النقدى، وتُحل المشاكل المعقدة. أما المجتمعات التى تكتفى بتلقين الإجابات الجاهزة، فتبقى أسيرة لأفكار الماضى، وتفقد بوصلة المستقبل.. لانها ببساطة لا تملك ثقافة السؤال!!
لذلك عليك أن تشعر بالسعادة، عندما تجدك مرهوناً بسؤال لا تملك إجابته، تذكر أن هذه قد تكون فرصتك الذهبية، لا تخف من الجهل للحظة، بل إجعل من سؤالك الأول هو خطوتك الأولى نحو الإبداع.. فعبقرية السؤال هى التى ستقودك، وستقودنا معك، إلى مستقبل أفضل..
لكن الأمر قد لا يبدو بسيطا ويكون السؤال هل القدرة على طرح الأسئلة نعمة أم نقمة ؟،… بمعنى هل تتحول الأسئلة الى عذاب دائم وعقبة فى سبيل السعادة والهدوء النفسى والعقلى !!… والاجابة وهى ليست مرضية لى، إن السؤال بحد ذاته ليس سيئًا، بل هو أداة، و مثل أى أداة، قد يكون استخدامها خاطئًا فى بعض الأحيان، مما يسبب الألم، أو استخدام صحيح قد يجلب النفع .
قد يرى البعض إن السؤال « النعمة « هو وسيلة للاستكشاف والتعلم، ووسيلتنا لفهم العالم بشكل أعمق، واكتشاف إمكاناتنا، وتطوير أفكارنا و حل المشكلات أو اكتشافات علمية أو فهم أفضل للعلاقات الإنسانية و أبواب للمعرفة والنمو، و قيمة حقيقية لحياتنا… لكن قد تتحول الأسئلة إلى نقمة عندما تصبح هاجسًا، عندما لا تكون موجهة لإيجاد حل، بل لإثارة القلق والشك. .. من وجهة نظر البعض التى لا أتفق معها !! ومن عينة الأسئلة التى لا يمكن الإجابة عليها بسهولة المتعلقة بالماضى الذى لا يمكن تغييره، أو التى تثير شعورًا بالندم، لتتحول بذلك إلى مصدر للأرق النفسى الدائم. .. السؤال النقمة عندما يغرق الشخص فى التفكير فى «ماذا لو؟» أو «هل كان يجب أن أفعل كذا؟» حتى لا يحدث ما حدث، هذه النوعية من الأسئلة قد تجعل الإنسان يعيش فى حالة من العذاب النفسى الذى يمنعه من الاستمتاع بالحاضر.
والتساؤل المهم هل هناك علاقة بين الذكاء وطرح السؤال، وبالتالى هل الذكاء نعمة أم نقمة ؟
بلا شك الذكاء هو نعمة، لكنه يصبح نقمة لصاحبه من وجهة نظر البعض عندما يطرح أسئلة عميقة وتحليلية و فى أدق التفاصيل.. يعنى قد يكون الذكاء سلاحًا ذا حدين: يكون نعمة فى حل المشاكل المعقدة، والتفكير فى أبعاد مختلفة للمواقف، مما يؤدى إلى اتخاذ قرارات أفضل وتحقيق نجاحات أكبر.
وقد يكون الذكاء المفرط نقمة بالقلق المفرط عندما يغرق صاحبه فى كل الاحتمالات السلبية، ويتوقع أسوأ السيناريوهات، بإدراك تعقيدات الحياة والوجود بشكل أكبر، مما يجعله أكثر عرضة للأسئلة الوجودية المؤرقة التى لا توجد لها إجابات سهلة… ويقول البعض إن التحدى يكمن فى إيجاد التوازن، فى معرفة متى نطرح الأسئلة ومتى نتركها جانبًا لنعيش اللحظة وهو ما يتعارض أصلا مع أهمية السؤال أكثر من الإجابات ذاتها
لكن بعيدا عن الشخص صاحب السؤال قد نستفيد نحن بقلقه وتوتره وتفكيره العميق أكثر منه، نحن استفدنا بقوانين الجاذبية أكثر من نيوتن واستفدنا بالكهربا ء والمصباح أكثر من إديسون واستفدنا بالتليفون أكثر من جراهام بيل، وبالطائرة أكثر من «الأخوان رايت» وبالمطبعة أكثر من ويوهانس جوتنبرج
نعم بعض الأسئلة الكبرى ليست مجرد تساؤلات عابرة، بل هى قنابل موقوتة فى عالمنا الداخلى، تسرق من صاحبها السلام وتجعله يغرق و نغرق معه فى بحر من الأفكار التى لا تنتهى، خاصة مايتعلق بالهوية والوجود، والصراع بين الواقع وما نتمناه أو ما نخشاه من عينة …..ما هو هدفى فى الحياة؟ هل أنا هنا لسبب معين أم أن وجودى مجرد صدفة؟ ……أسئلة صعبة تجعل صاحبها غارقا فى حيرة دائمة، ويجعله يشعر بأن كل ما يفعله لا معنى له.
وللحديث بقية.