مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة الاستثنائية لتجمع «البريكس»، بدعوة من البرازيل، لم تكن مجرد حضور افتراضى بروتوكولي، بل جاءت كرسالة واضحة تعكس إدراك القاهرة لأهمية هذا التكتل الصاعد فى صياغة موازين القوة والتأثير فى النظام الدولي، فالبريكس، الذى يضم اليوم قوى اقتصادية وسياسية كبري، يتحول تدريجياً من تجمع تنموى إلى منصة دولية تسعى إلى كسر احتكار القوى التقليدية لإدارة الشأن العالمي، وإرساء مبادئ أكثر إنصافاً للدولة النامية.
منذ انضمامها إلى «بريكس»، تنظر مصر إلى هذا الكيان باعتباره رافعة استراتيجية تتيح لها توسيع قاعدة شركائها الاقتصاديين والسياسيين، وتحرير علاقاتها الدولية من هيمنة مركزية القرار الغربي، وفى هذا السياق، شدد الرئيس السيسى فى كلمته على أن العالم يشهد «ازدواجية فاضحة فى المعايير» و«انتهاكاً سافراً للقانون الدولي»، فى إشارة إلى أزمة النظام متعدد الأطراف، الذى بات عاجزاً عن التصدى للنزاعات أو دعم التنمية العادلة.
خطاب الرئيس حمل جملة من الرسائل المهمة، منها الدعوة الصريحة إلى مراجعة آليات مجلس الأمن وإلغاء «الفيتو» الذى تحول إلى أداة لشل إرادة المجتمع الدولي، وهو موقف يعبر عن تطلعات غالبية الدول النامية.
ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادى والمالى والتأكيد على أهمية استخدام العملات المحلية فى المعاملات بين دول البريكس، بما يقلل من التبعية للنظام المالى الغربي، ويوفر أدوات تمويل جديدة عبر «بنك التنمية الجديد».
أيضاً تأكيده على ضرورة مطالبة الدول المتقدمة بالوفاء بتعهداتها فى التمويل ونقل التكنولوجيا، حتى تتمكن الدول النامية من مواجهة التحديات البيئية دون أن تتحمل أعباء إضافية.
وكعهده دائما فى الدفاع عن مصالح وحقوق أمته، كان للقضية الفلسطينية مساحة فى خطابه والتأكيد على موقف مصر الثابت والحاسم برفض التهجير القسرى ورفض سياسات الاحتلال الإسرائيلي، مع التذكير بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم فى الشرق الأوسط.
بالنسبة لمصر، يمثل الانخراط فى «بريكس وسيلة لتحقيق عدة أهداف منها تنويع الشراكات الاقتصادية وجذب الاستثمارات فى مجالات الطاقة المتجددة، والبنية التحيتة، والتكنولوجيا، تقليل الاعتماد على المؤسسات المالية التقليدية التى تقيد الدول النامية بشروط قاسية، إعلاء صوت الجنوب العالمى فى مواجهة الأزمات العالمية، من الديون إلى فجوة التمويل الرقمي، تعزيز مكانة مصر الإقليمية كجسر بين إفريقيا والعالم وآسيا، مستفيدة من موقعها الجيوسياسى الفريد.
إن مشاركة مصر فى تجمع «البريكس» ليست غاية فى حد ذاتها، بل خطوة على طريق إعاة صياغة حضورها الدولى وفق معادلة أكثر استقلالية وتوازناً، الرسالة التى بعث بها الرئيس السيسى من منصة البريكس تؤكد أن القاهرة تتحرك وفق رؤية واضحة وهى الدفاع عن مصالح الدول النامية، والمطالبة بنظام عالمى أكثر عدالة، وفى الوقت نفسه، حماية قضايا المنطقة وفى مقدمتها القضية الفلسطينية.
وبينما يستعد العالم لمزيد من الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية، فإن مصر تراهن على «بريكس» كإطار بديل يمنحها معها شعوب الجنوب فرصة المشاركة الفاعلة فى كتابة قواعد المستقبل.