لاشك أن هناك تطوراً مستمراً فى اكتشاف وتصنيع الأدوية والعقاقير الطبية، ولكن.. وفى نفس الوقت.. فقد أشارت العديد من الدراسات إلى أن ضحايا الأدوية الكيماوية فى عصرنا الحديث قد يفوقون أحيانا ضحايا الأمراض نفسها، فالعلاج الذى يفترض أن يمنح الشفاء قد يتحول إلى سبب للمعاناة أو الموت بفعل آثاره الجانبية. هذه الحقيقة تفتح الباب من جديد للتساؤل: كيف عالج أجدادنا أمراضهم قبل ظهور هذه العقاقير؟ هنا يبرز الدور الرائد للمصريين القدماء الذين ابتكروا علم التداوى بالأعشاب، وأسسوا واحدا من أقدم وأغنى التراثات الطبية فى العالم، وجعلوا من الأعشاب والنباتات الطبيعية صيدلية متكاملة لمعالجة أمراض الجسد والروح. لقد تركوا لنا إرثا دوائيا محفوظا فى البرديات الطبية مثل بردية إبيرس الموجودة فى ألمانيا والتى تضم أكثر من سبعمائة وصفة علاجية، وبردية كاهون المتخصصة فى صحة المرأة والموجوده حاليا فى لندن، لتؤكد أن الطبيعة كانت ومازالت صيدلية الإنسان الأولي.
تنوعت وسائل التداوى الطبيعى بين استخدام الأعشاب والنباتات الطبية، والغذاء كعلاج، والعلاج بالمياه والرمال الساخنة والزيوت العطرية، والتنشيط العضلي، والحجامة. ولقد حبانا الله بأكثر من 300 نوع من النباتات الطبية والعطرية، نصدر الكثير منها مثل الكركديه، الشمر، الينسون، البابونج، الشيح، الريحان، النعناع، والحنظل والتمر هندى والعرقسوس والترمس.
وتسعى الدولة المصرية حاليا إلى إحياء هذا التراث وتعظيم الاستفادة منه عبر التوسع فى السياحة العلاجية، حيث أولت اهتماما خاصا بالمناطق الغنية بوسائل التداوى الطبيعى مثل سيوة، الواحات، وأسوان وحمامات كليوباترا، سفاجا، القصير، وحلوان، فى رؤية تهدف إلى أن تصبح مصر وجهة عالمية تجمع بين الطب الحديث والتداوى الطبيعى فى منظومة واحدة.
ومن أمثلة الأعشاب التى ارتبطت بالطب الشعبى فى مصر حتى اليوم الحلفابر، والتى تنمو فى أسوان والنوبة وسيناء، ويستعملها الأهالى بكثرة لعلاج آلام واضطرابات الجهاز البولي، وقد أثبتت فاعليتها فى إدرار البول وعلاج حصوات الكلى وحماية الجهاز البولى من الالتهابات. وبالفعل تم تصنيع عدد من الأدوية التى تحتوى على المادة الفعالة فيها.
أثبتت دراسات عديدة على الحيوانات فاعلية الصمغ العربى فى علاج قصور وظائف الكليتين، لكن للأسف لا توجد دراسات كافية على الإنسان، حيث إن صناعة الدواء العالمية ليست دائما متحمسة لدعم بحوث حول مواد أولية من الدول النامية أما نحن فقد غفونا ولم نستيقظ بعد. ومن هنا تأتى الحاجة الملحة إلى تكثيف الأبحاث العلمية المحلية حول هذه الثروات الطبيعية، وتحفيز مراكز البحث العلمى المختصة بدراسة خصائص واستخدامات العدد الوفير من النباتات والأعشاب الطبية التى وهبها الله لنا، بما قد يوفر بدائل علاجية آمنة وفعالة تقلل من اعتماد الإنسان على العقاقير الكيميائية التى ليست دائما مأمونة الجانب.









