الإعلام، رسالة وإلهام وفن لا تستغنى عنه كل الشعوب الناهضة، خاصة فى الظروف الوطنية السياسية التى تواجه فيه الدول تحديات وربما مؤامرات تتطلب وعياً اجتماعياً شاملاً وحشداً قومياً وداعماً لقيادتهم لإحباط أى محاولات تستهدف الدولة ومؤسساتها الوطنية ووحدة وصلابة جبهتها الوطنية.
وقد كانت مصر منذ منتصف القرن قبل الماضى فى مقدم الدول التى عرفت الإعلام متمثلاً فى الصحافة، بعد نهضة التعليم والدولة الحديثة التى أسسها محمد على، لتكون إعلاماً وإرشاداً وثقافة للناس، وتكون فى نفس الوقت ديواناً للعصر وشاهداً على أحداثه.
استمر هذا الدور القومى للصحافة والإعلام نبراساً للحق وصوتاً للشعب ضد الاحتلال، حتى نالت مصر استقلالها مع ثورة يوليو 1952، لينطلق الإعلام بمفهومه الشامل والحديث والوطنى المعبر عن إرادة الثورة وتطلعات الشعب، خاصة مع الصحافة وفى مقدمتها صحيفة «الجمهورية»، التى حملت شعار «جريدة الثورة وصوت الشعب»، ليتألق على صفحاتها كبار الكُتاب والمفكرين والأدباء والشعراء.. يواكبها بعد ذلك إذاعة «صوت العرب» بصفوة المذيعين والمحللين السياسيين، لتقود مصر ثورات التحرر العربى والإفريقى، وليمتد هذا الحدث الإعلامى إلى آسيا وأمريكا اللاتينية رافعاً صوت مصر القوى الحر المؤثر إلى كل أنحاء العالم.
يتصاعد هذا الدور الإعلامى بالقوى الناعمة، التى استفادت من عمالقة الفن الإذاعى أصحاب الخبرة والإبداع.
>>>
مثل أى تفتح إنسانى، فقد مر الإعلام بظروف ومتغيرات عديدة فى فترات متعددة، خاصة عقب الدور المحورى الذى لعبه فى فترة حرب الاستنزاف وانتصار أكتوبر المجيد، الذى وضع ثوابت ومنهجية فى مصداقية الإعلام الذى تعرض- للأسف- لانتكاسة إبان نكسة يونيو 1967.. ولكن كان للإعلام الصادق الواعى المستنير فى فترة حرب 1973 دور رئيسى لاستعادة مصداقية الإعلام المصرى.. أظن أن الإعلام والصحافة القومية استفادت من هذه المصداقية الكثير، واستطاعت أن تحافظ عليها طوال السنوات الماضية.. وقد تجلت هذه المصداقية فى الفترة الراهنة مع التطور الخطير الذى طرأ على الإعلام عبر مواقع التواصل الإلكترونى والرقمى، وهذا «الغول»- وأقصد به التليفون المحمول- الذى لا يفارق أيدى الناس ليل نهار، الذى أظن أنه كما صعد فجأة إلى الإعلام بسرعة الصاروخ، أتوقع والدلائل كثيرة أنه سوف يسقط إلى سابع أرض- إذا صح التعبير- بسبب غياب المصداقية والمهنية واختراق الدخلاء والجهلاء على مهنة الإعلام يبثون الشائعات والمؤامرات ويحققون أغراضاً ومكاسب مادية على حساب الحقيقة.. ما سوف يؤدى إلى سقوط هذا الإعلام الجديد، إذا لم ينتبه القائمون عليه من خطورة فقدان المصداقية التى تتآكل من بين أيديهم يوماً بعد يوم.
>>>
الحديث يطول عن أهمية الإعلام المسئول، خاصة فى هذه الظروف السياسية الصعبة الراهنة التى تمر بها منطقتنا العربية وتداعياتها على مصرنا الغالية.. ما يفرض وعياً مطلوباً من الجماعة الصحفية والإعلامية، وهى تضطلع بمسئولية تطوير الإعلام بالتعاون مع الهيئات الإعلامية، وحتى لا يتصور أحد أن حرية الإعلام تعنى الفوضى والانتهازية وبناء الشهرة الزائفة مثلما حدث فى الفترة قبل أحداث يناير 2011، عندما استغلت بعض الصحف الخاصة وبعض القنوات الفضائية ساحة الإعلام التى كانت متاحة وقتها للنيل من النظام الحاكم واستغلال بعض السلبيات وتضخيمها وتسلل المتآمرين والمتطلعين للحكم واستغلال الصعوبات الاقتصادية، ما حرك الناس بغير وعى لمصلحة هؤلاء المغرضين فى خلط مريب بين النظام والدولة، ما كاد يعصف بالوطن تحت مسمى «ثورة الربيع العربى» .
أظن أننا نملك الآن وعياً هائلاً لذلك.. وأن ما حدث لن يتكرر.. وهذه المعادلة الصعبة لتطوير الإعلام فى ظل الحرية المسئولة.