يوما بعد يوم تزداد القناعة واليقين والتأكد من أن الحرب الوحشية والمجازر الإسرائيلية، تديرها وتتحــكم فيها الإدارة الأمريكيــة، وأنها لا تريد إنهاءها، وترغب فى استمرارها، ويقينا هى الوحيدة التى بيدها وضع نهاية لمـآسى الأطفال والنساء والمسنين والمرضى والجرحى والمدنيين الأبرياء الذين أنهكتهم الحرب الجائرة التى تجاوز فيها جيش الاحتلال كل الحدود بالطغيان والإجرام فى عمليات غير مسبوقة فى التاريخ «الدموى».
فقد كان التدخل الأمريكى فى الحرب على غزة مباشرا منذ اللحظات الأولى، بالدعم السياسى والعسكرى، وتبنى وجهة النظر الصهيونية الكاذبة، وشاركت واشنطن – سواء فى عهد بايدن أو ترامب – فى وضع أهداف الحرب، وبتأييد مطلق لتل أبيب، ويصرح المسئولون الأمريكيون دائما بالالتزام بأمن إسرائيل، بحجة حقها فى الدفاع عن نفسها، وكان التنسيق على كافة المستويات.
وأعطت واشنطن الضوء الأخضر لإسرائيل للاستمرار فى جــرائم الإبــادة ضد ســكان غزة، ولا تعترف بوحشية القصف الذى أوقع آلاف الضحايا، أغلبهم من الأطفال والنساء، وتدمير البنية التحتية، وربط أمن إسرائيل بأمن الولايات المتحدة، وأن دعمها ثابت كالصخر»، مع رفض وقف إطلاق النار، والتغاضى عن العدوان السافر وجرائم الإبادة الجماعية والإجبار على النزوح.
كما حشدت أمريكا بشكل مكثف للأطراف الدولية ودعت أمام مجلس الأمن، لإدانة أحداث 7 أكتوبر؛ وأعطت الغطاء الدولى للعمليات العسكرية من خلال «الفيتو» على قرارات وقف إطلاق النار، وحتى من أجل إدخال المساعدات الإنسانية، وأجهضت جهود مجلس الأمن فى اتخاذ أى إجراء لوقف العدوان الغاشم.
ودعمت الإدارة الأمريكية جيش الاعتداء الصهيونى بمساعدات عسكرية غير محدودة، وروجت الرواية الإسرائيلية المكذوبة حول فظائع حماس وقطع رؤوس الأطفال، ولا ننسى ما صرح به بايدن بأنه «لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع إسرائيل».
وزاد ترامب الطين بلة، بالمزيد من الدعم المطلق الشامل للمجازر، ووقف حجر عثرة أمام كل الحلول، وقدم للنتنياهو ما لم يكن يحلم به، وتجاوز المدى عندما استقبله فى البيت الأبيض استقبال الفاتحين، وأراد أن يعيد تكرار النكبة الفلسطينية بوعد بلفور وطرح فكرته المشئومة بتهجير سكان غزة وأمسك النتن ياهو فى تلك «العطية»، لكن أحلامه تحطمت على صخرة الصد المصرية والموقف الحاسم لرفض تصفية القضية الفلسطينية، فأخدته العزة بالإثم وزاد من ارتكاب المجازر البشرية.
وتسبب الموقف الأمريكى الداعم للعدوان على غزة فى الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة، وخرجت مظاهرات فى عدة مدن وجامعات أمريكية، وُصفت بأنها الأكبر منذ الغزو الأمريكى للعراق، ونددت بالسياسات الداعمة لإسرائيل، وتعارض نسبة كبيرة من الأمريكيين طريقة التعامل مع الحرب.
وشهد الحزب الجمهورى تحولا ويواجه تمرداً داخلياً بين صفوف شبابه، الذين يرفضون المساعدات الخارجية ويشككون فى جدوى التحالف مع إسرائيل، وحذرت وسائل إعلام أمريكية من أن إسرائيل تلحق ضرراً دائماً بمكانتها لدى الولايات المتحدة، وأن تل أبيب تخسر معركة الرأى العام العالمى، حتى أن ترامب نفسه صرح بأن ما يحصل فى غزة «مفجع وعار وكارثى»، لكن ذلك لم يجعله يتدخل لوقف نهر الدماء، ومؤخرا وجّه أكثر من 100 نائب ديمقراطى، رسالة إلى وزير خارجيتهم، مطالبين الإدارة الأمريكية بالضغط على الاحتلال الإسرائيلى لرفع الحصار وفتح المعابر.
وتلك شهادة صادمة من طبيب أمريكى يُدعى مارك بيرلماتر، الذى عمل متطوعًا فى غزة، وكشف عن تفاصيل مرعبة عن جرائم جنود الاحتلال، قال إنه شاهدهم بأم عينه يدفنون أطفالا أحياء باستخدام جرافة، فى مشهد يعكس أقصى درجات السادية والحقد، وأكد أن القناصة يتعمدون استهداف الأطفال بالرصاص.
وأثارت النائبة الجمهورية مارجورى تايلور جرين، المقربة من الرئيس ترامب، جدلاً واسعاً بدعوتها لوقف الدعم المالى غير المحدود لإسرائيل مؤكدة أن أموال دافعى الضرائب (3.8 مليار دولار) تذهب سنوياً لإسرائيل.
وعندما اتخذ عدد من الدول الأوروبية خطوات سياسية لدفع إسرائيل إلى وقف الحرب، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، استشاط النتن ياهو غضبا وشن هجوما على القادة الأوروبيين، ومازال يهذى بعدما فقد صوابه، ويزيد الموقف تعقيدا.