مصر تواصل جهودها لوقف الحرب على غزة.. ومعبر رفح مفتوح على مدار 24 ساعة.. و«الاحتلال» يمنع دخول المساعدات
التهجير سيؤدى لتصفية القضية الفلسطينية.. والحرب مدمرة ولن تقود لاستقرار دائم

فى بهو قصر الخارجية العريق بميدان التحرير كان اللقاء بين أول الثانوية العامة عام 1983 والذى أصبح وزيراً للخارجيّة، وبين أوائل الثانوية العامة دفعة 2025، لقاء تأجل ثلاث مرات بسبب الارتباطات العاجلة والمفاجئة للوزير الدكتور بدر عبدالعاطى لكنه كان حريصا على أن يتم، ليستعيد مع أبنائه من الجيل الجديد ذكريات ماضٍ لا ينساه فى رحلة «الجمهورية» للأوائل والتى شارك فيها وكانت أولى رحلات السفر فى حياته.
نحى الدكتور عبدالعاطى بروتوكولات الدبلوماسية جانبا ليقضى نحو ساعتين فى أجواء أسرية لا قيود فيها ولا خطوط حمراء، أدار حوارًا إنسانيًا أصر أن يكون مباشراً بينه وبين الطلاب، فتح قلبه وتحدث بلغة ابن البلد الصعيدى الذى جاء للقاهرة قبل 42 عامًا من أجل المشاركة فى رحلة «الجمهورية» تكريما لتفوقه فقرر ألا يتنازل عن التفوق وألا يعود إلى محافظته أسيوط إلا وقد حقق حلمه الذى رسمه لنفسه منذ أول يوم.
استرجع الوزير شريط الذكريات سعيدا، وهو يرى جيلاً جديداً من المتفوقين، قدم لهم نصائح أبوية مخلصة.
كان واضحا تماما سر اختيار الوزير لقصر الخارجية التاريخى ليكون مكان اللقاء، فهذا المبنى هو الذى كان رمزا لحلمه فى الالتحاق بالمؤسسة الدبلوماسية، ومن داخله بدأ حياته العملية فى مشوار امتد لأكثر من 30 عاما ليكلل بمنصب لم يغب يوما عن الدكتور بدر عبدالعاطى، منصب وزير خارجية مصر.
كان الوزير يريد أن يقول لابنائه الطلاب إن التفوق فى الثانوية ليس نهاية المطاف بل بداية الحلم الذى يجب أن تعملوا من أجله ولا تغفلوا عنه، كل شاب يحب أن يرسم حلمه من الآن ويسعى إليه بالكفاح والتعب، قال إنه حدد حلمه وهو فى رحلة الأوائل ورسم طريقه وأصر عليه، فوصل إلى ما أراد.
صراحة الوزير ولغته البسيطة انعكست على الطلاب الذين وجدوا أنفسهم ليس فقط أمام مسئول كبير يعرف جيدا دوره ورسالته، بل أمام قدوة يجب أن يضعوه امامهم دائما ليكون حافزا على مواصلة النجاح وتحقيق الحلم.
تنوعت أسئلتهم بين الشخصى والسياسى والدبلوماسى وكانت إجابات الوزير معبرة عن اعجابه بشخصية هؤلاء الشباب الواثقين من أنفسهم المثقفين.
فى بداية اللقاء رحب الوزير بالأوائل متمنيا لهم التوفيق قائلا: «أعتز بجريدة «الجمهورية» والتى فتحت لى الباب لأسافر مع رحلة الاوائل عام 1983 وكانت هذه الرحلة المهمة محطة البداية للاطلاع على ثقافات دول أخري، حيث قمت بزيارة خمس دول وهى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان والنمسا، كما كان لهذه الرحلة دورا حاسما فى اختيارى الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة مما فتح لى الباب لدخول وزارة الخارجية، حيث قدمت فى اختبارات وزارة الخارجية وحققت الترتيب الأول فى الاختبارات التحريرية والشفوية حتى التحقت بالوزارة.
أعرب عبدالعاطى عن شكره وتقديره لجريدة «الجمهورية»، قائلا: لا أنسى أن أول رحلة لى من بلدى أسيوط إلى القاهرة كانت من خلال هذه الجريدة الغراء فى إطار الاجتماعات التى كانت تعقد لأوائل الثانوية العامة لتحضيرهم للسفر لهذه الرحلة المهمة جداً.

وجه وزير الخارجية حديثه لأوائل الثانوية العامة قائلا: أتمنى أن تكونوا قد استفدتم من هذه الرحلة وتعلمتم منها، مشيرا إلى أن مصر دولة عظيمة ومتحضرة، ولكن أيضا علينا مسئولية أن ننفتح على العالم ونرى ماذا وصل إلية من تقدم ونحاول أن نواكب العلوم والتكنولوجيا، حيث كانت النقلة حضارية كبيرة جدا بالنسبة لي، ولكن أنتم بالنسبة لكم فالفجوة الحضارية قد ضاقت كثيرا بسبب عملية التحديث والتطوير التى شهدتها مصر فى خلال الأعوام العشرة الأخيرة تحت قيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى.
أضاف الوزير قائلًا : خلال سفرى المتكرر أرى بدون مبالغة أن طرقاً وبنية أساسية هنا تضاهى ما هو موجود فى الخارج بل فى أحيان كثيرة تفوقها، مشدداً على أنه علينا الاحتكاك بالخارج والتعلم منه وايضا نعلمه، حيث لدينا ما ننقله للخارج وايضا لدى الخارج ما ينقله لنا.
أكد وزير الخارجية أن مصر طيلة عمرها بسبب موقعها الجغرافى دائما ممر للعبور لكل الثقافات والحضارات، ودائما مصر بتشكيلها الثقافى والحضارى كدولة منفتحة على الخارج ودولة دائما وثيقة الصلة بالخارج، مستشهدا بعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين عن كتابه الأشهر مستقبل الثقافة فى مصرحيث يتحدث أن مصر ثقافتها متوسطية وإن هواءها أوروبي، وان ذلك أساس لأن الحضارة المصرية القديمة هى اصل وأساس الحضارة اليونانية ومنها الحضارة الغربية، وكل الحضارات تتفاعل مع بعضها وتستفيد وتتعلم من بعضها البعض.
أعرب عبدالعاطى عن سعادته بتواجده مع اوائل الثانوية العامة، وقال إنه لا يمكن أن ينسى التجربة التى أتاحتها له جريدة «الجمهورية»، حيث كان حريصا على الاستفادة خلال تواجده فى الخارج.
شدد على ضرورة استمرار الاوائل فى تفوقهم لان الحفاظ على القمة والتفوق هو اصعب من الوصول إلى القمة وبالتالى فعليكم مسئولية كبيرة بالاستمرار فى بذل العطاء والاستفادة والتعلم، ولكن بالإضافة إلى المادة العلمية التى تتعلمونها فى الكليات التى ستكونون فيها، يجب أن تنفتحوا على الثقافة والحضارة وان تعرفوا تاريخ بلدكم لانه تاريخ مصرى عظيم، فإلى جانب التحصيل العلمى يجب أن يكون تحصيل ثقافي.
رسالة للأوائل
ردًا على سؤال من نصيحته للمتفوقين ووجه الوزير رسالة للأوائل قائلا «مصر دولة عظيمة وعلينا مسؤلية تجاه وطننا وينبغى أن تتفانوا فى خدمة بلدكم عبر استمرار التفوق فى الدراسة لكى تساهموا فى عملية التطوير والتحديث التى تشهدها مصر بقيادة الرئيس السيسى.
كشف د. بدر عبدالعاطى أن مصر خلال عشر سنوات انفقت 600 مليار دولار على المشروعات القومية والبنية التحتية لتحقيق التقدم والتنمية وأن التنمية البشرية هى فلسفة الجمهورية الجديدة.
وتابع الوزير: لابد من التعلم واكتساب الخبرة واستمرار التحصيل، فأنتم على بعد خطوات من دخول الجامعة وهى مرحلة جديدة،ولابد من إدراك أهمية الوقت وتحمل المسؤولية وإتقان العمل مؤكدا أن الكفاءة والتفكير هما المعيار الوحيد فى الجمهورية الجديدة.

معبر رفح مفتوح على مدار 24 ساعة
وفى اجابته عن سؤال حول الموقف المصرى من الحرب على غزة والأكاذيب الإسرائيلية لمحاولة تشوية مصر أكد د. بدر عبدالعاطى أن معبر رفح مفتوح من الجانب المصرى على مدار 24ساعة لدخول المساعدات الإنسانية وأن إسرائيل دمرت الجانب الآخر من المعبر داخل فلسطين وتمنع دخول الشاحنات، مشيرا إلى تأكيد السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن معبر رفح سيكون مفتوحاً لتقديم المساعدات الإنسانية للأشقاء ولن يكون وسيلة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم.
واستكمل أن التهجير سيؤدى إلى القضاء على القضية الفلسطينية وتصفيتها، فالقضية قائمة على مدار 80 عاما بسبب تمسك الشعب الفلسطينى بأرضه وصموده مؤكدا أن مصر منذ عام 1948 ومن قبله أيضا تعمل على تقديم كل الدعم لفلسطين والعالم العربى إيمانا بمسئوليتها تجاه الأشقاء.
واضاف أن المتابع للأحداث يرى حجم الجهود الذى تبذلها مصر لوقف المذابح وعملية الإبادة الجماعية التى يتعرض لها للشعب الفلسطينى والعمل على وقف إطلاق النار بالتعاون مع قطر والتنسيق مع الولايات المتحدة مشيراً إلى أن 70 ٪ من المساعدات الإنسانية المقدمة لقطاع غزة مقدمة من مصر،كما يوجد خطة عربية إسلامية لإعمار قطاع غزة وبمجرد توقف إطلاق النار سيكون هناك انعكاسات لهذه الخطة حيث تعتزم مصر تنظيم مؤتمر بالقاهرة لتنفيذ هذه الخطة.
دور الدبلوماسية فى حل الأزمات
واستكمل د.بدر حواره مع الاوائل قائلا إن الأزمات موجودة على مدار التاريخ ولن تتوقف، وطالما أن هناك أزمات وتحديات فلابد أن يكون هناك أيضا دور مهم للدبلوماسية لأن استخدام القوة المسلحة فى النزاعات هو أمر مرفوض تماما ولا يؤدى إلا للخراب والتدمير والقتل ومن ثم الدبلوماسية وجدت للتوصل إلى توافقات والوصول لحلول سياسية وسلمية ولابد من تفعيل الأداة الدبلوماسية وتطويرها لأن الدبلوماسية بمفردها قد لاتستطيع أن تحقق النتائج المطلوبة لذلك فمن المهم وجود أدوات أخرى بجانبها مثل التهديد بفرض عقوبات من جانب المجتمع الدولى على إسرائيل إذا لم تتوقف عن حربها، فالخطأ ليس فى الدبلوماسية ولكن الخطأ فى العدوان ووجود قيادات لا تؤمن إلا بغطرسة القوة وفرض الإرادة وهذا لن يحدث ولن يحقق النتائج المرجوة خاصة فيما يتعلق بالاستدامة فدور الدبلوماسية التوصل لحلول عادلة تتوافق مع القانون الدولى والعدالة، أما فرض الحلول بالقوة سيؤدى إلى اندلاع صراعات أخري، فالحرب مدمرة ولن تحقق أى استقرار دائم.
إسرائيل تصنع المجاعة
أضاف أن الوضع فى غزة مخجل وعار على الإنسانية حيث القتل الممنهج والمجاعة التى صنعتها إسرائيل من خلال منع ووضع عراقيل أمام تدفق المساعدات للقطاع، فما يحدث الآن يفوق فى بشاعته ما لم يحدث منذ عقود طويلة موضحا أن التنسيق المصرى مع الأشقاء العرب ودول العالم متواصل لوقف المذابح المستمرة.
وردًا على سؤال حول استهداف السفارات المصرية فى الخارج.. أكد الدكتور بدر عبدالعاطى أن جماعات إرهابية لديها مخططات شريرة هى من تقف وراء استهداف السفارات المصرية لتشتيت الانتباه عن الطرف المتسبب فى الأزمة والكارثة التى يعانى منها السكان فى قطاع غزة، فالطرف الإسرائيلى هو المسئول مسئولية كاملة عن ما يحدث بالقطاع من مجاعة.
أشار الوزير إلى أن حماية السفارات هى مسئولية دول الاعتماد طبقا لاتفاقية فيينا، والتى تنص على أن كل دولة مسئولة عن توفير الحماية الكاملة للبعثات الدبلوماسية المتواجدة على أراضيها مؤكدا متابعة مصر الموقف وهناك توجيهات بالتأكيد على أن مبدأ المعاملة بالمثل هو الأساس فى العلاقات الدولية وان الدول التى تتقاعس عن توفير الحماية للسفارة المصرية يتم معاملتها بالمثل وأن عدم توفير الحماية يضع الدولة المسئولة فى موضع الاتهام وتحملها المسئولية عن تقاعسها فى الوفاء بالتزاماتها وفقا لاتفاقية فيينا.
واستكمل أن الدول التى تقاعست لفترة عن حماية السفارة المصرية، قامت بتوفير تواجد أمنى فى محيط السفارات.
ومن جانبه، أعرب الكاتب الصحفى أحمد أيوب رئيس تحرير جريدة «الجمهورية»، عن الشكر والتقدير والاحترام لإتاحة هذه الفرصة للتواجد مع أوائل الثانوية العامة فى هذا اللقاء.
وقال أيوب إن هذا التواجد ليس مجرد تواجد مع مسئول كبير فى الدولة، إنما تواجدنا أيضا لأن الوزير عبدالعاطى قدوة منذ أن عرفناه، قدوة فى تفوقه، وقدوة فى حبه للوطن، وقدوة فى نجاحه فى عمله، وقدوة فى تواضعه. وكل من تعامل مع الوزير يؤكد هذه المعاني.
أضاف: أننا سعداء للغاية اليوم بتواجدنا، وان يستمع أوائل الثانوية العامة لوزير الخارجية ويستمعوا لنصائحه قبل أن يكون وزيرا ونصائح شاب مصرى حقق التفوق فى مجتمع صعيدي، وكان صعبا بالنسبة له أن يتحقق التفوق بهذا الشكل ويلتحق بوزارة الخارجية ويصل لهذا المنصب المرموق، فهذا نموذج مصرى نفخر به جميعا، ونقدمه لأولادنا كنموذج مقتدى به.
أشار إلى أننا فى «الجمهورية» نتحدث مع أوائل الثانوية العامة فى كل مناسبة وجلسة عن القدوة التى تحفز على النجاح وأن يشقوا طريقهم ويحددوا أهدافهم من البداية.









