هل الحب أعمى؟.. نعم وأعمى جدا أيضا.. هذا ليس رأى شاعر مكلوم ولا عاشق محروم، بل رأى طبى علمى معملى أثبت خلاله العلماء أن جنون الحب سببه العمى العاطفى الذى يجعل الحبيب هو الأجمل والأروع والأكمل والأفضل والأبدع وكل مشتقات أفعل التفضيل.
هناك مئات القصص الواقعية التى تجسد هذا المعنى، وسير المشاهير وأرشيف قضايا الأحوال الشخصية فى الصحف العربية والأجنبية ملىء بالنماذج التى تؤكده وتؤيده: أميرة أوربية شهيرة أحبت حارسها الشخصى وأنجبت منه ثم تزوجته، وتركته لتحب وتتزوج من لاعب أكروبات فى سيرك، ثم من طباخ القصر.
وقصة أخرى: طبيبة متفوقة من أسرة عريقة أحبت «سباكا» وتزوجته رغم أنف أسرتها، ثم لجأت إلى القضاء لينقذها من الزوج «الورطة» الذى يعاملها كما لو كانت «جلدة حنفية» أو «ماسورة مسدودة».
وقصة ثالثة: موظف كبير جدا يشغل مركزا مرموقا سقط صريع هوى راقصة وضحى بكل شىء حتى تزوجها لينتقل سريعا من عش الزوجية إلى سرير فى غرفة الإنعاش، بعد أن تلقى «علقة» ساخنة من «الطبال» عندما اعترض على «بدلة» الرقص، وعلى إصرار بعض الزبائن المخمورين على وضع النقوط فى أماكن حساسة جدا، تقديرا للفن.
قصص عديدة ومثيرة وغريبة، تؤكد أن «العمى» يمكن أن يكون سيد الموقف فى الكثير من حالات الحب، وبرغم ذلك كنا وما زلنا نؤمن بأن العيب ليس فى الحب ولكن فى أبطال مثل هذه الحكايات، ونؤمن بأن الوجه الآخر للحب شديد الإشراق رائع الجمال.. ولكن يبدو أن العلماء لهم رأى آخر، وأنهم يصرون على إفساد الكثير من المعانى الجميلة فى حياتنا، تماما كما افسدوا ليل المحبين العاشقين للقمر عندما أكدوا أنه ليس سوى صخور وجبال وصحارى وجليد وأجواء موحشة.
القلب الذى عشنا آلاف السنين نؤمن بأنه مركز الحب ورمزه وعنوانه، ليس سوى عضلة أو مضخة من أنسجة تنقبض وتنبسط بالكهرباء، أما آهات المحبين وزفراتهم الحارة وتنهداتهم فهى ليست سوى ردود فعل لنشاط هرمونى يطلق المشاعر، لأن الحب ما هو إلا غدد صماء وتعليمات دماغية وحركات لا إرادية.. هذا بعض ما خرج علينا به العلماء بعد أبحاث علمية معملية فذة افسدت نتائجها مشاعرنا وعواطفنا وأشواقنا.
وآخر اكتشافات العلماء أن الحب أعمى بشكل مطلق، وان كل المحبين يعانون من تشويش فى الرؤية، واضطراب فى النظر لا تصلحه النظارات الطبية ولا العدسات اللاصقة، وأن المحبين يعانون من تشوش التفكير وغياب المنطق، وهم يستندون فى ذلك إلى صور الأشعة وفحوص الدم، ولا يعنيهم من قريب أو بعيد ما يمكن أن يحدثه فى حياتنا هذه التشويه المؤلم لأجمل مشاعرنا وأحلى أحاسيسنا.
اكتشف العلماء بعد إجراء عدد من المسوحات الدماغية باستخدام التصوير الوظيفى بالرنين المغناطيسى لعدد من المحبين عند عرض صور أحبائهم، أن الواقعين فى الحب أظهروا نشاطا أقل فى أجزاء الدماغ التى تتحكم فى التفكير وتسيطر على المزاج، بينما تَركّز أكثر النشاط فى المناطق الدماغية المسئولة عن العواطف والأحاسيس والمشاعر، واستندت الدراسة التى عرضت قبل سنوات فى اجتماع الفيدرالية الأوروبية للعلوم العصبية، على متابعة الحالات العاطفية والمسوحات الدماغية لعدد من المتطوعين والمتطوعات، وكلهم فى العقد الثالث من العمر، ويعيشون حبا حقيقيا، وأظهرت النتائج أن الحب نشط أجزاء الدماغ المسئولة عن الحدس والبديهة، وعن الشعور باضطرابات المعدة، ولكنه ثبط نشاط المناطق المسئولة عن التفكير والإدراك، وهكذا اكتشفنا حقيقة عاطفية جديدة وهى أن أوجاع الحب اللذيذة لا تقتصر على القلب بل المعدة أيضا. الخبراء أكدوا أن هذه الدراسة أثبتت بصورة قطعية أن الحب هو أحد وظائف الدماغ، وفسرت السبب الذى يكمن وراء التصرفات «الحمقاء» للمحبين.
هؤلاء العلماء ـ سامحهم الله ـ اثبتوا لنا أن الحب يعطل التفكير، وأن المحبين أكثر تعرضا للفشل.. وأن الحب فى الثانوية العامة مثلا اقصر طريق إلى كليات القاع.