ليس بإمكاننا أن نمر مرور الكرام على صورة رؤساء الثالوث النووى «كوريا الشمالية وروسيا والصين» الذين اجتمعوا قبل أيام فى قمة منظمة شنغهاى للتعاون (SCO) فى تيانجين، وإحيائهم للذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، وحضور عرض عسكرى بهذه المناسبة.
الصورة تقول أن المكان الذى يجتمع فيه قادة من أبرز الدول لمناقشة مستقبل العالم لم يعد واشنطن عاصمة الولايات المتحدة، أوحتى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك، نحن الآن بصدد واقع جديد يتشكل، مركزه الصين.
الرئيس الصينى استضاف أكثر من 20 رئيس دولة ورئيس وزراء فى بلاده، وبعيداً عن الأسباب المعلنة للاجتماع، فإن لهذا التجمع أهمية أعمق بالنسبة للرئيس الصيني، حيث يعنى أن بلاده أصبحت زعيمة عالمية ومصدراً للاستقرار والازدهار، وترسل الصين بهذا الاجتماع مجموعة من الرسائل للعالم: أولها أن انعقاد المؤتمر فى مدينة تيانجين الساحلية لم يكن عبثيا؛ فالمدينة ميناء مفتوح على الخارج، وتُعد المنفذ الرئيسى لمشاريع الحزام والطريق.
الرسالة الثانية تمثلت فى البيان الختامى لهذه القمة والذى أكد على أن تقارب روسيا، والهند، والصين، عكس رغبة آسيوية فى الانتقال إلى نظام عالمى متعدد الأقطاب ونشوء مركز جديد فى آسيا يحدث توازنا إيجابيا بالنسبة للعالم، بعد حالة الاضطراب التى سببها النظام العالمى القائم على الهيمنة الغربية، وفى السياق ذاته لا يمكننا النظر إلى الفعاليات والحراك والمنظمات التى تأسست تحت المظلة الأسيوية بمعزل عن هذا الهدف فمن غير الصواب مثلا أن نفصل منظمة شنغهاى للتعاون عن تكتل البريكس (BRICS) الذى يشكل محورا للدول الآسيوية، ففى السنوات القادمة، قد تتوحد هاتان المنظمتان ضمن كيان جديد، وقد تأسست هذه المنظمات فى الأصل على أساس التعاون الاقتصادي، لكنها بدأت هذا العام بالخوض فى مواضيع أوسع. فقد تم رفض عقلية الحرب الباردة، وسياسات التحزب، والممارسات القسرية. وجرى إبراز مبادئ العدالة والتعددية. والتأكيد على دعم نظام التجارة متعدد الأطراف المرتبط بمنظمة التجارة العالمية (WTO).
الرسالة الثالثة والأهم فى رأيى أن هذا الاجتماع الذى لفت أنظار العالم أجمع، جاء فى مواجهة السياسة الأمريكية العدائية والهجومية وغير المتزنة، وفى ظل تراجع الدور الأوروبي، والسياسات الغربية التى تستبعد روسيا.
الرسالة الرابعة تضمنها الحديثُ فى البيان الختامى عن التوجه نحو كيان تنموي، اقتصادى وأمنى وهذا لا معنى له سوى احتمالية تشكل قطب جديد، كما أن الموقف النشط والحيوى للهند يجب أخذه فى الاعتبار فقد تم اعتماد الرؤية التى اقترحتها الهند رسميا تحت شعار: «عالم واحد، عائلة واحدة، مستقبل واحد».
ورغم التساؤلات عما إذا كانت الهند تضم ضمن هذه العائلة كلا من باكستان والمسلمين الذين طالما همشتهم، فإن قبول اقتراحها بحد ذاته كان لافتا للأنظار، مع الأخذ فى الاعتبار ترتيب الهند على خريطة الصناعة و التجارة الدولية الذى بدأ يتنامى بشكل سريع و يأخذ مكانا واضحا ضمن النمورالأسيوية، حتى أن جولات و تحركات رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودي، باتت فى السنوات الأخيرة محل اهتمام الصحف العالمية، التى لم تمرر أيضا لقطات مودى وهو يبتسم باستمرار ويتودد بشكل مبالغ فيه إلى الرئيس الصينى شى جين بينج والرئيس الروسى فلاديمير بوتين.
الرسالة الخامسة والأخيرة: إذا نظرنا إلى الدول الأعضاء فى منظمة شنغهاى للتعاون، لوجدنا أنها كما لو كانت تقول للعالم أنها لا ينقصها شيء لتصبح فاعلا سياسيا مؤثر عالميا، فهذه الكتلة تُشكل قوة اقتصادية وطاقة معتبرة، ففى مجال الطاقة تبرز إيران، وكازاخستان، وأوزبكستان، وقطر، وأذربيجان، كلاعبين رئيسيين فى سوق الطاقة العالمي، بل وعلى الجانب العسكرى ُتعد روسيا، الصين، باكستان، وتركيا من بين أقوى الدول على مستوى العالم.
منظمة شنغهاى تضم فى عضويتها كلا من: الصين، روسيا، الهند، باكستان، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، إيران. وتضم 4 دول مراقبة هي: أفغانستان، بيلاروسيا، منغوليا، سريلانكا. وتضم 6 دول بصفة شركاء الحوار هي: أذربيجان، ألبانيا، كمبوديا، نيبال، تركيا، قطر.
الخلاصة إن مجرد الشراكة بين الصين، والهند، وروسيا وحدها كفيلة بإحداث تغييرات كبيرة فى التوازنات العالمية، وهذا التكتل مؤهل ليكون مركزا بديلا فى مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن والتجارة، وهذا معناه أن الحراك نحو إعادة التوازن العالمى نشطا وربما سيظل نشطا حتى إحداث التغيير.









