الشهرة التى نالها وراءها رحلة كفاح ومسيرة إبداع فطرى وترك بصمة مهمة فى عالم الأدب جعلت لها علامة خاصة فى تجربة مزجت بين تقليص المسافة بين الحكى الشفهى والكتابة المكتوبة الممزوجة باللياقة اللغوية صنعت إبداعه المميز.. ويمكن أن تنطبق عليه صفة صناعة الكلام.. هوايته القراءة امتزجت معه بأيام الشقاء والكفاح لم يكن طريقه مفروشا بالحرير.. تعمق فى القراءة والحكى فأعطته عمرا وعمقا وفكرا لدرجة انه عايش بقراءة التاريخ ما يكتب رغم انها أحداث تمت فى غير زمانه.. عشق الملاحم لطبيعة القرية التى ولد بها ومنها عشقه للملاحم مثل عنترة بن شداد وسيف بن ذى يزن وخطط المقريزى وفتوحات ابن عربى وابن إياس والحلاج وسيرة المماليك والأصفهانى شكلت جميعها جوانب كبيرة من تراثه فى الحكايات والروايات.. كان مغرما بالتنقيب عن الأثر الإنسانى المعرفي.. وعرف بـ «قفاء الأثر» عند باعة الكتب القديمة فى الأزبكية والدرب الأحمر فقد كان مؤمنا بأن الكتب هى كنز الثقافة الخالد.. وبات يمثل ظاهرة جلية كبيرة فى الأدب المصرى والعربى شعرا ورواية وقصة.. وحمل ألقابا كثيرة مثل «أمير الروائيين الصعاليك» التى وصفه بها صاحب نوبل نجيب محفوظ أنتج أعمالًا كثيرة بعد ولادته فى يناير 31 يناير 1938 بينها رغم انه من أصول عريقة تنحدر منها أسرته التى كانت عبر جده لوالده من كبار موظفى الخاصة الخديوية وأصبح نائبا لناظر «الخاصة» وكان عمه منشدا فى «السرايا» من خريجى الأزهر الشريف.. وعندما تراجع حال الأسرة لم تستطع إظهار فقرها من أجل الحفاظ على الهيبة التى أسسها الجد والعم.. وكانت أسرة كريمة بها بذور الكبرياء الممزوج بالتواضع.. ووسط هذا الجو بعد نهاية الثلاثينيات ومع بدء الحرب العالمية كان الطفل الصغير يتحسس الخطى فى القرية التى سجلها به قصة تاريخية فى مقاومة الحملة الفرنسية لدرجة ان أحد أبنائها كان قد قبض مهر ابنته وذهب يشترى لها الأثاث للعُرس وعلم بقدوم الحملة الفرنسية على قريته «شباس عمير» التابعة لكفر الشيخ فاشترى أدوات مقاومة ضد الحملة الفرنسية ونابليون بونابرت واشترى شراشر ومناجل وسكاكين لمقاومة المحتل وفى جنح الظلام تسلل للقرية ووزعها على الفلاحين.. لم يكن اختيار مؤسسة امباسادورز الكندية لترشيحه لنوبل صدفة فقد كان يستحقها الأديب الكبير خيرى شلبى بأعماله وثقافته.. تميز الأديب الكبير الذى تناولت أعماله العديد من الندوات الفكرية ومازال فى ذاكرتى ندواته بجمعية الأدباء الشبان فى السبعينيات بقصر ثقافة قصر النيل بجاردن سيتى التى كنت أحد أعضائها وكنا نستمع إليه نحس اننا نستمع لحكاء يسرد سردا مميزا بإبداع وبتفاصيل جرارة كأنها على شاشة مكتوبة والأمر نفسه تلمسه فى إنتاجه الذى بلغ أكثر من 70 عنوانا مازالت تثرى العقل فهو الحكاء الذى يعزف بالكلمات على سطور الورق بأوتار ربابة عاشق للتاريخ وبروح المصرى الأصيل.. فلم يأت خيرى بالقرية لقراءه بالقرية بل أخذهم إليها.. من منا ينسى «فاطمة تعلبة» الاسم الذى اختاره لوالدته كما يقول القريبون منه انها جزء قريب من قصته فى «الوتد» ففيها اظهر تماسك الأسرة المصرية وبها واجه الجماعة الإرهابية التى حاولت اختزال المرأة كصالون للجمال والإنجاب لكن ابت عقلية خيرى شلبى الأديب والمثقف ذلك وألا تلزم المرأة البيت كما يريد الإخوان وجماعاتهم.. كان شلبى الأديب سباقا فى إبراز الواقعية فى أدبه الروائي.. ولم يعش لنفسه بل احتضن تلاميذه ومحبيه فى مسيرة ثرية.
معاناة جيل
يكفى عندما تقرأ خيرى شلبى ترى انه ينتمى لذلك الجيل الذى عاش أحلاما كثيرة بها انتصارات وانكسارات ما بعد الحرب العالمية الثانية ببناء كيان فى أمتنا «إسرائيل» وحرب 56 ونكسة 67 التى انعكست بمرارتها على الشعب ليس المصرى فحسب بل العربي.. واجه الجهل فى أعماله بحمل هموم المهمشين وكان مهموما بآمال وآلام الوطن وتناولهم فى أعماله «وكالة عطية».. تجربته فى الصحافة بجريدة «الجمهورية» فى بداية الستينيات «61-1994» ومعها انطلق إلى حكاء فى ساحة الوطن.. وترجمت أعماله إلى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية والإيطالية والعبرية.
استمد حب الانتماء للوطن من والدته ومن قصص حوارى الريف والمهن التى عمل بها كنجار وحداد وسمسار ومكوجى وترزى وعامل تراحيل وفى كل مشوار حياته لم ينس جلباب القرية ووافق بأن يدفن فى «شباس عمير» وبرغم مرور نحو 14 عاما على وفاته إلا أن رواياته وما تركه مازال لامعًا فى الوتد والسنيورة ووكالة عطية وصالح هيصة والشطار والشيخ رضوان وزهرة الخشخاش وبقلة العرش وصحراء المماليك وصاحب السعادة واللص وغيرها حملت اسمه وأفكاره وروت لنا جانبا مهما من حياة مصر الاجتماعية من الأربعينيات حتى بعد أحداث يناير فى رحلة طويلة داخل دروب حياته ومحطاتها ولم يكن ارثه الثقافى وحده المؤثر بل سيرة حياته كلها تبعث على التأثر فكم حملت من دراما الحياة وميلودراما بين الحزن والفرح ومساحات رمادية كثيرة.. فقد عاش فى المدن المهمشة مع المهمشين فى أعماله والمدينة المتوحشة فى المقابر والعالم السرى لمن يتعاملون مع المخدرات وفى رواية وكالة عطية سرد كثيرا من حكاياته ومن أهم ما كتب محاكمة طه حسين وبورتريه المولد أسرة أمجادها على الجدران.
مع ولادته وجد نفسه فى أسرة كبيرة العدد تنتمى لرب أسرة سليل عائلة لها علاقة بالخاصة الخديوية ووالد يعمل بالإسكندرية بهيئة الفنارات ولم ير من الأسرة إلا أمجادها فى صور فقط على جدران بيوتها بصور مع كبار القوم وبعض شعراء ذلك العصر بينهم شاعر النيل حافظ إبراهيم فى قرية يحتضنها النهر الخالد بكفر الشيخ.
مولده قبل الحرب العالمية الثانية بشهور فى 31 يناير 1938 بعد أزمة اقتصادية ضربت العالم فى بداية الثلاثينيات وأزمة داخل مصر فى وزارة النحاس باشا ومعاهدة 1936 وعاش طفولته على آثار النكبة وإعلان دولة إسرائيل عام 1948 وبعدها عاش يافعا حرب 1956 وتأميم القناة ونكسة 1967 ومراراتها وفى 1973 حلاوة الانتصار وسط عائلة تجيد القراءة والكتابة ولها ميراث فى خدمة الوطن ومكانة العائلة فى شباس عمير كانت بداية تعلقه بحكايات القرية وقراءة السير من الأشخاص أنفسهم وفى منزل به 3 آلاف أسطوانة لمشاهير الطرب عبدالوهاب وكارم محمود ودرويش ويوسف المنياوى وعبده الحامولي.. والتحق بكتاب القرية الذى زوده بحفظ القرآن الكريم وجمال اللغة العربية التى ساهمت فى بنائه اللغوى بشكل واضح وصنعت بداية «خميرة» لحكاء ماهر ونابه ساهمت فى تكوينه الثقافي.. فى القرية مكان مستمع لأهازيج الأفراح والحصاد والمولد والسير والأمثال الشعبية وكانت الأخيرة مصدره فيها والدته فاطمة وجدته.. ودخل مدرسة عبدالله النديم عندما بلغ 13 عاما كان قد قرأ يوميات نائب فى الأرياف لتوفيق الحكيم وروايات جورجى زيدان.. وتعد يوميات نائب فى الأرياف هى التى غرست الشرارة الأولى فى قلب خيرى شلبى للتوجه إلى القصة والرواية وكان احساسه عندما يمر بين شجر الصفصاف أو يجلس وسط الفلاحين على المصطبة أدرك ان محيط شباس عمير الصغير هو اللبنة الأساسية للانطلاق وان هذا الواقع غنى بالمواد الثرية للروايات الأدبية وعندما قرأ رواية يوسف ادريس «أرخص ليالي» ازداد قناعة بذلك.. ومع التعليم التحق بمعهد المعلمين فى دمنهور متأثرا بمعلمه محمد حسن ريشة والأنصارى محمد إبراهيم اللذين وجهانه واستمرا معه فى دخول المعهد إلى قراءة كتب محمد فريد أبو حديد ومحمود تيمور والمازنى ويحيى حقى وعبدالرحيم الشرقاوى وكلها مدارس أدبية تأثر بها.. ووسط عذابات اللحظة وظروف الأسرة الكثيرة العدد الخاصة بين البنين والبنات وقلة ذات اليد ترك القرية إلى القاهرة ليعيش عالم آخر لكن لم ينسه أيام الحرمان.
ففى بوح على لسان الأديب خيرى شلبى على حلقات بمجلة «نصف الدنيا» نشر فى 19/8/1998 يقول عن ظروف الأسرة ان والده تزوج 4 مرات ولم ينجب وعاد من الإسكندرية حيث كان يعمل إلى القرية شباس عمير وتزوج مرة أخرى فتاة صغيرة ابنة شيخ الغفر أنجب منها عدد 17 من الأبناء وجده على كان فى الخاصة الخديوية وأنجب أيضا 4 أبناء كونوا بجوار شباس عمير حيث يملكون قطع أراض وكونوا قرية أو عزبة «الشقة» وبعد وفاة الجد وزعت الأراضى على الأسرة.. وعندما ضاق الحال فى الأسرة كانت الوجاهة القديمة تمنعهم من إظهار حاجتهم حفاظا على مكانة العائلة وهى ما زرعت فى الأديب الكبير نفسه الكرامة الممزوجة بالتواضع المشوب بحب الناس.. ووسط الحاجة يتذكر شلبى فى أحاديثه انه عمل فى الوسية الخاصة بمحمد على باشا باليومية مع شقيقته كى يوفرا ثمن القمح والشعير والأرز فى ظل طبقة سائدة تملك وأخرى لا تملك وأسرته كانت تحظى بالاحترام ففيهم خريج الأزهر وناظر بالخاصة الملكية ولهم علاقة قوية مع رجال الدولة خاصة جده لوالده.
النظارة الطبية
عندما تقدم لمعهد المعلمين أعاقه فى القبول انه يحتاج لنظارة طبية لأن نظره ضعيف وهذا كان شرطا أساسيا من المعهد واستمر ورسب فى الصف الثانى بعد انقطاع عن الدراسة وحل مشكلة النظارة تبرع بعض أهالى القرية له بثمنها ليواصل مسيرته التعليمية وقتها متأثرا بيت شعر وجده فى مندرة منزله القديم يقول:
البشر أقبل برهان على الخيري
وكوكب الصبح يهدينا إلى الفجري
وتجمعه العصر ما ان علت سطعت
فكان من نورها مولدنا خيري
هذه الأبيات بتوقيع حافظ إبراهيم ظلت عالقة فى الذهن حتى وفاته لأنه فى هذه «المندرة» سمع الكثير من الثقافات والحكايات فى الفن والسياسة والأدب ورغم تنقله بين دروب مصر من قراها ومقابرها وحواريها وأزقتها ومن امبابة إلى مقابر المماليك فى الفقر إلى حى المعادى فى شارع أبو النصر إلا انه ظل أسير القاهرة الخديوية.. وفقد والده وظيفته بسبب علاقته بالوفد القديم ومهاجمة الإنجليز.
علقة بالفلكة
يروى أحد أصدقائه بقريته شباس عمير عبدالصمد أبو سليمة فى لقاء صحفى قبل سنوات تعرض لعقاب بالفلكة من مدرس اللغة العربية وأصر على ضرب خيرى شلبى لم يصدق انه كاتبه .. وبينما انهال المدرس بالضرب على قدمى خيرى شلبى ولم ينقذه سوى مدرس يقدر موهبته وهو الذى وجهه للدراسة فى معهد المعلمين محمد حسن ريشة وأكد لمدرس اللغة العربية لابد أن يتوقف عن عقابه ويتركه وطلب منه أن يعيد كتابة الموضوع.
قصة رسوبه
رسب فى الصف الثانى أثناء دراسته بمعهد المعلمين بدمنهور وهنا دب خلاف بينه وبين والده اضطره لترك القاهرة واتجه للعمل فى عدة مهن من أجل أن يوفر المال الذى يسافر به إلى القاهرة وكان يقضى ليله فى مسجد «شباس عمير» ووصل الخلاف إلى أن والده عندما علم برسوبه جمع كتبه فى محاولة لإحراقها وكاد يشعل بها النار كى يتفرغ ابنه لقراءة كتب المعهد وليس الروايات والقصص الأدبية.. وكانت الحادثة وراء عمله فى أعمال النجارة والسمكرة والحدادة ومكوجى وترزى حتى يوفر ما يستطيع أن يعيش به فى القاهرة التى قرر الهروب إليها ويزيح عن نفسه الصنعة التى ألصقها به الفلاحون انه شاب أفسده «الأدب».. لكن كل هذا تلاشى عندما جلست قرية شباس عمير حول منزله ليستمعوا إليه عندما كانوا يستمعون لاسمه فى قصة د. طه حسين الأيام حيث كان كاتبا للسيناريو.
حكاية الأسير
ويقول صديق عمره عبدالصمد أبو سليمة مسترسلا حول ذكرياته معه منذ أن كانا فى مدرسة عبدالله النديم فى أربعينيات القرن الماضى انه عندما تم أسره فى حرب 1973 وكانت الدولة المصرية ترسل لهم الوجبات عبر الصليب الأحمر ملفوفة بورق الصحف فرح أبو سليمة جدا عندما وجد وجبة ملفوفة بورق صحف وعثر على قصة من قصص خيرى شلبى كانت بعنوان «رقائق ثلج أسود» فهو الأديب الذى فتح خزائنه الأدبية ليعيد القراء إلى الدوار وتحت الصفصاف وهو الذى جعل من نفسه تشارلز ديكنز مصر فقد كان حكاية مبدع يكتب الرواية بلغة الشعر.
مع محفوظ
يقول كنت صديقا لمحفوظ وأجلس معه فى مقهى على بابا وأمتع أوقاتى الجلوس معه بعيدا عن عيون الناس وفى ندوته الأسبوعية «كازينو أوبرا» وفى مقهى ريش.. وفى سنوات العزلة الاختيارية لشلبى لينتج ويبدع فى صحراء المماليك كان يهرب منها ليزور الأحياء ومنهم محفوظ.
وكان تأثره واضحا مع يحيى حقى برع وسط أدباء الستينيات بعالمه الإبداعى القصصى والموروث الشعبى وبذلك جلس فى مصاف نجيب محفوظ وبهاء طاهر ومحمد جبريل وإبراهيم عبدالمجيد ويوسف القعيد وجمال الغيطانى ترك بصمة فى الشارع الأدبى بأسماء أبطال أعمال كصالح هيصة الذى شكل منه نموذجا للشخصية المصرية كان يكتب حيث الوحى على المقهى فى الشارع وسط الزحمة والضوضاء ومنها برع فى القصة القصيرة والرواية والدراسة النقدية الأمر الذى قاد المترجمين لترجمة أعماله إلى اللغات الصينية والروسية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية.
قضيته مع ناهد فريد شوقى
كانت أحد المحطات حيث فقد باع لها رواية الكومى لإنتاجها تليفزيونيا وأخذ منها عربونا ثم تعاقد مع آخر لإنتاجها فى مدينة الإنتاج الإعلامي.. ووقتها قال الكاتب فعلا حدث أنها أهملت الرواية ست سنوات كاملة مما أهدر حقوقى المادية والأدبية بسجن الرواية هذه وانه أعاد لها العربون وتدخل وقتها المهندس عبدالرحمن حافظ رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى لفك الاستيك بين الكاتب والمنتجة.
الزواج
قصة زواجه تعد أحدى رواياته الجميلة الواقعية فقد شاهد زوجته فوزية السنهورى كما يقول فى حديث لمجلة نصف الدنيا نشر على حلقات فى 30/8/1998 وكان يراها فى أمها التى يعرفها بصفاء ومتانة القرية المصرية فى أربعينيات القرن الماضى ورأها صورة قريبة من أمه فى تعاملها مع أسرته فهم أقارب من العائلة.. كان ما يقلقه نفقات الحياة ويقول : وانه رجل له طباع خاصة ومتقلب المزاج.. راودته هذه الأفكار عندما فكر فى الزواج من قريبته فوزية صغيرة السن دون الرابعة عشرة من العمر وانتقلا إلى شقة فى منطقة شبه صحراوية قبل النقل إلى المعادي.. وتزوجا وكما يصف الكاتب الكبير انها سيدة مثابرة اعدا منزلهما على مهله واشتريا غرفة النوم والصالون بالتدريج وأنجبت له 4 أبناء ولدان وبنتان هى التى اعتنت بتربيتهم وتعليمهم وكانا قد اتفقا ليلة الزفاف على تأخير الإنجاب لكنه فوجئ بعد شهر بأنها حامل فى ابنته ريم.. الأمر الذى كان سيهز المنزل الوليد الذى بلا ماء أو كهرباء.. وبدأت صدقاته تتسع وتزوره فايزة أحمد ومحمد سلطان أحيانا وصديقه علاء الديب ومع ولادة ريم اضفت على الأسرة ضيف جديد والدخل ليس ثابت وبعدها أنجبت أحمد وزين ونظرا لحبه للكاتب الراحل أحمد بهاء الدين وبهاء طاهر اتفق مع زوجته إذا أنجبت طفلا يسميه بهاء وبالفعل تم وعندما أخبرته حماته عند اتصاله بها فى القرية حيث كانت زوجته تضع المولود فقال لها نسميه زين العابدين تيمناً بآل البيت وكان خيرى شلبى مغرما بزيارة مساجد آل البيت.. وهو نفسه زين الذى تخرج من كلية الإعلام والتحق بالأهرام.. وجاء ابنه الرابع إسلام والأبناء الأربعة يشكلون عائلة أديبنا الراحل الكبير.
استمرت علاقته الزوجية الناجحة انه تأثر كثيرا بالشخصية المصرية وخاصة والدته التى تقول السيدة فوزية السنهورى زوجته من أكثر السيدات التى تأثر بهن وتحدث عنها خلال رواياته وفاطمة تعلبة بها جزء كبير من هذا أمه وهو نفسه وتتفق فى هذا ابنته ريم – بحسب حديث لمجلة صباح الخير نشر فى 13/9/2011.
عندما تقدم عريس لابنته ريم وتحدث معه بحديث عن والدته وما صنعته معه فى حيات وفى حديثه عن «العروسة» قال: إنها واحدة عظيمة «حتشيل عنك كل شيء» وبدون ما تشعر ستجد أولادك كبروا وستحافظ على بيتك وكيانك وتساندك فى مواجهة أعباء الحياة.. وتعلق هنا الزوجة فوزية السنهورى انها أول مرة تشعر بمدى حبه الكبير لها كزوجة وأم لأولاده.
طقوس فى الكتابة
الأديب خيرى شلبى عندما يدخل فى عمق الكتابة فهو لم يتعامل مع الكمبيوتر ويكتب رواياته فى كشاكيل كبيرة وبعد الكتابة «القماشة الأولي» ويتركه مدة وبعدها قد يكرر الصياغة كتهذيب للعمل وهو نفسه كان يقول «ما أمزقه من ورق يفوق ما أنشره» وكل عوالم عمله، كاتب أنفار فى الوسية وكاتب محامى فقد كان يعتبر الكتابة مواجهة لا هروب.. ويعتبر إقامته فى المقابر ليجد سكونا وهدوءا وهى قصة تضاف إلى قصصه لأنه كان مؤمنا انه لو عاد به الزمن لن يمارس غير الكتابة التى خلقت بداخله.. وهذا الحب للكتابة وراء اكتشافه للكنوز الأدبية المجهولة فى تاريخنا الثقافى كمسرحية مصطفى كامل فتح الأندلس والراهب لأمين الخولى ومحاكمة طه حسين التى عثر على قرار النيابة فى أوراق قديمة بدرب الجماميز بتوقيع النائب العام وقتها محمد نور فهو يكتب وكأنه يتنفس.
راحة وهدوء
كان إبداعه يحتاج لزوجة توفر له الوقت الهادئ وراحة باله وبلغ الأمر فى حرصها على عدم إزعاجه انه فى أحد الأيام كان ساهرا طوال الليل وهى تعانى آلام المخاض.. وبينما قد استسلم للنوم والمخاض بآلامه وهى صامتة وكان هذا المخاض الصامت يعلن قدوم مولود جديد إلى منزله وتحملت فى صمت لكى توفر له الصفاء الذهنى ويقول أنور السنهوى شقيق زوجة الأديب خيرى شلبى الأصغر.. ان شقيقته أرسلت له وأيقظته فى تلك الساعة لمساعدتها فى الولادة وعند وصوله المنزل أصرت على عدم ازعاج زوجها وقالت لجارتها أم منى لتأتى لها بالطبيبة ولم توقظه ومع الولادة قبل الظهر أبلغوه بأن مولود جديد رزق به.. وكانت الزوجة حريصة على راحته وتقول انه يعيش على «سن قلمه» وكانت بالفعل بنت السنهورى راهبة فى بيت الأديب الكبير ورددت كثيرا على مسامع أقربائها ان شلبى زوجها تعب كثيرا وهنا كتمت صراخى عند ولادة ابنى ويعلق زين الدين خيرى فى أحد أمسيات تأبينه انه كان نصيرا ومؤرخا للمنسيين والمهمشين وناضل من أجل أن يترك شيئا فى سبيل الوطن.
فى مكتبة قلين
كرمته محافظته فى مناسبات كثيرة وتم إطلاق اسمه على مكتب المحافظة تخليدا لاسمه.. وهو الذى استوحى قصصه ورواياته من شخوص كثيرة فى ذاكرته معظمها انطبع فى خياله عبر هذه المحافظة التى ولد فى أحد قراها.. فقد حول حياته إلى صفحة ناصعة فى تاريخ الأدب العربى وحول مهنته إلى روايات والذى قارب فى رواياته سيرته الذاتية دون إفصاح كما فى «الوتد» والتى تماثل ما كتبه الكاتب الكولومبى جابرييل جارسيا ماركيز فى كتابه «أن تعيش لتحكي» والذى قال عنه شلبى نفسه الشكر هذا العبقرى ماركيز الذى أبرز الشقاء الإنسانى على شاطئ الكاريبى فى قرية هناك وتشابكا معها فى قرية على النهر الخالد هى «شباس عمير».
الوفاة
بينما كان فى منزله وتحدث إلى حفيده على زين العابدين وفجأة ارتاح على ظهره وقدميه مازالت على الأرض وظنت رفيقة دربه فوزية انه يعد شيئا ليحكيه لكن فعلا صمت هزته بجسده لكن كان ذهب فى ملكوت آخر بهدوء.. وظنت انه أصابه الاغماء وطلبت ابنه زين العابدين الذى وصل سريعا.. وهنا تأكد أنه توفى بينما كانت ابنته تقول لوالدتها الاسعاف فى الطريق وحضر إلى المنزل أبناؤه واستخدم الطبيب والمسعف أجهزتهما لكن الحقيقة انه رحل وتوفي.. كانت أمنيته أن يموت بهدوء دون عذاب المرض واستجاب الله لدعائه وقبض روحه فى منزله بعد فجر الجمعة 9 سبتمبر 2011 التى تحل ذكراها الـ 14 الثلاثاء القادم.. وبسرعة أعد الجثمان وحسب وصيته وفى مقابر شباس عمير التابعة لمركز قلين بكفر الشيخ شيعه الآلاف من المواطنين يواسون ابنيه زين العابدين الصحفى بالأهرام وإسلام المخرج.
وفى مشهد جنائزى مهيب لم تشهد شباس عمير مثيلا له وسط أهله الباقين على قيد الحياة اخوته وشقيقاته وأحفاد فاطمة تعلبة التى ألف عنها روايته «الوتد».. وودع أيضا بعدد من الأدباء والتلاميذ الذين ينتمون إليه إلى مثواه الأخير ونعاه رفاق الرحلة وزير الثقافة عماد أبو غازى ورفيقه إبراهيم أصلان وسعيد الكفراوى وغيرهم من رموز الفكر والثقافة والأدب والصحافة والإعلام.. وبوفاة الأديب الكبير فقدت مصر واحدا من أشهر أدبائها الواقعيين والذى رشحته يوما ما مؤسسة امباسادورز الثقافية الكندية لجائزة نوبل.. والذى كان مغرماً بالسيرة الذاتية للكاتب الكولومبى جابرييل جارسيا ماركيز «أن تعيش لتحكي» وكان يعتبر جارسيا جزءا من سيرته رغم بعد المكان بين حكاية كتبت على شاطيء الكاريبى والثانية فى قرية مصرية شباس عمير على شاطئ النيل الخالد فقد خلف العم شلبى تراثا خالدا فنيا كبيرا فهو أحد أهم كتاب «البورتريه» فى رسم الصورة بالكلمات.. فقد كان موسوعة ثقافية غزيرة الإنتاج والإبداع الخالد الذى تناقله الأجيال.. فهو الوحيد الذى حافظ على جذوره عبر 75 رواية وقصة ومسرحية ودراسة.