ثمنت مصر اعتماد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، خلال أعمال دورته 164 المنعقدة فى القاهرة أمس الأول، تحت عنوان بـ«الرؤية المشتركة للأمن والتعاون فى المنطقة»، الصادر بمبادرة مصرية- سعودية مشتركة، فى تجسيد للإرادة العربية الجامعة والتوافق العربى على بلورة إطار حاكم للأمن والتعاون الإقليميين، يقوم على قواعد القانون الدولى ويستجيب لدقة الظرف الذى تمر به المنطقة.
واكدت مصر – فى بيان لوزارة الخارجية أمس – أنه لا مجال للسماح بهيمنة أى طرف على المنطقة أو فرض ترتيبات أمنية أحادية تنتقص من أمن المنطقة واستقرارها، فالأمن الإقليمى لا يستقيم إلا بالالتزام الصارم بالمبادئ الحاكمة التى يكرسها القرار، وفى مقدمتها احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، والامتناع عن استخدام القوة العسكرية خارج إطار الشرعية الدولية. ويثبت القرار حق الدول العربية الأصيل فى بلورة مبادئ حاكمة لترتيبات المنطقة، ويؤكد بصورة لا لبس فيها أن من حق الدول العربية أن تطرح وتفرض إرادتها ورؤيتها لبناء منظومة أمن وتعاون قائمة على الاحترام المتبادل وحٌسن الجوار والالتزام بقواعد القانون الدولى وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وجعل إنهاء الاحتلال المدخل الحقيقى إلى سلام عادل ومستدام.
واكدت مصر أن اعتماد القرار يعكس دورا قياديا عربيا مسئولا فى بلورة قواعد واضحة لتعزيز الأمن والتعاون، ورسالة بأن استقرار منطقتنا لن يتحقق إلا عبر احترام السيادة ووحدة الأراضي، ورفض سياسات الإكراه وفرض الأمر الواقع، وإنهاء الاحتلال، وفتح أفق سياسى واقتصادى يحقق لشعوب المنطقة السلام والازدهار.
واكدت مصر التزامها بالعمل مع سائر الدول العربية والشركاء الدوليين لترجمة القرار إلى خطوات عملية تعزز الأمن الإقليمى وتعيد الزخم إلى مسار تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، وتدعم منظومة تعاون عربية-إقليمية قائمة على المصالح المتبادلة واحترام القانون الدولى وأمن وسيادة دول المنطقة بصورة متساوية، مع مواصلة ممارسة الضغط لاتخاذ مواقف حاسمة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، والتأكيد على أن استمرار انسداد آفاق التسوية يمثل عاملا رئيسيا لزعزعة الاستقرار وانتشار التطرف والكراهية والعنف إقليميا ودوليا.
وكان وزراء الخارجية العرب فى اجتماع الدورة العادية قد أدانوا أى طرح يهدد سيادة الدول العربية ووحدة أراضيها، مؤكدين ضرورة العمل على إنهاء احتلال إسرائيل للأراضى العربية، وعدم إمكانية التعويل على ديمومة أى ترتيبات للتعاون والتكامل والتعايش بين دول المنطقة فى ظل استمرار احتلال إسرائيل لبعض الأراضى العربية أو التهديد المبطن باحتلال أو ضم أراض عربية أخري.
جاء ذلك فى قرار بعنوان «الرؤية المشتركة للأمن والتعاون فى المنطقة» صدر فى ختام أعمال مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية فى دورته العادية 164 برئاسة دولة الإمارات التى عقدت بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة.
وشدد المجلس على ضرورة التمسك بمبادئ الاحترام المتبادل لسيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، والالتزام بثوابت حسن الجوار وعدم الاعتداء وتسوية النزاعات بالطرق السلمية.
وأكد ضرورة الالتزام بالمسلمات الحاكمة للعلاقات الدولية والإقليمية، خاصة من حيث الحفاظ على الاستقلال السياسى للدول ووحدة أراضيها وأحقيتها فى الاستفادة من مواردها الطبيعية، واحترام قواعد القانون الدولى ذات الصلة، وعلى رأسها عدم استخدام القوة إلا فى الإطار القانونى المنظم لذلك؛ متمثلًا فى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
ونوه مجددا إلى محورية معالجة جذور الصراع والتوترات الإقليمية؛ لاسيما عبر تسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل وشامل، وفقًا لحل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأرض الفلسطينية وبقية الأراضى العربية المحتلة والانسحاب لخطوط الرابع من يونيو 1967، وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وبما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة و»إعلان نيويورك» الصادر عن المؤتمر الدولى بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، وما تضمنته من إجراءات وخطوات ملموسة فى هذا الإطار.
وشدد المجلس فى هذا السياق على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإيقاف عمليات التوسع الاستيطاني، ومشاريع التهجير، ومحاولات التغيير الديموجرافى وطمس الهوية العربية وتهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية، وضمان حقوق اللاجئين واستمرار ممارسة الضغط على المجتمع الدولى لاتخاذ مواقف حاسمة، محذرا من أن استمرار انسداد آفاق الحل يعد عاملا أساسيا لزعزعة الاستقرار فى المنطقة ومسوغا لنشر التطرف والكراهية والعنف إقليميًا ودوليًا.
وأكد أهمية المضى قدما نحو تحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار النووى وإخضاع كافة المنشآت النووية فى المنطقة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك احترام حق الدول فى الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
كما أكد المجلس ضرورة احترام أمن وسيادة دول المنطقة بصورة متساوية بما يضمن عدم تغليب مصالح طرف على حساب طرف آخر، داعيا إلى بناء وتعزيز الثقة المتبادلة.
ولفت المجلس إلى ما تمر به المنطقة من مرحلة حرجة وتطورات بالغة الخطورة، تتسم بتفاقم التهديدات وتوسع العدوان الإسرائيلى وتعميق التوترات التى تمس الأمن المشترك لدوله، وما تشهده المنطقة كذلك من تفويض لكافة مسارات السلام والأمن والاستقرار، لاسيما عبر مواصلة إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، دون رادع لحربها العبثية على قطاع غزة، التى تتعدد خلالها صنوف الانتهاكات الجسيمة من قتل وحصار وتجويع وضم أراض وتوسع استيطانى ومحاولات تهجير ضد الشعب الفلسطينى فى انتهاك واضح لقرارات وقوانين الشرعية الدولية وأبسط المعايير الإنسانية.
وذكر أن الأحداث الأخيرة الخطيرة والمتلاحقة فى منطقة الشرق الأوسط تبرهن على أن غياب التسوية السلمية للقضية الفلسطينية هو السبب الرئيسى فى اندلاع جولات من العنف المستمر الذى تطور مؤخرًا إلى تصعيد إقليمي، كما أن عدم تسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل والممارسات العدائية لقوة الاحتلال هو ما يقف حاجزًا أمام فرص تحقيق التعايش السلمى فى المنطقة وتعزيز التعاون الاقتصادى بين دولها بما يسهم فى تحقيق أمن ورفاهية شعوبها.
وأبرز أن تلك الأحداث والتصعيد العسكرى المتوالى تعكس تجاهلًا صارخًا لمبادئ القانون الدولى والاستهانة بها، واستخدام القوة والتدخل العسكرى دون سند قانونى وانتهاك سيادة الدول وإساءة استخدام حق الدفاع عن النفس خارج إطار القانون الدولي، وغيرها من التجاوزات الفجة مقرونة بإفلات من العقاب وانتقائية فى تطبيق المعايير على نحو يضعف من مبادئ ومقاصد القانون الدولى والإيمان الذى ترسخ تجاهها، وهو ما يكرس من حالة عدم الثقة بين مختلف الأطراف فى المنطقة.
وأعاد التذكير بمبادرة السلام العربية عام 2002، والتى تؤكد الدول الأعضاء بموجبها على مسار السلام بوصفه خيارًا إستراتيجيًا يتيح آفاق الاندماج والتكامل الإقليمى ويمكن دول المنطقة من توجيه طاقاتها نحو التنمية والازدهار، بما يحقق تطلعات وآمال شعوبها بمستقبل أكثر أمانا وازدهارًا.
وأضاف المجلس «وانطلاقًا من حقها المشروع ومسئوليتها تجاه ضمان أمنها ومصالحها المشتركة، تؤمن الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية بأهمية العمل وفق مبادئ تؤسس لتحقيق واستدامة السلام العادل والشامل فى المنطقة، كما تؤكد أهمية تعاون المجتمع الدولى واضطلاعه بمسئولياته والتزاماته تجاه تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وترفض أى تحركات أو مساع تؤدى لزعزعة الأمن والاستقرار فى المنطقة وتهديد سيادة دولها، وجر المنطقة إلى مواجهات تفاقم المعاناة والأزمات الإنسانية وتعطل مسيرة التنمية لعقود آجلة».
وأشار إلى أن الدول الأعضاء تؤكد أن أى مبادرات للأمن الإقليمى يجب أن تستند إلى مبادئ الأمم المتحدة لاسيما احترام سيادة دول المنطقة ووحدة أراضيها، بما يسهم فى تحقيق الأمن والسلام والاستقرار المستدام.
ونوه بأهمية وجود توافق بين كافة دول المنطقة حول مجموعة من المبادئ الحاكمة للتعاون والأمن المشترك بما يؤسس لقاعدة من الثقة المتبادلة وتعزز تحقيق تعايش وتكامل حقيقى ومستدام بين دول المنطقة.