فى زمنٍ يبحث فيه المسرح عن تجديد الدماء واستعادة سحره، يطلّ المخرج والمؤلف المسرحى محسن رزق بعمله الجديد «الملك وأنا» ليؤكد أن الخشبة لا تزال قادرة على صناعة الدهشة وإشعال العقول والقلوب معًا. مغامرة إبداعية جريئة يمزج فيها بين الكوميديا والفانتازيا والإبهار التكنولوجي، ليعيد صياغة حوارٍ إنسانى خالد حول السلطة والمعرفة، الشرق والغرب، الضحك والفكر. فالمسرح بالنسبة له ليس مجرد خشبة وستائر، بل هو نبض الحياة، ومكان تتلاقى فيه الأفكار والقلوب.
فى حواره مع الجمهورية يكشف رزق أسرار تجربته الاستثنائية، ورؤيته للفن كرسالة إنسانية، وكيف أعاد اكتشاف لقاء الخميسي، وجعل من الأطفال أبطالًا حقيقيين، ليكتب فصلًا جديدًا فى رحلة المسرح المصرى نحو المستقبل.
> فى البداية كيف ترى المسرح كفن، وما الذى يميز «الملك وأنا» عن أعمالك السابقة؟
>> أرى أن المسرح هو أقصر طريق بين الإنسان وذاته، وتجسيد حى للوجود الإنسانى بكل ما فيه من تعقيد وجمال. و»الملك وأنا» بالنسبة لى تمثل مغامرة إبداعية شاهقة لأنها تعيد تقديم قصة كلاسيكية بطابع استعراضى كوميدى عصري. لم يكن هدفنا مجرد الترفيه، بل التركيز على قيم إنسانية خالدة مثل العلاقة بين السلطة والمعرفة، والصراع الحضارى بين الشرق والغرب، من أجل إثارة التساؤلات فى عقول ووجدان الجمهور.
فالكوميديا ليست مجرد ضحكة عابرة.
> كيف أثرت أعمالك الكوميدية الناجحة مثل «عبودة ماركة مسجلة» و»اللص والكتاب» و»الزناتى مجاهد» على رؤيتك الحالية للمسرح؟
>> تلك الأعمال كانت بالنسبة لى مدرسة فنية متكاملة. أثبتت لى أن الكوميديا ليست مجرد إضحاك سطحي، بل هى وسيلة عميقة وقوية لتقديم القضايا الاجتماعية والسياسية بشكل غير مباشر ومؤثر، يجعلها أقرب إلى قلب الجمهور وعقله. هذا هو نفس المبدأ الذى طبقته فى «الملك وأنا»، حيث استخدمت الكوميديا والفانتازيا لتقديم رسائل عميقة بطريقة جذابة ومدهشة. الفن، حتى فى قالب الضحك، يجب أن يكون له قيمة.
> كيف توفق بين الإبهار التكنولوجى والصدق الإنسانى فى أعمالك الفنية، خاصة فى «الملك وأنا»؟
>> أرى أن الفن الحقيقى يشبه روح الإنسان؛ هو ليس جسدًا فقط، بل روح وجسد متكاملان. فالإبهار التكنولوجى هو بمثابة الجسد الذى يحمل هذه الروح. فى «الملك وأنا»، لم نستخدم شاشات «المابينج» و»الهولوجرام» لمجرد الزينة أو الإبهار المجرد، بل كانت لخدمة القصة وخلق عالم خيالى أسطوري، يثير الدهشة ويُعطى بُعدًا دراميًا للقصة. هدفنا كان تقديم أفكار عميقة وثرية، ولكن فى قالب عصرى ومُبهر بصريًا، يثير فى الجمهور «ثورة الفكر على الجمود».
> لماذا وقع اختيارك على النجمة لقاء الخميسى لتجسيد شخصية «ياسمين» بعد غياب طويل عن المسرح؟
>> لقاء الخميسى فنانة أصيلة وموهوبة بحق، وهى زميلتى منذ سنوات الدراسة الجامعية. كنت أعرف تمامًا شغفها الشديد بتقديم مسرح غنائى استعراضي. عندما قرأت شخصية «ياسمين»، وجدت أنها مناسبة لها تمامًا، وكأن الدور كان «يناديها». لقاء أثبتت أنها فنانة استعراضية متكاملة، وقادرة على الأداء الرشيق والمؤثر. هذا النجاح يثبت أن كل فنان، حين يجد الدور الذى يناسبه ويشعر به، يستطيع أن يبدع ويتألق، وكما يقولون «الدور ينادي.
> من اللافت أيضًا أنك اخترت الأطفال من بين 500 طفل وطفلة. كيف تعاملت مع هذا الكم من المواهب، وما هو سر نجاحهم فى مسرحية بهذا الحجم؟
>> أنا أؤمن بأن الفن الموجه للأطفال هو الأهم والأكثر تأثيرًا. الأطفال هم المستقبل، وهم الأقدر على استيعاب الرسائل العميقة ببراءة وصدق لا مثيل لهما. لذلك، قمنا باختيارهم بعناية فائقة، وأعطيناهم مساحة كبيرة للإبداع والظهور. مشاركتهم مع نجوم كبار مثل د. فريد النقراشى وهدى هانى كانت تجربة فريدة، وأضافت إلى العرض روحًا من الدفء والتلقائية. هم الأبطال الحقيقيون للعرض، وهم من يمثلون الأمل فى التغيير نحو مستقبل أفضل.
> تحدثت عن الفنان د. فريد النقراشي، يبدو أنك اكتشفت جانبًا مختلفًا من شخصيته فى دور الملك؟
>> بالفعل، فريد النقراشى هو «غول مسرح متمرس» بكل ما تحمله الكلمة من معني. لكنه فى هذا الدور قدم شخصية الملك المتناقضة التى تحمل فى داخلها قلبًا طيبًا ونفسًا صافية. استطاع ببراعة أن يجمع بين هيبة السلطة والجانب الكوميدى فى الشخصية، وخلق ضحكات برغم جدية الموقف. كان اختيارًا موفقًا جدًا أضاف الكثير للعرض.
> «كل فنان يجب أن يكون مفكرًا، وأن يحمل فى أعماله رسالة إنسانية»، هكذا يقول المسرحى الأيرلندى جورج برنارد شو. أعمالك، حتى فى قالبها الكوميدي، تحمل أبعادًا إنسانية وفكرية. كيف يؤثر تدينك فى رؤيتك.
>> نعم، أنا أؤمن بذلك تمامًا. الفن بالنسبة لى هو رسالة عميقة. دراستى للتاريخ فى عين شمس والمسرح فى حلوان أثرت فى رؤيتى الفنية، ولكن دراستى فى معهد علوم القرآن أعطتنى عمقًا روحيًا وإنسانيًا فريدًا. هذا المزيج هو الذى شكّل رؤيتى الفنية. هو الذى جعلنى أؤمن بأن الفن يجب أن يكون له رسالة وقيمة حقيقية. أنا أحاول دائمًا أن أقدم أعمالًا تجمع بين الفلسفة الواقعية والرومانسية والفانتازيا، ولكن فى قلبها دائمًا رسالة إنسانية نبيلة. هذا هو ما يمليه على ضميرى كفنان وكإنسان.
> بعد هذا النجاح الكبير لـ «الملك وأنا»، ما هو شعورك تجاه ردود الفعل النقدية والجماهيرية؟ وهل كنت تتوقع هذا النجاح؟
>> بالطبع كنت سعيدًا جدًا بردود الأفعال، وخاصة النقدية. عندما يتحدث كبار النقاد عن العرض بشكل مميز، فهذا وسام على صدرى أعتز به. أما رد فعل الجمهور، فقد فاجأنا حقًا بشكل إيجابى ومذهل. «إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا». الحمد لله، الليلة الثانية فى المهرجان القومى للمسرح كانت ليلة الأكثر جمالا حتى عندما انقطع النور لمدة ربع ساعة، كنت سعيدًا جدًا برد فعل الجمهور وصبره وانتظاره. هذا النجاح هو نتيجة مجهود فريق عمل متكامل، من الفنانين إلى العاملين خلف الكواليس، وهو توفيق من الله أولًا وأخيرًا.
> أنت حائز على جائزة أحسن مخرج من المهرجان القومى للمسرح عام 2018
كيف ترى تاثيرها عليك كفنان؟
>> الجائزة الافضل بالنسبة لى هى رضا الجماهير واعجابهم بما اقدمه.