فى لحظة تاريخية ستظل محفورة فى ذاكرة الرياضة المصرية، رفع منتخب مصر لأطفال الشوارع كأس العالم – منذ أيام قليلة – فى العاصمة النرويجية أوسلو، بعد انتصاره على منتخب باكستان بركلات الجزاء الترجيحية.
لم يكن المشهد مجرد مباراة كرة قدم تنتهى بفائز وخاسر، بل كان انتصارًا إنسانيًا بامتياز، وقصة أمل تتجاوز حدود المستطيل الأخضر لتصل إلى عمق المجتمع المصرى والعالمي.
منتخب أطفال الشوارع لم يمنحنا فقط كأس العالم، بل قدّم لنا مرآة عكست وجوهنا جميعًا؛ لنرى الحقيقة ونتحرك لإصلاحها، أو نواصل دفن رءوسنا فى رمال الاحتفالات بالفوز، ثم نعود إلى ما نحن فيه.
لعل الكأس المرفوعة بداية لثورة إنسانية صامتة، إذا امتلكنا الشجاعة لنصغي. هؤلاء الأبطال الصغار ليسوا مجرد نتاج تدريب وتمرين، بل أبناء التحدى الأكبر؛ بعضهم بلا مأوي، وبعضهم بلا أسرة، وأغلبهم ضحايا التهميش الاجتماعي. وجدوا فى كرة القدم نافذة للحياة، تمسكوا بوطنهم، وراحوا يرفعون اسم مصر بين بلدان العالم.
لقد تمكنوا من اعتلاء صدارة البطولة السنوية «كأس العالم لأطفال الشوارع»، وهى بطولة لا تهدف فقط إلى التنافس الرياضي، بل إلى منح هؤلاء الأطفال صوتًا مسموعًا على الساحة الدولية. فكل هدف يُسجَّل، وكل دمعة تُذرف بعد صافرة النهاية، إعلان واضح: نحن موجودون.. ونستحق الحياة والاحترام.
وراء هذا الإنجاز مبادرة «نَفَس»، إحدى المبادرات المجتمعية التى آمنت بأن الرياضة يمكن أن تكون وسيلة لإعادة بناء حياة الأطفال المهمشين. فقد دعمتهم نفسيًا وتعليميًا قبل أن تدعمهم رياضيًا، ووفرت لهم بيئة آمنة عززت ثقتهم بأنفسهم وانتمائهم للوطن، ليتحول فريق صغير من شوارع القاهرة والإسكندرية وغيرها، إلى منتخب يرفع راية مصر فى أوسلو.
إنجازهم يستحق أن نتوقف أمامه، لنفتح نقاشًا مجتمعيًا واسعًا حول قضايا التشرد والفقر والحق فى التعليم والحماية. ورسالة الإنجاز واضحة: أعطونا فرصة.. لنصنع فرقًا. كم من عالم وفنان ومخترع نفتقد دوره فى دعم الوطن، بينما هو يهرول لبيع المناديل فى إشارات المرور، أو يبحث عن لقمة يسد بها جوعه فى ورشة صغيرة، أو يفتش عن أمان بعد أن فر من منزله.
بلا شك، استطاع الأبطال رفع علم مصر أمام العالم أجمع، وحان الوقت أن نسأل أنفسنا: لماذا لا يملكون مكانًا لائقًا للعيش؟ أو مدارس تضمن لهم مستقبلاً كريمًا؟.
ولعلها فرصة لإعادة صياغة الأولويات، بإطلاق خطة وطنية شاملة لحمايتهم ورعايتهم وتأهيلهم، ولعلها تكون نقطة تحول، أو يواصل من يستطيع حياته وكأن شيئًا لم يكن.. أما هم، فسيكملون أيضًا