اتخذت وزارة الداخلية قرارًا تاريخيًا يواكب العصر، باعتبار المقاطع المصورة بالفيديو التى ينشرها المواطنون على الإنترنت بمثابة بلاغات رسمية.. هذا التوجه الجديد يعكس وعيًا بأهمية مواقع التواصل الاجتماعى كأداة إيجابية وفعالة لتصبح شاهد عيان ومساعدا لرجال الأمن، في خدمة المجتمع وتحقيق الأمان للمواطنين..وساهم في ذلك قرار النائب العام باعتبار ما ترصده هذه الكاميرات دليل، لذلك لم تعد كاميرا المراقبة أو المحمول مجرد وسيلة للترفيه، بل أداة لتوثيق الجرائم والمخالفات، لتصبح سلاحًا فى يد كل مواطن واع يسهم فى تحقيق الأمن.. الخطوة لا تسرع فقط من عملية ضبط الجناة، بل تظهر أيضا حرص رجال الأمن على التعاون مع المواطنين، وتؤكد أن الوعى الأمنى المجتمعى هو حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار.
صفحة وزارة الداخلية الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى حافلة بالكثير من الجرائم التى تم ضبطها بعد تصويرها وتوثيقها بمقاطع فيديو لحظة وقوعها.. والنتيجة أن هؤلاء الجناة، الذين بدأوا كالأسود وقت ارتكاب جرائمهم، تحولوا إلى فئران مذعورة بعد القبض عليهم، وزينت صورهم أخبار الحوادث على المواقع الإخبارية كرسالة ردع لكل من يعتقد انه يمكن ان يرتكب جريمة دون ان يقع تحت طائلة القانون.
رصدت جريدة «الجمهورية» بالأرقام، الدور الحيوى لصفحة وزارة الداخلية على موقع «فيسبوك» فى تلقى بلاغات المواطنين المصورة بالفيديو على مدار اليوم، وملاحقة مرتكبى الجرائم..وبشكل تقريبى خلال شهر واحد، هو أغسطس الماضي تنوعت الجرائم التى تم التعامل معها بناء على بلاغات المواطنين لتشمل حوالى أكثر من 232 بلاغاً تنوعت بين 107 بلاغات عنف وبلطجة وحمل أسلحة و47 مخالفة مرورية، مثل السير عكس الاتجاه والقيادة بتهور و29 بلاغا ضد صانعى المحتوى الذين يحرضون على الفسق و19 جريمة مخدرات و17 جريمة سرقة و8 بلاغات تحرش و4 حالات عنف ضد الحيوانات وحالة تسول واحدة.
كما أظهر الرصد أن الصفحة الرسمية للوزارة تعاملت مع 23 بلاغًا لنفى شائعات مغرضة، وهو ما يعكس دورها فى مكافحة المحتوى المضلل، وهذه الأرقام تؤكد أن فيديوهات المواطنين أصبحت أداة فعالة وسريعة لمساعدة الأجهزة الأمنية فى تحقيق العدالة.
من أبرز الحالات، كشف مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعى عن حادثة مطاردة ومعاكسة خطيرة شهدتها محافظة الجيزة، حيث قام قائد و3سيارات بملاحقة فتاتين، مما أدى إلى إصابتهما بعد اصطدام سيارتهما بسيارة نقل، وبناء على البلاغ الذى تلقته مديرية أمن الجيزة، تمكنت الأجهزة الأمنية من كشف ملابسات الواقعة، وعقب اتخاذ الإجراءات القانونية، تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد وضبط السيارات الثلاث وقائديها وجميع من كانوا بداخلها، وتبين أنهم 3 طلاب وسائق، وبمواجهتهم، اعترفوا بارتكاب الواقعة بالكامل، تم التحفظ على السيارات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال المتهمين.
الحالة الثانية كانت لمنشور مدعوم بمقاطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعى عن وجود «وكر» أسفل أحد الكبارى يتردد عليه أطفال ونساء وشباب لاستغلال الأطفال فى أعمال التسول، وبناء على هذه البلاغات، تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد وضبط 20 شخصا، من بينهم 8 سيدات و5 أطفال، فى الموقع المشار إليه بدائرة قسم شرطة الأهرام بالجيزة، وضبط بحوزة 9 من المتهمين 9 أسلحة بيضاء،وأقر المقبوض عليهم باستغلال الأطفال فى التسول وبيع السلع بطريقة مزعجة، تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال المتهمين، بينما تم التنسيق مع الجهات المعنية لإيداع الأطفال فى إحدى دور الرعاية، وإغلاق الفتحة الموجودة أسفل الكوبرى لمنع تكرار الواقعة.
الحالة الثالثة كانت لفيديو ظهر فيه سائق سيارة تابعة لأحد تطبيقات النقل الذكى وهو بحالة غير متزنة، وتبدو عليه آثار تعاطى المخدرات، تحركت الأجهزة الأمنية بسرعة، وتمكنت من تحديد وضبط السيارة وقائدها، وتبين أنه سائق مقيم بدائرة قسم شرطة المطرية وبمواجهته، اعترف بتعاطى مادة «البودر» المخدرة أثناء إحدى رحلاته، تم التحفظ على السيارة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال السائق.
الحالة الرابعة كانت مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعى عن حادثة صادمة فى القاهرة، حيث أظهر شخصين يستقلان دراجة نارية وهما يعتديان بالضرب على مواطنين بشكل مهين، وزاد الأمر غرابة، قيامهما بالاستعانة بشخص ثالث لتصوير الواقعة، وبعد فحص الفيديو، تحركت الأجهزة الأمنية بسرعة رغم عدم تلقيها أى بلاغات رسمية، وتمكنت من تحديد وضبط الشخصين المعتديين، وهما عاطلان «لأحدهما معلومات جنائية»، وكذلك الشخص الذى قام بالتصوير، وهو أيضًا عاطل وله سابقة جنائية، كما تم ضبط الدراجتين الناريتين المستخدمتين فى الواقعة، وبمواجهتهما، أقرا بأنهما ارتكبا هذه الأفعال بقصد «المزاح» وتصويرها لنشرها على صفحاتهما الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالهما.
الحالة الخامسة كشفها مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعى عن حادثة صادمة فى مطروح، حيث ظهر شخص وهو يعتدى على قطة حتى أدى ذلك إلى نفوقها، وبناءً على الفيديو، تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد وضبط مرتكب الواقعة، وهو طباخ يعمل بإحدى القرى السياحية، وبمواجهته، اعترف بارتكاب الجريمة، مبررا فعلته بأن القطة دخلت إلى المطبخ الذى يعمل فيه وتسببت فى إحداث تلفيات، تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضده.
في الحالة السادسة ضبط «لص المواسير» فى الدقهلية بسبب مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه وهو يتسلق مواسير الصرف الصحى لأحد العقارات لسرقة هاتف محمول ومبلغ مالى بالدقهلية، وبالفحص، تبين أن مركز شرطة المنصورة قد تلقى بلاغًا فى 30 يوليو الماضى من أحد المواطنين بشأن سرقة هاتفه ومبلغ مالى من منزله، وبناء على هذا البلاغ والفيديو، تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد وضبط مرتكب الواقعة، وهو عاطل له معلومات جنائية سابقة، وكان بحوزته المسروقات، تم اتخاذ الإجراءات القانونية فى حينه، وتولت النيابة العامة التحقيق.
كما تم ضبط معتد على شاب من ذوى الهمم بالمنوفية.
لم يتوقف الأمر عند هذا، بل تم استخدام صفحات السوشيال ميديا فى كشف حقيقة بعض الشائعات والأكاذيب ومنها نفى صحة مقطع فيديو تداولته إحدى الصفحات التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، يظهر فيه شخص يجرى مكالمة هاتفية إباحية ويدعى أنه مساعد لوزير الداخلية، ليكشف مصدر أمني أن الفيديو مفبرك وغير صحيح، ويعتمد على بيانات وصور مقتبسة من مواقع التواصل الاجتماعي. كما أوضح أنه لا يوجد أى مساعد لوزير الداخلية بهذا الاسم، وأضاف أن هذه المحاولات تأتى فى إطار «اليأس الذى أصاب الجماعة الإرهابية» بعد أن فقدت مصداقيتها، وذلك للنيل من حالة الاستقرار التى تنعم بها البلاد، مشيرًا إلى أن الشعب المصرى يدرك هذه المخططات،وأكد المصدر أنه جارٍ اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد مروجى هذه الادعاءات.
كما نفى مصدر بوزارة الداخلية صحة ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعى بشأن تعرض سيدة لمحاولة تخدير واختطاف داخل سيارة ميكروباص فى الإسكندرية باستخدام «منديل مخدر»،وأوضح المصدر أن حقيقة الواقعة بدأت عندما شعرت سيدة بالريبة تجاه سيدة أخرى تجلس بجوارها وفى يدها منديل، فاشتبهت بأنها تحمل مادة مخدرة، وقامت على الفور بالاستغاثة بالسائق، الذى أوقف السيارة واصطحبها إلى قسم الشرطة، وبمناقشة السيدة المشكو فى حقها، تبين أنها «مهتزة نفسيا» تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة فى حينه، وتولت النيابة العامة التحقيق.
مواجهة الجريمة بإيجابية
المؤكد حسب ما اتفق عليه كل الخبراء أن البلاغات المصورة بالفيديو لعبت دوراً مهما الفترة الأخيرة في ضبط الكثير من الجرائم إذ جعلت المواطن شريكًا إيجابيًا فى رصد وتوثيق الأحداث التى قد لا يتم الإبلاغ عنها بشكل تقليدي، وكما يقول اللواء دكتور على محمد أباظة مدير مباحث الإنترنت الاسبق، فإن هذا التعاون الشعبى وإرسال الفيديوهات الموثقة عبر صفحاتهم الشخصية وعمل «إشارة» لصفحة وزارة الداخلية يعزز من سرعة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. ومساعداً للأجهزة الأمنية على سرعة التدخل، وأشار إلى أن هذا التفاعل الإيجابى يحول المواقع الاجتماعية من مصدر للآثار السلبية إلى أداة فعالة فى خدمة الأمن العام، حيث يمكن اعتبار بلاغات المواطنين للجهات الشرطية بمثابة بلاغ رسمى للنيابة العامة.
أكد أن هذه النوعية من البلاغات ساهمت بشكل مباشر فى رفع كفاءة وسرعة الاستجابة الأمنية. وأوضح أن الاستجابة الأمنية موجودة بالفعل سواء عبر الطرق التقليدية أو الحديثة، حيث يتم التعامل مع جميع البلاغات بالسرعة والأهمية نفسيهما.. لكن الميزة الرئيسية للبلاغات المصورة هى أنها تحدد بدقة مكان وطبيعة الواقعة، وكذلك نوع الأسلحة المستخدمة، مما يختصر بشكل كبير جهود التحري، ويتيح للأجهزة الأمنية التركيز على سرعة ضبط المتهمين والتحقق من تفاصيل البلاغ بشكل فوري.
إجراءات المتابعة
أوضح اللواء على محمد أباظة أن إجراءات المتابعة تبدأ فورًا عند تلقى البلاغ المصور، فبمجرد قيام المواطن بـعمل «منشن « لصفحة وزارة الداخلية الرسمية، يتم رصد البلاغ وتوجيهه إلى الأقسام المختصة، وتتم هذه العملية بتوجيهات مباشرة من الوزير للفحص والتحرى والضبط. وتتكامل تلك هذه الإجراءات مع مكتب النائب العام الذى أنشأ وحدة خاصة لاستقبال ورصد كافة البلاغات المنشورة على الإنترنت، واتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها. وأشار إلى أن هذا التعاون والتكامل بين الأجهزة الأمنية والنيابة العامة يضمن سرعة عرض البلاغات على النيابات المتخصصة لاتخاذ القرارات المناسبة.
أما فيما يخص دقة وصحة الفيديوهات التى ينشرها المواطنون، فإن الأجهزة الشرطية قبل أى تحرك تتخذ إجراءات فورية للتأكد من مصداقية المحتوي، حيث يتم فحص كل فيديو للتأكد من خلوه من أى تعديلات عبر الفوتوشوب أو تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبعد التأكد من أن الفيديو «سليم وحقيقي»، يتم فحص الواقعة وتحديد كافة تفاصيلها بدقة، ومن ثم التعامل معها بتحرياتها بشكل جاد، حيث تولى الأجهزة الأمنية اهتمامًا خاصًا بالوقائع غير الصحيحة أو المفبركة، وتجرى التحريات اللازمة للتأكد من وجود الواقعة من عدمها، والتمييز بين الجرائم الحقيقية والبلاغات الكاذبة أو المشبوهة.
ناشد اللواء على أباظه المواطنين بالتعامل بإيجابية تامة مع الأحداث التى يرصدونها على المواقع المختلفة، وفى حال عدم القدرة على التصدى لواقعة معينة نظرًا لخطورة المجرم أو الخوف على الحياة، فإن «أقل ما يمكن فعله هو المشاركة وتصوير الواقعة، وأضاف: «أرسلوا هذه الفيديوهات إلى الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية، وستتولى اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أبنائكم وبناتكم والآخرين». وتابع: «اليوم أنت لست الضحية، ولكن غدًا قد تكون أنت الضحية»، فتصوير الواقعة يحقق نوعًا من الردع للمجرمين، ويدفعهم للهرب خوفًا من الأجهزة الأمنية، مما يجعل هذا التصرف أفضل بكثير من التصدى للمجرم وتعريض النفس للخطر، خاصة مع قدرة الشباب الكبيرة على استخدام التكنولوجيا بشكل صحيح، وتعاملهم معها بعفوية وذكاء، فتلك المهارات فى التصوير بالفيديو تمكنهم من تحديد الأشخاص، ووجوههم، والمكان، ونوع السلاح المستخدم، مما يمثل مساعدة ثمينة للأجهزة الأمنية، فالمواطن ليس بحاجة إلى دورات تدريبية أمنية متخصصة، ولكن المطلوب هو التشجيع على التعامل بإيجابية فى استخدام هذه الأدوات، خاصة أن غالبية شوارع مصر والمحلات التجارية مزودة بكاميرات مراقبة، وهو ما يعزز من قدرة الأمن على رصد وتوثيق الوقائع بشكل دقيق.
سرية بيانات المبلغين
أكد اللواء على أباظة أن وزارة الداخلية تضمن سرية هوية المواطنين الذين يرسلون البلاغات المصورة، لضمان سلامتهم وتشجيعهم على التعاون، ولا يتم الإفصاح عن اسم مرسل الفيديو سواء على الصفحة الرسمية للوزارة أو عند التواصل المباشر معه، حيث تهدف هذه الإجراءات إلى إزالة أى مخاوف لدى المواطنين من الإبلاغ، وتوفير بيئة آمنة تضمن لهم عدم التعرض للخطر، ويتم التعامل مع هذه البلاغات بصورة قانونية كاملة، مما يعزز قدرة الأجهزة الأمنية على الاستجابة السريعة والتعامل الفورى مع الوقائع، فالأمن ليس مجرد إجراءات، بل هو شعور يتحقق عندما يشعر الفرد بالأمان فى منزله، وسلامة أسرته، ومن منطلق تحقيق هذا الشعور كانت وزارة الداخلية من أوائل المؤسسات الحكومية التى توسعت فى استخدام التكنولوجيا بكافة تقنياتها الحديثة، أنشأت منذ عام ونصف مركز العمليات الأمنية «العقول الاصطناعية – 3C» الذى يستخدم أحدث التقنيات لرصد وتتبع الوقائع والعناصر الإجرامية وتحليلها، والتعرف على الوجوه معتمدا على الذكاء الاصطناعى لتحديد هوية المتهمين، فضلاً عن أن وزير الداخلية يولى اهتمامًا خاصًا بتدريب الكوادر الشرطية، وإرسال الضباط إلى بعثات خارجية لتوسيع خبراتهم وتحقيق نتائج متقدمة فى مجال مكافحة الجريمة، حيث أصبحت التكنولوجيا قاسمًا مشتركًا وأحدثت طفرة فى العمل الأمني، حيث لم يعد الاعتماد على «المخبر» التقليدي، بل على التقنيات التكنولوجية الجديدة المستمرة.
ضبط صناع المحتوى الهابط
أشار اللواء محمود الرشيدى مساعد وزير الداخلية لأمن المعلومات سابقا إلى أننا نعيش اليوم فى عالم رقمى جديد، يتسم بانتشار واسع للتقنيات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تضج المنصات بالتطبيقات التكنولوجية، وتتيح للمستخدمين صناعة محتوى قصيراً يمكن أن يحقق مشاهدات عالية وأرباحًا مالية كبيرة.
والأجهزة الأمنية كثفت جهودها فى مواجهة المحتويات المخلة بالآداب العامة، التى تنشرها فئة قليلة من صناع المحتوى وتحرض على الفسق والفجور، وأكد أن هذه الجهود لم تكن لتنجح دون وعى مجتمعى متزايد، حيث رفض المواطنون هذه الانحرافات والاستخدام غير المشروع للتكنولوجيا، مما أدى إلى زيادة كبيرة فى عدد البلاغات المقدمة من الجمهور، وساهمت هذه البلاغات بشكل مباشر فى تمكين الأجهزة الأمنية من ضبط المخالفين، مؤكدًا على وجود ثقة متبادلة وتكامل بين المجتمع ووزارة الداخلية، وأضاف أن سرعة استجابة الوزارة وفحصها للبلاغات، ثم الإعلان عن ضبط المخالفين، يحقق ردعًا شاملاً ويطمئن المواطنين على جدية التعامل مع هذه الظواهر.
أشار اللواء محمود الرشيدى إلى أن أجهزة الأمن حققت تقدمًا كبيرًا فى استخدام التقنيات الحديثة، مؤكدا ان رفع المواطن للفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعى ليس مجرد بلاغ عادي، بل هو مؤشر إيجابى على مدى تطور هذه الأجهزة، فالهدف الخبيث لبعض صناع المحتوى فى تحقيق الربح السريع، هو ما دفع بعض الشباب والفتيات لإنتاج محتوى مخالف، ولكن تم رصده بدقة، حيث نجحت الأجهزة الأمنية فى ضبط العديد من «التيكتوكرز» بعد أن كشفت التحريات أن ما يسمى بـ «الدعم» الذى يتلقونه وهو فى حقيقته وسيلة لغسيل الأموال غير المشروعة الناتجة عن تجارة المخدرات والسلاح والدعارة وغيرها، ومع الأسف، استغل مسئولون عن هذه التطبيقات بعض شباب وصناع المحتوى لتحقيق نسب مشاهدة عالية، مقابل الحصول على «دعم» وهمي، هذا الدعم الذى يتم تحويله إلى أموال، ويسهل على أصحاب الأموال غير المشروعة غسيل أموالهم فيه، حيث يحصل صانع المحتوى على جزء من الأرباح بينما يحصل صاحب الأموال على الجزء الأكبر.
لا تشارك المحتوى المضلل
أوضح اللواء محمود الرشيدى أن خط الدفاع الأول فى مواجهة الجرائم الإلكترونية، التى تنتشر عبر الإنترنت وتؤثر على المستويين الشخصى والوطني، هو التوعية بالتكنولوجيا وكيفية استخدامها بطريقة آمنة وقانونية، فهذه المواقع غالبًا ما تخضع لسيطرة جهات معادية وجماعات مضللة تنشر الكذب وتستخدمها لخدمة أجندتها، وعليه فالتحصين الأمنى الرقمى يستوجب فهما عميقًا لكيفية عمل هذه التطبيقات، فيجب أن يحذر المواطن من أن يتحول من مجرد مستخدم إلى شريك فى نشر الشائعات أو المحتوى المضلل بمجرد قيامه بالمشاركة.
وشدد على أن التربية الأسرية هى خط الدفاع الأهم فى هذه المعركة، فالأسر تعيش الآن فى عالم افتراضى حيث ينعزل كل فرد بهاتفه المحمول الذى أصبح المصدر الرئيسى للمعلومات بالنسبة للشباب، وهو ما قد يؤدى إلى تسليم عقولهم لمن يحاولون إفسادهم، ودعا الأسر إلى استعادة دورها الرقابى المهم، والتأكد من أن الأبناء يتلقون المعلومات من مصادر موثوقة، وليس من هواتفهم فقط.
هيئة لحماية الفضاء الإلكترونى
ولا يعد تصوير الفيديوهات فى الأماكن العامة، مثل الشارع أو الحدائق انتهاكا للخصوصية، مما يمنح الأجهزة الأمنية فرصة للتحرك، كما يمكن لوزارة الداخلية من خلال التحليل التكنولوجى المتقدم كشف صحة هذه الفيديوهات وتمييزها عن المحتوى المفبرك أو المعدل بالفوتوشوب، وأضاف أنه بعد التأكد من صحة الفيديو، يتم عرضه على النيابة المختصة التى تصدر إذنا بضبط المتهمين بعد تحديد بياناتهم من شركات المحمول، وفى المقابل إذا ثبت أن الفيديو مفبرك، يتم ضبط ومساءلة من قام بنشره وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018.
كما طالب اللواء محمود الرشيدى بضرورة إعادة النظر فى العقوبات الواردة فى هذا القانون، معتبرًا أن العقوبات الحالية قد لا تكون رادعة بما يكفى لمواجهة الأضرار الكارثية التى تسببها الجرائم التكنولوجية على المجتمع، وحذر من أن مصر مستهدفة من أعداء بالخارج يسعون إلى «احتلال العقول» ونشر الأفكار والثقافات الفاسدة عبر تقنيات مثل الجيلين الرابع والخامس، مؤكدا أن هذه الهجمات الحديثة قد تهدف إلى خلق حالة من الاحتقان وزعزعة الثقة بين المواطنين وأجهزتهم التنفيذية، مما يؤدي- لا قدر الله- إلى انهيار الدولة من الداخل.
ودعا إلى إنشاء هيئة لحماية الفضاء الإلكترونى المصري، لمواجهة هذه الهجمات والفيروسات الإلكترونية، فالأمر يفرض نفسه لحماية كيانات الدولة من حدوث أية أزمات مجتمعية.
شراكة شعبية تسرع العدالة
أوضح اللواء أحمد طاهر، المدير السابق لإدارة المكافحة الدولية لجرائم الآداب والاتجار بالبشر والمحامى المتخصص فى الجرائم الإلكترونية، أن ظاهرة تصوير ونشر مقاطع الفيديو للجرائم التى تحدث فى الشارع المصري، أصبحت أداة فعالة تسرع من عمل الأجهزة الأمنية، وأكد أن هذه الكاميرات الشعبية تساهم فى سرعة ضبط الجناة، مما يعزز ثقة المواطنين فى استجابة الأمن الفورية وتحقيق العدالة الناجزة، خاصةً وأن الأدلة المصورة بالصوت والصورة لا تقبل الشك أو التكذيب، وأضاف أن هذا النشاط الرقابى الجديد عزز من الوعى والشعور بالمسئولية لدى المواطنين، وأصبح بمثابة رادع قوى لكل من يفكر فى ارتكاب جريمة، لأنه يعلم أن كاميرات المواطنين قد توثق فعلته وتكون سببًا فى عقابه، وتعكس تلك المشاركة المجتمعية حرص المواطنين على المصلحة العامة، وتجسد مقولة «الأمن مسئولية الجميع»، حيث أصبح دور المواطن لا يقل أهمية عن دور الشرطة والنيابة العامة فى تحقيق العدالة، وهو ما تؤكده البيانات الرسمية الصادرة بعد عمليات الضبط.
أمانة توثيق الجريمة
أوضح المستشار أشرف فرحات، المحامى بالنقض، أن العلاقة بين المواطن والأجهزة الأمنية فى حالات الإبلاغ المصور يحكمها مبدأ الثقة والمسئولية، حيث يمكن للمواطن إرسال البلاغ عبر الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية أو الأرقام المخصصة لمباحث الإنترنت، وأكد فرحات أن المواطن يتحمل أمانة توثيق الجريمة وتوصيلها، مما يجعله شريكًا إيجابيًا وفعالا فى حفظ الأمن، مشددا على أن الوزارة تتولى مسئولية التحقق من صحة البلاغ عبر وحدات الرصد والمتابعة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وفى المقابل، حذر المستشار من الجانب السلبى لهذه الظاهرة، وهو استغلال البعض لها فى إرهاق الأجهزة الأمنية ببلاغات كاذبة أو مقاطع فيديو قديمة، وأوضح أن هذا السلوك يضيع وقت وجهد الأمن فى تحريات غير مجدية، مؤكدًا أن القانون سيتخذ الإجراءات اللازمة ضد من يقوم بنشر هذه المقاطع المزيفة، ودعا المواطن إلى التأكد من صحة الفيديو الذى ينشره، ويفضل أن يكون قد وثق الواقعة بنفسه، وأشار إلى أن المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية تلزم المواطن بالإبلاغ عن أى جريمة يعلم بوقوعها، ويجب أن يعلم المواطن إن دوره يقتصر على الإبلاغ دون إصدار أحكام، فمسئولية التحقق والعقاب تقع على عاتق الأجهزة الأمنية وحدها، وأوضح أن هذا التحول جعل المواطن من شخص سلبى إلى شريك إيجابى فى عملية حفظ الأمن، وأصبح دوره لا يقل أهمية فى كشف الجرائم ومساعدة الأمن.
لقطات المواطنين كافية
أوضح المصور المحترف أحمد يحيى أن المقاطع المصورة من المواطنين، رغم أن جودة بعضها قد تكون متواضعة، إلا أنها تعد مادة كافية ومقبولة لدى الأجهزة الأمنية، وأشار إلى أن التقنيات الحديثة تتيح للأجهزة الأمنية «فلترة» هذه المقاطع، لتوضيح وجوه الجناة وأى معالم أخرى تساعد فى تحديد هويتهم والوصول إليهم، مؤكدا أن سرعة التصوير التى قد تظهر فى بعض المقاطع هى أمر طبيعي، وينبع من خوف المواطنين من التعرض للخطر، وهو ما يراه تصرفًا مطلوبًا فى مثل هذه المواقف.
شهامة عصرية
أكدت الدكتورة أمل سلاطين استشارى الصحة النفسية، أن ظاهرة تصوير الجرائم والمخالفات هى تطور طبيعى لـ»الشهامة والإيجابية المتأصلة فى الشعب المصري»، حيث حولت هذه الظاهرة الشهامة التقليدية من التدخل الجسدى إلى توثيق ورصد المجرمين، ثم نقل الأدلة المصورة للأجهزة الأمنية، وجاء هذا التحول نتيجة خوف المواطنين من التعرض للأذى من قبل مجرمين فقد يكونون تحت تأثير المخدرات، مما يجعلهم يتصرفون بلا وعي، وشددت على أن هذا السلوك صحى ومطلوب ويجب تشجيعه، لأنه يساهم فى تحقيق الأمن دون تعريض المواطن للخطر.









