بعد أيام، سيقام «اليوم المصرى للموسيقي» كما اعلن وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو فى منتصف الشهر الماضي، وقال ان الاحتفال يأتى إحياء لذكرى سيد درويش ويضاف إلى أجندة الثقافة والفن المصرى «فى إطار حرص الدولة على تعزيز مكانة الموسيقى المصرية باعتبارها أحد أهم روافد الهوية الوطنية، وركيزة أساسية من ركائز القوة الناعمة لمصر.
أمر عظيم ان نحتفى بالموسيقى المصرية التى تعتبر أحد أهم وأعظم الفنون التى قدمها مبدعون كبار كان لهم تأثيرهم الكبير والساحر على مصر والعالم العربي، وحتى العالم الخارجي، بداية من «السيد درويش البحر» أو سيد درويش إلى سلامة حجازى وزكريا أحمد ومحمد القصبجى ورياض السنباطى وعبدالوهاب والموجى وكمال الطويل وبليغ حمدى وكثيرين غيرهم، ولكن، أى نوع من الاحتفال يستحقه هذا الفن الكبير والعريق الآن؟ وأى سيناريو لبداية احتفال مصر بعيد الموسيقى أو «اليوم المصرى للموسيقي» ؟وهل يتضمن هذا الاحتفال رصد نوعيات الموسيقى العربية والمصرية والشعبية، وأهم ما قدم من خلالها؟
وهل يتضمن الاحتفاء بالموسيقى المصرية أيضًا تأثيرها الهائل فى التعبير عن المواقف الاهم فى الحياة، سواء حياة الوطن والاعمال التى عبرت عن لحظات النضال والتضامن والاتحاد مثلما قدم سيد درويش نشيده مقتبسًا كلمات الزعيم مصطفى كامل فى ثورة 1919 لتصبح بعدها النشيد الوطنى لمصر «بلادى بلادي.. لكِ حبى وفؤادي»، ومثلما قام عبدالوهاب وهو فى بيروت بتلحين كلمات تعبر عن حرب أكتوبر بعد بدايتها «طول ما أملى معايا وف إيديا سلاح، حتفضل أغنى وأقول حي، حى على الكفاح»، ومثلما غنى محمد فوزى «بلدى أحببتك يا بلدي» فى مناسبة وطنية أخري، فهل سيذهب بنا اليوم المصرى للموسيقى إلى هذه المناسبات، وإلى كيفية تأثير الموسيقى على المصريين، ولدينا نموذج مهم حدث منذ ايام ويحدث فى نهاية مهرجان القلعة للموسيقى منذ سنوات، حين ينهى نجم الحفل حفله مع الفرقة الموسيقية بمقاطع من بعض الأغانى الوطنية مثل «خلى السلاح صاحي»، و»رايحين، جايين شايلين فى ايدنا سلاح» وغيرها وتفاعل جمهور المهرجان الكبير معها وقوفًا بأسلوب يؤكد تمامًا محبته الكبيرة لهذه الموسيقى وما تضيفه كلماتها من معان حول الوطن وكيف يؤثر كلاهما، أى الكلمات ولحنها، على قلب وعقل المواطن فيدفعاه إلى هذا التفاعل الكبير.
زورونى كل سنة مرة
بدأ سيد درويش حياته مع الموسيقى بغناء الحان الشيخ سلامة حجازى فى الإسكندرية بعدما تخرج فى المعهد الديني، وبدأ يغنى فى الحفلات، ولكنه اضطر للبحث عن عمل آخر لإعالة أسرته، وكان صوته رسوله لتلقى دعوة للسفر للشام مع فرقة الأخوين عطالله وهناك غنى وتعلم الكثير على مدى اربع سنوات «1908 – 1912» وبعدها عاد لمصر، وذهب للقاهرة ليقدم ألحانه، وصوته أيضًا للفرق المسرحية واهمها وقتها كانت فرقة الريحاني، وجورج أبيض، والكسار، ومع بديع خيرى كون ثنائياً فنياً، وحين قامت ثورة 1919 غنى لها «قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك»، وأغنيات أخرى قدم خلالها كل أنواع القوالب الموسيقية والغنائية والطقاطيق لكل الفرق التى عمل معها، والكثير منها تحول إلى أعمال أيقونية استمرت من جيل لجيل وحتى الآن مثل اغنيات «زورونى كل سنة مرة» و«اهو ده اللى صار»، خمسة عشر عامًا من التفوق الموسيقى والغنائى انتهت برحيله «15 سبتمبر عام 1923» ليترك لنا هذا الرصيد العظيم الذى ما زلنا نتغنى به ويسعدنا، وبالطبع فإن ما أضافه مبدعونا الآخرون بعده الكثير جدًا بكل ما قدموه من أنغام والحان كنا نسمعها فى المناسبات، وفقًا لفكرة الدولة ووزارة الثقافة عن أهمية الموسيقى والغناء للمواطنين، وحقوقهم الثقافية، وهو ما تحقق فى بعض الأوقات من خلال منظومة وضعهابعض وزراء الثقافة، ولكن ليس كلهم ولكن لا يمكننا نسيان المهرجان السنوى للموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية، والذى يقام حتى الآن ويسعى إلى تقديم أفضل الأصوات المصرية والعربية، والأمر كذلك فى الإذاعة والتليفزيون، وان كانت مساحات الغناء والموسيقى أفضل فى الإذاعة بالطبع، بينما لا نتذكر للتليفزيون إلا برنامج «الموسيقى العربية» الذى كانت تقدمه الدكتورة رتيبة الحفنى مساء الخميس على القناة الأولى وينتظره الملايين لسماع الروائع الموسيقية وشرحها.
وبالطبع فإن حفلات «أضواء المدينة» و»ليالى التليفزيون» التى استمرت لسنوات طويلة منذ السبعينيات ولمدة طويلة كانت جزءاً مهمًا من توثيق علاقة المصريين بالموسيقى والغناء، ليصل بنا الأمر الآن إلى نوع من الصمت الكبير عن الاستماع الى الموسيقى والغناء العربي، وعرضها على الشاشات الصغيرة التى تصلها بملايين البشر الذين لا يستطيعون الذهاب للحفل، ولا يقدر أى مسرح على استيعابهم أيضًا، فماذا سيفعل القائمون على اليوم المصرى للموسيقي؟
لقد كلف الوزير «المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية «برئاسة المخرج عادل حسان بأعداد وتنفيذ برنامج متكامل لهذا الاحتفال، والمركز يتبع شؤون الإنتاج الثقافى بالوزارة الذى يرأسه المخرج خالد جلال، والبرنامج الذى سنراه فى الاحتفال يوم 9سبتمبر القادم، أى بعد أيام قليلة، سيكون بالتعاون مع قطاعات وهيئات الوزارة، فهل تستطيع هذه الأجهزة تقديم احتفالية موازية لهذا التاريخ الإبداعى الكبير للموسيقى المصرية؟ وهل من الممكن ان يتحول «اليوم المصرى للموسيقى «إلى مناسبة سعيدة، ومتاحة لكل المصريين فى المحافظات والقرى عبر شاشاتهم التليفزيونية؟ وهل تحتاج الوزارة والمركز إلى خطة قادمة لتفعيل الاهتمام بالموسيقى المصرية طوال العام؟









