الإنسانية ليست مجرد كلمة نتداولها فى أحاديثنا اليومية، بل هى جوهر الأخلاق، وروح التعامل بين البشر.. هى ذلك الشعور العميق بالمسئولية تجاه الآخرين، دون النظر إلى المصلحة.. فالإنسانية الحقيقية تَكمُن فى أن نمنح، ونساعد، ونُعطى دون أن ننتظر شيئاً فى المقابل.
حينما يُقدم الإنسان على فعل الخير فقط لأنه يشعر بواجبه نحو الآخر، يكون قد بلغ أسمى درجات الإنسانية.. أن تُطعم جائعاً، أو تُربت على كتف يتيم، أو تُنقذ حياة مريض، دون أن تنتظر شكراً أو امتناناً، هو تصرف نابع من قلب نقى وعقل واع.. فى عالم أصبح فيه الماديات تسيطر على الكثير من العلاقات، تظل الإنسانية هى النور الذى يضيء الطريق للقلوب الرحيمة.. العطاء لا يُقاس بحجمه، بل بصدقه.. قد تكون كلمة طيبة، أو ابتسامة صادقة، أو موقفاً بسيطاً فى وقت صعب، هى ما تصنع الفرق.. ولأننا جميعاً معرضون للضعف والاحتياج، فإن ما نزرعه من خير، يعود إلينا ولو بعد حين.. لكن الفكرة ليست فى الانتظار، بل فى اليقين بأن الخير لا يضيع، وأن الرحمة لا تُشتري، بل تُمنح.. فى النهاية، لنجعل من إنسانيتنا رسالة حب وسلام، نعبر بها فوق الحواجز، ونجعل من العطاء أسلوب حياة، لا ننتظر منه جزاءاً ولا شُكوراً، فقط لأننا بشر.. الإنسانية ليست شعوراً لحظياً، ولا موقفاً يُفرض من ظروف طارئة، بل هى أسلوب حياة ينبع من الداخل، من القلب الذى يرى معاناة غيره كأنها معاناته، ومن الضمير الذى لا يعرف الأنانية ولا ينتظر المقابل.. الإنسان الحقيقى هو من يعطى لأنه يشعر، يساعد لأنه يهتم، ويقف بجانب الآخرين دون أن يضع فى اعتباره مصلحة أو مقابل.. كم من مرة رأينا شخصاً يمد يده لمساعدة غريب، أو يقف بجانب مريض لا يعرفه، أو يواسى من يبكى دون أن يسأل عن اسمه؟.. الإنسانية تعنى أن ترى الإنسان قبل أن ترى صفاته أو خلفياته.. تعنى أن تضع نفسك مكان غيرك، أن تشعر بألمه، وأن تكون سبباً فى راحته حتى لو لم يطلب. الأجمل فى العطاء الإنسانى أنه لا يحتاج مالاً كثيراً، ولا وقتاً طويلاً، بل يحتاج قلباً نابضاً بالرحمة، ونية صادقة فى فعل الخير لا تفعل الخير بانتظار كلمة شكر، ولا تتوقع أن يعود إليك الجميل، فقط افعله لأنك إنسان، ولأن العطاء لا ينقص، بل يزيد.. فى مجتمعنا اليوم، نحن فى أمس الحاجة لإحياء هذه القيم.. لا نحتاج لأبطال خارقين، بل نحتاج لأشخاص عاديين يحملون قلوباً استثنائية.. أشخاص يساعدون من حولهم، ينشرون الطمأنينة، ويجعلون من وجودهم سبباً فى سعادة الآخرين الإنسانية هى أن تمسح دمعة، أن تصبر على مُسن، أن تعلم جاهلاً، أن تُطعم فقيراً، أن تحترم من يختلف معك. كل هذه الأمور لا تكلف شيئاً، لكنها تصنع فرقاً هائلاً فى نفوس الناس.. وفى النهاية، تذ كر أن أجمل ما فى الحياة ليس ما نملكه، بل ما نعطيه.. فلتكن إنسانيتك مرآة تعكس أجمل ما فيك، ولتجعل من العطاء رسالتك فى الحياة الإنسانية لا تُشترى ولا تُعلَّم فى الكتب، لكنها تظهر فى المواقف.. تظهر عندما يختار الإنسان أن يكون نوراً فى ظلام أحدهم، أن يرب ت على كتف حزين، أن يسمع من لا يجد من يسمعه، أن يقف بجانب من سقط حتى يقف من جديد.. العطاء لا يجب أن يكون مادياً دائماً، فالكلمة الطيبة عطاء، والابتسامة فى وجه الناس عطاء، والنية الصافية تجاه الآخرين عطاء.
كثير من الناس ينتظرون كلمة تُحييهم من الداخل، أو لفتة تشعرهم أنهم غير منسيين.. فهل ننتظر مقابلاً إذا كنا نحن القادرين على منح هذه السعادة البسيطة؟.. المجتمع الإنسانى لا يُبنى بالأنانية، بل بالتكافل.. كل شخص فينا يستطيع أن يقدم شيئاً حتى وإن كان بسيطاً.. لا يوجد أحد عاجز عن العطاء، طالما لديه قلب ينبض.. والجميل فى العطاء الإنسانى أنه يعود لصاحبه يوماً، ليس بالضرورة من نفس الشخص، لكن الخير دائماً يدور ويعود.. الإنسانية الحقيقية تُقاس بما نقدمه حين لا يكون هناك من يرانا، حين لا تنتظر مدحاً ولا شهرة ولا مقابلاً.. حين تفعل الشيء لأنك فقط لا تستطيع أن تتجاهل ألم غيرك.. لأنك إنسان تظل الإنسانية هى الأثر الحقيقى الذى يتركه الإنسان فى هذا العالم. لسنا باقين بأجسادنا، لكننا نخلد فى الذاكرة بما فعلناه من خير، بما منَحناه من حب، بما قدمناه من دعم دون مقابل.. الحياة قصيرة، والمناصب تزول، والماديات تفني، لكن القلوب لا تنسى من وقف معها فى أصعب لحظاتها، من أعطاها دون أن يطلب، من كان إنساناً حين قلت الإنسانية.
الإنسان الذى يعطى دون انتظار، هو إنسان تجاوز حدود المصلحة الشخصية، وارتقى إلى مرتبة عالية من الصفاء الداخلي.. أن تكون إنسانياً لا يعنى أن تكون مثالياً، بل يعنى أن تملك شجاعة الوقوف بجانب المحتاج، أن ترى معاناة غيرك وكأنها معاناتك، أن تفرح لسعادة الآخرين وكأنها لك.. فلنُعطِ لأنفسنا قبل أن نُعطى لغيرنا، لأن الإنسان لا يكتمل إنسانياً إلا حين يُدرك أن قيمة الحياة الحقيقية ليست فى الأخذ، بل فى العطاء.. وفى عالم يزداد قسوة كل يوم، كن أنت مصدر الرحمة، كن الوجه المُبتسم، والكلمة الطيبة، والكتف الحنون.. لا تنتظر مقابلاً، فقط امنح، واترك أثرك فى صمت، لأن الإنسانية لا تحتاج صوتاً عالياً، بل قلباً عميقاً.. إن الإنسانية لا ترتبط بالمقابل، بل تُمارَس كواجب أخلاقى وشعور فطرى يدفع الإنسان إلى أن يكون ظلاً بارداً فى حر الحياة القاسية، ويداً تمتد حين تتقاعس كل الأيدي، وصوتاً هادئاً حين تشتد الضوضاء العطاء بلا مقابل، لا يُقل لمن، بل يُعلى مكانتنا فى عيون الله وقلوب الناس.. وفى هذا العطاء، تكمن قوة لا يعرفها إلا من جرب لذة أن يُسعد غيره دون انتظار، لذة أن يرى البسمة ترتسم على وجه أحدهم وهو يعلم أن له فيها يداً.. فلنحيا إنسانيتنا بكل تفاصيلها، ولنكن نوراً فى دروب الآخرين، نُعطى ونسامح ونساعد، لأن فى ذلك حياة أجمل لنا ولمن حولنا.. وختاماً، اجعل شعارك فى الحياة «لن أترك محتاجاً دون مساعدة.. ولن أمر على ألم دون أن أحاول تخفيفه.. ولن أنتظر مقابلاً على شيء فعلته من أجل إنسانيتي».. بهذا فقط، نعيد للحياة معناها، ونبنى عالماً أطيب.
حفظ الله مصر.. حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم.