هل يمكن لأى سياسى بل أى مركز من مراكز الأبحاث الإستراتيجية المنتشرة فى الغرب أن تتوقع شكل خريطة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة؟
طبعا الإجابة صعبة جداً بسبب التغير الدرامتيكى المتسارع الذى حدث فى السنوات والشهور الماضية، نعم قد يكون مخطط له، ومدبر، لكن أعتقد أن إسرائيل نفسها لم تكن تحلم بما حدث، خروج العراق ثم سوريا وجنوب لبنان من المواجهة واشتعال السودان واليمن وليبيا من جهة .
والأسئلة متسارعة مثل: هل ستتفكك دول إلى دويلات، هل ستبزغ كيانات جديدة، هل ستتوسع إسرائيل الكبرى على حساب دول مجاورة هل سيتم تهجير الشعب الفلسطينى من وطنه والبداية من غزة؟
وتمتد الأسئلة لصعيد آخر: هل ستأتى قوى عالمية مثل الصين وروسيا للمنطقة لتتصارع مع أمريكا فى النفوذ والهيمنة بكافة أشكالها، يعنى هل نشهد تغيرات جيوسياسية وتحولات فى ميزان القوى وتزايد النفوذ الإقليمي، هل ستتغير الأولويات من الصراعات إلى التنمية الاقتصادية.
يعنى باختصار هل ستتحول منطقتنا إلى مسرح صراع متعدد بين دوله، وبين الصين وروسيا وأمريكا ويمكن أوروبا «العجوز»!!.. يعنى هل ستشهد المنطقة تعدداً للأقطاب وتراجعاً للهيمنة الأمريكية أو قل الغربية فى مقابل صعود قوى عالمية أخرى مثل الصين وروسيا، التى ستعمل على توسيع نفوذها من خلال مبادرات اقتصادية وعسكرية، هل سنشهد ديناميكية للتحالفات الاقتصادية والأمنية.. وهل تتحول النزاعات الدائرة الآن فى سوريا، واليمن، والعراق والسودان وليبيا واليمن بعد إنهاكها وتفتيت بعضها، من صراعات كبرى إلى نزاعات محصورة ومحلية بعد تحقق الهدف الصهيوأمريكي؟
> كل الأسئلة السابقة مقدمة لهذا السؤال الجوهرى ماذا عن القوى الإقليمية أو الفاعلة على كافة المستويات العسكرية والسياسية والمالية والنفطية فى المنطقة؟
أقصد مصر وتركيا وإيران والسعودية والإمارات.
أعتقد أنه لا رفاهية أمام هذه القوى سوى التجمع والتحالف بشكل أو بآخر لمواجهة الحلم الإسرائيلى بالهيمنة على المنطقة وقيادتها لمصلحتها طبعا!!
وأعتقد أن التحالف الاقتصادى يمكن أن يكون له تأثير كبير إلى جانب أنواع القوى الأخرى طبعا، والمناورات طبعا مع القوى الصاعدة والحاضرة والآتية بقوة للمنطقة، أقصد الصين وروسيا.. طبعا المواجهة لن تكون سهلة والدليل التحركات الامريكية ضد «البريكس».. أما مستقبل الشرق الأوسط وفقًا لمراكز الأبحاث العالمية لن يتمثل فقط فى إعادة رسم الحدود فى بعض المناطق وإشعال الصراع فيها، بل فى إعادة تشكيل ميزان القوى فى المنطقة بوسائل متعددة!!
واذا كانت إسرائيل قد نجحت فى تنفيذ المرحلة الأولى من مخططها فى تدمير غزة وإشعال سوريا وتقليم أظافر المقاومة فى لبنان فإن اسرائيل أيضا على صفيح ساخن، فالانقسامات الداخلية لا تقل خطورة عن التهديدات الخارجية وقد تؤثر بشكل عميق على مستقبلها، وإضعاف تماسكها، وإذا تم استغلال هذه التحديات فقد ينتهى المطاف إلى تفككها الكامل، لأن أسباب الانقسام فى المجتمع الإسرائيلى متعددة وخطيرة لأنها تتعلق ببنية مهاجرين متباينة تؤدى دائما لانقسامات متعددة، على سبيل المثال:
> الانقسام الديني- العلمانى بسبب تصاعد التوتر بين اليهود المتدينين المتزمتين (الحريديم) الذين يطالبون بنفوذ سياسى أكبر وإعفاءات من الخدمة العسكرية، وبين اليهود العلمانيين الذين يرفضون هذه المطالب ويعتبرونها تهديدًا لطابع الدولة ومؤسساتها، يعنى صراعاً حول هوية الكيان – هل هى علمانية ديمقراطية أم دينية، والنتيجة توترات مستمرة.
> الانقسام السياسى الذى شهدته فى عدم الاستقرار السياسى فى السنوات الأخيرة، فى صورة حكومات ائتلافية ضعيفة واحتجاجات واسعة النطاق ضد السياسات الحكومية، خاصة خطط الإصلاح القضائي.
> وأخيرا الانقسام الاجتماعي- الاقتصادى الذى خلف فجوة متزايدة بين الفئات السكانية المختلفة، سواء على أساس عرقى (يهود الشرق مقابل يهود الغرب) أو طبقي، والنتيجة توترات اجتماعية.
السؤال الصعب
> لكن هل ستؤثر هذه الانقسامات على مستقبل إسرائيل؟
تؤكد العديد من الدراسات أن هذه الانقسامات قد تؤدى إلى نتائج سلبية، مثل ضعف ثقة المجتمع فى المؤسسات خاصة الجيش والقضاء وتآكل الهوية مما يجعلها أكثر عرضة للانهيار والهجرة العكسية التى ظهرت منذ اشتعال الحرب فى غزة بالهجرة لخارج اسرائيل، مما يؤثر على التركيبة الديموغرافية للدولة.
نعم الانقسام الداخلى فى إسرائيل من أخطر التهديدات التى تواجهها على المدى الطويل، ولكن لا يتوقع أن يؤدى إلى تفككها الكامل على الأقل فى المدى القريب، إلا إذا تدخلت ظروف وعوامل أخري!!
وإذا كانت إسرائيل تشعر بتقدم فى حربها مع غزة، فاليقين لديها إنها لم تنتصر، لذلك أعتقد أنها ستركز جهودها على إدارة الصراعات بدلاً من حلها، مع الاعتماد على القوة العسكرية والتحالفات الإقليمية فى محيط يزداد تعقيدًا.. ولكن ستظل القضية الفلسطينية هى القضية الأساسية فى الصراع، وعدم وجود حل سياسى للقضية من وجهة نظر المعتدلين سيؤدى باستمرار إلى مزيد من العنف والتوتر.
> وأعود إلى السؤال الذى طرحته فى البداية: ماذا عن القوى الإقليمية أو الفاعلة على كافة المستويات العسكرية والسياسية والمالية والنفطية فى المنطقة؟.. أقصد مصر وتركيا وإيران والسعودية والإمارات
أعتقد أنه لا رفاهية أمام هذه القوى سوى التحالف بشكل أو بآخر، ليس لمواجهة الحلم الإسرائيلى بالهيمنة على المنطقة وقيادتها لمصلحتها فقط، لكن لأن الصراع انتقل الآن إلى مرحلة الصراع على الوجود والبقاء من جهة ومن جهة ثانية لن تقبل مصر وتركيا وإيران أن يكون مركز قيادة المنطقة فى تل أبيب!!