أعطى الرئيس الأمريكى ترامب، الذى يحلم بالفوز بجائزة نوبل «للسلام»، الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو ـ وفقا لتصريحات نتنياهو نفسه ـ لاحتلال مدينة غزة، والقضاء على حركة حماس الفلسطينية، وتحرير كافة المحتجزين لديها غير عابئ بما يمثله ذلك من تورط أمريكى مباشر فى حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين فى غزة بكل الأسلحة، من قتل، وتجويع، وتهجير جماعى قسري.
فى نفس الوقت يضغط ترامب على الرئيس الروسى بوتين لإنهاء الحرب فى أوكرانيا أو يهدد بمزيد من العقوبات ضد روسيا بسبب استمرارها فى توجيه ضرباتها العسكرية ضد كييف.
ويتجه الرئيس ترامب، الذى يحلم بالفوز بجائزة نوبل «للسلام»، إلى تغيير اسم وزارة الدفاع الأمريكية ليصبح وزارة «الحرب»، فى أول خطوة من نوعها منذ إنشاء الوزارة!!
أتذكر أن مصر، بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل قد فعلت العكس.. وغيرت اسم وزارة «الحربية» إلى وزارة «الدفاع».
وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بتوجيهات من ترامب الذى يحلم بالفوز بجائزة نوبل «للسلام» قراراً بمنع الرئيس الفلسطينى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية وليس قائد حركة حماس، أو نعيم قاسم الزعيم الجديد لحزب الله اللبناني، من دخول الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الدورة العادية الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التى من المفترض أن تكون دورة فلسطين لتدشين الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين، كأساس وحيد لإحلال «السلام» فى الشرق الأوسط والعالم.
ليس المنع قاصرا على الرئيس عباس، بل وكل الوفد الفلسطينى الذى كان سيرافقه.. بما يؤدى بالطبع إلى غياب تمثيل فلسطين فى الاجتماعات.
أى أن إسرائيل تقول للعالم القادم للاعتراف بالدولة الفلسطينية ـ بلسان أمريكا ترامب، أو أن أمريكا ترامب تقول لهذا العالم بلسان إسرائيل:
لن تكون هناك دولة فلسطينية أصلا!!
ويذكرنى هذا القرار، بقرار الحكومة الإسرائيلية فى وقت سابق بمنع الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات من الخروج من رام الله لحضور قمة بيروت العربية بلبنان عام 2000، والتى صدرت عنها مبادرة السلام العربية بشعار: «التطبيع الكامل مقابل السلام الشامل».
وقرار أمريكا هذا الأسبوع يقول لشعوب الشرق الأوسط، ولمن يؤيدها فى هذا العالم: عليكم التوقف عن الحلم بالسلام القائم على العدل، أو حل الدولتين.. فلن تكون هناك سوى دولة واحدة هى «إسرائيل الكبري.. من النيل إلى الفرات.
ولن يكون هناك سلام فى الشرق الأوسط ولا فى العالم، إلا السلام الذى تفرضه إسرائيل ـ بشروطها ـ التى تحقق لها فقط الأمن والازدهار، وتدفع غيرها للاستسلام أو الانتحار.
واعترف أنه، لا قرار منع الرئيس عباس من حضور اجتماعات نيويورك، ولا خريطة، إسرائيل الكبرى التى عرضها وتحدث عنها نتنياهو يدعو إلى الانزعاج أو القلق، بل يجب أن يدعونا للتفاؤل.
نرفض هذه القرارات.. نعم، وندينها.. نعم، ونعد ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل لترهيب عدو الله وعدونا.. كل هذا مطلوب.. ويحدث.
وعندما أصدرت منظمتا جامعة الدول العربية، والتعاون الإسلامى الأسبوع قبل الماضى بيانا لوزراء خارجية الدول الأعضاء بالمنظمتين وعددهم يزيد على الخمسين دولة، برفض أوهام نتنياهو حول «إسرائيل الكبري»، ووجدت أن البيان صادر بتوقيع واحد وثلاثين دولة فقط، كتبت فى هذا المكان يوم الخميس الحادى والعشرين من أغسطس أتساءل مستغربا: لماذا 31 دولة فقط؟! وأين بقية الدول الإسلامية الأعضاء أمام توقيع وزراء خارجية جميع الدول العربية عدا تونس.
والتمست العذر، فقد يكون البيان صدر فى عجالة لم تتح فرصة لبقية الدول المشاركة فى التوقيع عليه، وتبين لى أن ذلك صحيح.
فقد استدركت منظمة التعاون الإسلامى الموقف بعد ذلك مباشرة ودعت إلى اجتماع طارئ فى مقرها بجدة حضره وزراء خارجية أعضائها أو من يمثلهم، وأصدرت بيانا بتوقيع كل الحضور، يعزز ويدعم البيان العاجل الأول.
وعلى المستوى العالمي، فإن هذه القرارات تحقق ردود فعل عملية عكس ما أراد أو توقع مصدروها فى واشنطن أو تل أبيب.
خريطة إسرائيل الكبري، ومنع فلسطين من حضور اجتماعات الجمعية العامة فى نيويورك، وقرار احتلال مدينة غزة، وغيرها من القرارات أسهمت خلال الأسابيع الأخيرة في:
ـ زيادة ثقة الدول التى قررت إعلان اعترافها بالدولة الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى صحة قرارها وضرورة المضى فى هذا المسار وعدم التراجع عنه.
ـ دفعت دولا لم تفكر أو تعلن من قبل نيتها فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى اتخاذ القرار وإعلانه وآخرها.. بلجيكا.
ـ ألهمت دولاً أخرى التفكير فى حل خارج تحكم الإدارة الأمريكية فى تحديد من يحضر اجتماعات الأمم المتحدة على أرضها ومن لا يحضر، فتقدم وزير خارجية دولة «لوكسمبورج» مقر الاتحاد الأوروبى باقتراح عقد جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة حول فلسطين خارج الأراضى الأمريكية، بمقر الأمم المتحدة فى جنيف.
ـ حولت العقوبات الأحادية التى فرضتها بعض الدول الأوروبية ـ على استحياء ـ ضد إسرائيل مثل منع تصدير الأسلحة لها، أو مقاطعة منتجات مستوطناتها فى الأراضى الفلسطينية، إلى قضية عامة على جدول أعمال الاتحاد الأوروبى فى جلساته الأخيرة.
صحيح أن هناك معارضين داخل الاتحاد لفرض عقوبات جماعية باسم الاتحاد، خاصة العقوبات المؤثرة المقترحة، مثل تعليق اتفاقية الشراكة التجارية بين إسرائيل والاتحاد.. لكنها لم تؤد إلى رفع القضية من جدول أعمال الاتحاد، ولا تزايد عدد المؤيدين لها بفعل خروج الحرب الإسرائيلية فى غزة عن كل مبادئ القانون الدولى العام والخاص والإنسانى والقيم التى تنص عليها مواثيق الاتحاد الأوروبي.
بل أكثر من ذلك.. تحذير صدر من الرئيس الأمريكى ترامب نفسه هذا الأسبوع للإسرائيليين بأن عليهم إنهاء الحرب فى غزة فورا، فقد بدأوا يخسرون «عالم العلاقات العامة» حتى لو كانوا يكسبون الحرب، وأن اللوبى الصهيونى الذى كان أقوى لوبى مؤيد لإسرائيل فى العالم قبل خمسة عشر عاما لم يعد كذلك، لا فى العالم، ولا فى أمريكا، ولا داخل الكونجرس نفسه.
شهداء غزة.. يغيّرون العالم