حسنًا فعلت الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة المهندس «عبدالصادق الشوربجي» حين جمعت نخبة من كبار الكتاب ورموز الصحافة وشيوخها، ورؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية فى جلسة نقاشية موسعة تناولت مقترحات واقعية لتنفيذ رؤية الرئيس السيسى الذى يحرص على تطوير الإعلام وإصلاحه كضرورة لصناعة وعى حقيقى فى مواجهة الوعى الزائف، واستيعاب جميع الآراء وفتح المجال أمام الرأى والرأى الاخر، وبما يجسد التنوع الذى يتميز به المجتمع المصرى ويترجم توجهات الدولة والقيادة السياسية.
النقاش كان صريحًا أدلى كل واحد فيه برأيه بحرية، موضوعية لصياغة رؤية لتطوير المحتوى و الخطاب الإعلامى الذى أجمع الحاضرون على ضرورة إصلاحه عبر مسارين مهمين، أولهما تعزيز حرية الرأى وتلبية احتياجات الناس ومواكبة متطلبات العصر التكنولوجى الذى قلت إن «الجمهورية» كانت أول جريدة ترتاد آفاق التكنولوجيا بموقع إلكترونى إخبارى انطلق عام 1998.. وأكدت خلال اللقاء أيضًا أن القيادات الصحفية الحاليين معنيون برفع سقف الحرية بما لا يتجاوز حدود المسئولية، ولابد من توفير البنية التحتية والأساسية للتطوير التكنولوجى الذى تحتاج إليه المؤسسات القومية بشدة..؟!
والسؤال: هل تمتلك المؤسسات القومية مقومات التحول الرقمي، وماذا تحتاج لإنجاز هذا التحول ..هل تمتلك كوادر جاهزة لقيادة هذا التحول، والأهم : هل تستطيع ضخ دماء جديدة من الشباب وأوائل خريجى الإعلام ليكونوا بمثابة وقود حيوى لتحقيق النقلة النوعية المنشودة بما حصلوا عليه من تأهيل علمى عبر جيل فاهم واعٍ يمتلك أدوات العصر لتحقيق التميز الإلكتروني..فى ظل ما يراه البعض من تراجع للصحافة الورقية..!!
إذا نجحنا فى تعزيز حرية الرأى وتحقيق رغبات الناس، تهيأت أهم أسباب النجاح للصحافة والإعلام فى استعادة العرش المفقود فى ظل صعود السوشيال ميديا التى جعلت كل صانع محتوى صحفيًا أو إعلاميا له جمهوره ومريدوه على حساب أصحاب المهنة الحقيقيين..ثم تأتى بقية المقومات الضرورية لتمكين تلك المؤسسات من أداء دورها بتحسين الأجور وتوفير أحدث التكنولوجيات والتدريب وتواصل الأجيال وتناقل الخبرات.
جلسات النقاش فى الهيئة الوطنية للصحافة لم تقتصر على فئة دون أخرى بل حرصت على التنوع لتشمل كل الأطياف والأجيال، وما يبعث على التفاؤل أن المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيس الهيئة أكد أن الحوار سيتواصل خلال الفترة المقبلة مع الأجيال والفئات المختلفة فى الصحافة القومية، وخاصة جيل الشباب كما ستتلقى الهيئة أى مقترحات تقدم لها سواء عبر الايميل أو التواصل المباشر..!!
ما يعنى أن الباب لا يزال مفتوحا وسوف يدلى الشباب بدلوهم، فى صناعة مستقبلهم المهني.
لا حاجة للقول إن الإعلام ليس ترفًا ولا تزيينًا للصورة، بل شريك أصيل فى بناء الشخصية الوطنية وصياغة وعى المواطن وترسيخ القيم والثوابت وإبراز إنجازات الدولة.
توجيهات الرئيس بمثابة خارطة طريق واضحة: تطوير شامل يواكب المتغيرات المتسارعة، ابتعاد عن المغالاة والنقص فى الطرح، اعتماد على الكوادر الشابة المؤهلة، ترسيخ ثقافة «الرأى والرأى الآخر»، وإتاحة المعلومات والبيانات خاصة فى أوقات الأزمات، والعناية بالحالة المادية للصحفيين عبر زيادة بدل التكنولوجيا وغيره.. لكن بين وضوح الرؤية وصعوبة التنفيذ، تظل الفجوة واسعة، والمشهد الإعلامى لا يزال أسير مشكلاته القديمة، ثم
هل كل القيادات الإعلامية والوجوه القديمة قادرة على استلهام رؤية الرئيس فى تطوير الإعلام..؟!
ان ترك الرأى العام نهبًا للشائعات وحملات التضليل؟ يفتح الباب أمام الإعلام المعادى ليبنى سرديته على أنقاض الحقيقة؟ ولذلك يجب ان تحول توجيهات الرئيس إلى واقع ملموس، يلمسه الناس فى نشرات الأخبار وصفحات الصحف وشاشات الفضائيات ومقالات الرأى وبرامج التوك شو؟
لقد حذر الرئيس مرارًا من الوعى الزائف الذى يضعف الجبهة الداخلية، لكن السؤال المؤلم: كم واحدًا ممن يتصدرون الشاشات يدركون حجم مسئوليتهم التاريخية فى هذه اللحظة الفارقة؟
متى يكف الإعلام عن افتعال المعارك الوهمية ليتفرغ للقضايا الكبرى ومتى تتوفر موارد جديدة وآليات تمويل مبتكرة تعيد لأصحاب المهنة كرامتهم المادية للقيام بمهامهم الوطنية، متى تتطهر المهنة من الدخلاء، بوضع معايير حاكمة لمزاولتها، وإلزام كل من يتصدر الشاشة أو يكتب الكلمة بالعلم والخبرة والتدريب، متى تتدفق المعلومات إلى الصحفيين بلا توقف، حتى يُعاد بناء الثقة بين الجمهور والإعلام القومي.
نحتاج إلى محتوى أكثر عمقًا، قريباً من نبض الناس، ملامساً لهمومهم، ومعبراً عن طموحاتهم. نحتاج إلى إعلام يعكس قوة مصر الحقيقية، ويصدّر للعالم صورة صادقة عن إنجازاتها وقدرتها على مواجهة المتغيرات والتحديات، إعلام مقنع بالوثائق والمعلومات لا بالصوت العالى والزعيق المتعالي.
الإعلام علم وأمانة ورسالة تنوير تبنى الوعى وتوقظ الهمم وتخلق ظهيراً شعبياً مساندًا للدولة فى مراحل تحولاتها الكبري، وليس سلعة تسعى لتحقيق الربح فمتى تتم ترجمة توصيات الرئيس على أرض الواقع، بوضع جدول زمنى معلن يشمل خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، عبر الاستعانة بكل الخبرات والكفاءات المتخصصة، بما يضمن مواكبة الإعلام الوطنى للتغيرات المتسارعة التى يشهدها العالم.
الحس الإعلامى ولا أقول الوطنى شبه غائب لدى البعض من والنتيجة أن الجميع يدفعون ثمن أخطاء بعض الإعلاميين ؛ المجتمع والدولة وحتى الأفراد العاديون الذين ينالهم الأذى حين تنتهك حياتهم الخاصة.
ما أحوجنا اليوم لاستعادة المعايير الموضوعية الضابطة للأداء الإعلامي؛ معايير ترتقى بالمهنة وتحميها من الانفلات.. وتلك مطالب مشروعة يحدونا أمل عريض أن ينجح القائمون.