إذا تجسدت الإنسانية فى أسمى معانيها فى أحد من الخلق فإنما تتمثل وتتجسد فى سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فهو نبى الإنسانية ورسولها، سواء من جهة كون رسالته رحمة للعالمين، حيث يقول الحق سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، أم من جهة كونها للناس كافة، حيث يقول الحق سبحانه «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا»، ويقول نبينا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً»، أم كان ذلك من جهة ما تضمنته رسالته صلى الله عليه وسلم من جوانب الرحمة والإنسانية التى تجلت فى معاملته لأزواجه وأولاده وأحفاده ورحمته بالناس أجمعين، فكان- صلى الله عليه وسلم- خير الناس لأهله، وهو القائل: «خيرُكُم خيرُكم لِأهْلِهِ وَأَنَا خيرُكم لِأَهْلِي»، وكان- صلى الله عليه وسلم- يذكر السيدة خديجة رضى الله عنها بكل خير ممتنا لها، يقول- عليه الصلاة والسلام-: «آمَنَتْ بِى إِذْ كَفَرَ بِى النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِى إِذْ كَذَّبَنِى النَّاسُ، وَوَاسَتْنِى بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِى النَّاسُ، وَرَزَقَنِى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِى أَوْلَادَ النِّسَاءِ»، وظل وفيًّا لها طوال حياته حتى بعد وفاتها، فكان يكرم صديقاتها ومن كن يأتينه على عهدها، فقد جاءت عجوز إلى بيته- صلى الله عليه وسلم- فقال لها: مَنْ أَنْتِ؟ « قَالَتْ : أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: « بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قالْت عائشة : يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ : « إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ.
وكان- صلى الله عليه وسلم- شديد الحب لأحفاده شديد الحفاوة والعناية بهم، فعن أبى بكرة رضى الله عنه قال: رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- على المنبر والحسن بن على معه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول: إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، ولما رآه الأقرع بن حابس يقبل الحسن والحسين قَالَ: إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ» وفى رواية: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ».
وكان- صلى الله عليه وسلم- يحفظ لسيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه مكانته وفاء لتضحياته وحسن صحبته، فيقول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِى صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ» وفى رواية أنه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِى إِلَيكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِى بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِى صَاحِبِي».
لقد كان- صلى الله عليه وسلم- خير الناس لأزواجه وأولاده وأحفاده وأصحابه وأمته والناس أجمعين، وكان- صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس بالناس وبخاصة الأطفال والضعفاء، يقول- عليه الصلاة والسلام-: «إِنِّى لَأَقُومُ فِى الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِى صَلاَتِى كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ»، ويقول- صلى الله عليه وسلم-: «من صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة «، ويقول- صلى اللّه عليه وسلم-: «من لا يرَحم لا يُرحم، ويقول- عليه الصلاة والسلام-: «هُم إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تحت أيْديكم، فمَن كان أخُوه تحت يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يَأكُلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كَلَّفتُموهم فأعينُوهم، ومَن لم يُلائِمْكم منهم فبِيعوهم، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ اللهِ»، ويقول- صلى الله عليه وسلم-: «هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ؟!».
فما أحوجنا إلى هذا المنهج النبوى العظيم فى واقعنا المعاصر: رحمة وبرا ووفاء وإنسانية.