كان الله فى عون كل مواطن عربي.. فقد تاه واحتار وسط ما يدور حوله من أحداث، وما يصله من أخبار، وشائعات، وأكاذيب، تأتيه من مصادر وأبواق قد تكون صادقة أحياناً، مغرضة أحيانًا أخري، وغالباً ما تكون مضللة. أصبح المواطن العربى فى حيرة من أمره، لا يستطيع التمييز بين الصدق والزيف، ولا يفقه الاتجاهات الحقيقية للسياسات الداخلية والخارجية، سواء فى وطنه أو فى سائر الدول العربية، ولم يعد أحد يفهم طبيعة العلاقات المعقدة مع القوى الكبري، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل.
فى صلب هذه الحيرة، تقف القضية الفلسطينية، التى تاهت، وتبعثرت، وتهمّشت. تراجع البعض خطوة، وتوارى البعض، وبقيت مصر وحدها صامدة، لأنها تعرف جيدا أن الجميع سيلجأ إليها حين تشتد الأزمات. هذا قدر مصر، ومصيرها، وهى جديرة به بإذن الله.
لقد أقدمت حماس على مغامرة عسكرية غير محسوبة، عندما هاجمت بعض المستوطنات يوم 7 أكتوبر. نعم، فرحنا جميعا، وهللنا، وشعرنا بنشوة غير مألوفة. ولكن فى زحمة الفرح، غفلنا عن الرد الإسرائيلى المتوقع، والمدعوم من قوى كبري. وأعلنت إسرائيل الحرب .. ولم تكن حربا متكافئة، ولا يجوز أن نطلق عليها اسم «حرب» من الأساس. فالحرب الحقيقية تكون بين جيشين، وليس بين جيش قوى كامل العتاد ومجموعة محدودة من الأفراد.. وبالطبع. لم يتحرك أحد لمساندتهم أو لنصرة غزة، لم يتم التنسيق مسبقاً مع أى من الدول العربية.. ولم يكن هناك أى تنسيق عربى مشترك لاحتواء الوضع أو دعمه، بل إن حماس نفسها لم تنسق مع القيادات الفلسطينية فى الضفة الغربية. والنتيجة؟ دمار شامل لغزة، ومجزرة بحق شعبها، وتراجعت قضية احتلال فلسطين عقودا إلى الوراء.
حماس لا تمثل كل الفلسطينيين، وهذا ما يقوله الفلسطينيون أنفسهم. ولا يجب أن يسمح لها بأن تتحدث باسم الشعب الفلسطيني، لأن العالم بأسره – بما فيه العديد من الدول العربية – كان وما زال لايتفق معها ولا يوافق على توجهاتها.. وبالقطع لايوافق على إصرارها لإبقاء المعاناة والشقاء والاستبداد الذى يعصف بأهل غزة والذين لاحول لهم ولاقوة.. أما موجات التأييد الشعبى العالمي، فهى ليست تأييدا لحماس، بل للشعب الفلسطينى الذى سلب منه وطنه وأرضه وإرادته، ومطالبة لحقه فى الحياة الآدمية والحرية والعدالة.
ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم هو التوحد خلف قيادة قادرة على إدارة الأزمة ولم الشمل الفلسطينى والذى تبعثر تحت مسميات كثيرة. قيادة تتحرك، وتقول للعالم «نحن مشن يمثل هذا الشعب». قيادة تأخذ زمام المبادرة، وتعمل بذكاء وبحكمة.









