تأتى مناورات النجم الساطع 2025 هذا العام فى لحظة استثنائية بالغة الدلالة، إذ تتقاطع مع توتر فى العلاقات المصرية – الأمريكية. ورغم أن هذه المناورات ليست جديدة على المشهد، فقد انطلقت للمرة الأولى عام 1980 عقب توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فإن انعقادها فى هذا التوقيت تحديدًا يمنحها أبعادًا سياسية وعسكرية أبعد من مجرد تدريب مشترك. فهى بمثابة اختبار جديد لميزان العلاقات بين القاهرة وواشنطن اللتين تواجهان خلافات فى الموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة، وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، ورفض القاهرة القاطع لمشاريع تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم.
لقد أكدت مصر على مدار الأشهر الماضية، ثبات مواقفها من القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الأمن القومى العربى فرفض التهجير القسري، والسعى الحثيث لانتزاع اعتراف دولى بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتحذير العالم من مخاطر النظام الإقليمى الجديد الذى تحاول إسرائيل فرضه بقوة السلاح، كلها مواقف صريحة تعكس رؤية القاهرة الواضحة لأمن المنطقة واستقرارها. هذه المواقف وضعت مصر فى مواجهة مباشرة مع الرؤية الأمريكية التى تواصل الانحياز لتل أبيب، ما ألقى بظلال ثقيلة على العلاقات الثنائية.
رغم هذا التباين، فإن مشاركة الولايات المتحدة فى «النجم الساطع» ضمن 44 دولة، يشير إلى أن واشنطن ما زالت تدرك ثقل مصر الاستراتيجي. فالقاهرة تبقى حجر زاوية فى معادلة الأمن الإقليمي، وقادرة على إدارة التوازنات الحساسة فى شرق المتوسط والعالم العربي. ومثلما أكدت القيادة المركزية الأمريكية، فإن هذه المناورات تجسد التزاما بالشراكة مع مصر، وهو اعتراف ضمنى بأن الخلافات السياسية لا تلغى حقيقة أن أمن المنطقة لا يمكن ضمانه دون دور مصرى فاعل.
اللافت هذا العام هو الزخم الدولى الواسع ومشاركة عشرات الدول ما بين قوات مقاتلة ومراقبة، وأكثر من 8 آلاف مقاتل، يعكس أن «النجم الساطع» تجاوز منذ زمن طابعه الثنائي، ليصبح منصة متعددة الأطراف لتبادل الخبرات وتعزيز القدرات المشتركة فى مواجهة التحديات الأمنية والإقليمية. كما أن مشاركة منظمات دولية مثل الصليب الأحمر وحلف الناتو تضفى على المناورات بعدًا إضافيًا، يكرس مصر كدولة محورية قادرة على الجمع بين الحلول الدبلوماسية والعسكرية فى إدارة الأزمات.
تبقى المناورة إذن رسالة مزدوجة عسكرية وسياسية. فهى من جهة، تدريب ضخم يهدف إلى تطوير القدرات الدفاعية المشتركة وتحسين التوافق العملياتى بين القوات المشاركة. ومن جهة أخري، إشارة واضحة إلى أن مكانة مصر لم تتأثر بالخلافات السياسية مع واشنطن، بل تعززت قدرتها على جذب شركاء جدد وإعادة تأكيد دورها القيادي.
فى المحصلة، يشكل «النجم الساطع 2025 اختبارا دقيقا للعلاقات المصرية – الأمريكية، ورسالة إلى العالم بأن مصر ستظل قادرة على الموازنة بين مواقفها الثابتة من القضايا المصيرية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، وبين الحفاظ على شـــراكات استراتيجـية تضمن لها موقعــها المحــورى فى معادلة الأمن الإقليمى والدولي.