
تستمر فعاليات الدورة 82 لمهرجان فينيسيا «البندقية» السينمائى الدولى بطابع سياسى مع احتجاجات على خجل ضد تعامل الحكومات الأوروبية مع ما يحدث فى غزة ومدن فلسطين الأخرى على يد الاحتلال الإسرائيلى بمشاركة آلاف المتظاهرين، وسط حراسة أمنية مشددة، وإغلاق للطرق الرئيسية المؤدية إلى مركز مهرجان.
يشهد المهرجان غد، عرض فيلم «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية ضمن المسابقة الرسمية، الفيلم يجمع بين السرد الروائى والوثائقي، ويرصد الساعات الأخيرة من حياة الطفلة الفلسطينية هند رجب ذات الخمس سنوات التى عاشت فى قطاع غزة وكانت تحاول الهرب مع عائلتها من هجوم إسرائيلي. تدور أحداث العمل عندما يتلقى متطوعو الهلال الأحمر يوم 29 يناير 2024 نداء طوارئ من طفلةمحاصرة فى سيارة تحت اطلاق النار فى غزة، وهى تطلب الإنقاذ أثناء محاولتهم إبقائها على الخط، يبذلون كل ما فى وسعهم لتوصيل سيارة إسعاف إليها، لكنها استشهدت، وقد أثارت تسجيلات صوتية استخدمت فى الفيلم للمكالمة بين هند رجب وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، قبل وفاتها، تأثيراً كبيراً حول العالم بعد بثها.
يحظى عرض الفيلم باهتمام بالغ فى المهرجان، إذ يسعى لتقديم صورة مؤثرة توثِّق المأساة التى يعانيها الأطفال فى غزة، ما يعكس الجانب الإنسانى من الصراع ويحث الضمير الجمعى الدولى على التأمل فى الواقع الصعب الذى يعيشه الفلسطينيون.
فى نفس الوقت، اختار منظمو الاحتجاجات عدم الاقتصار على غزّة وحدها، فرُغم مأساوية ودمويّة ما يجرى فى غزة، فإنّ الهجمة الإسرائيلية، برأيهم «موجّهةٌ ضد عموم الشعب الفلسطيني، وتسعى إلى وأد فكرة قيام دولة فلسطينية على مبدأ حل الدولتين. ورغم الصعوبات اللوجستية والتحرّك البطيء فى جزيرة الليدو التى تحتضن المهرجان، فقد قُدّر المنظّمون عدد المشاركين بحوالى عشرة آلاف متظاهر، وعكس ما كان قد طالب به المتظاهرون بصعود وفد منهم إلى السجادة الحمراء بالأعلام الفلسطينية، فقد منعت السلطات وصول التظاهرة إلى قصر المهرجان.
رُفِعت خلال التظاهرة لافتات تدعو إلى السلام ومقاطعة إسرائيل ووضع حد للإبادة، وسط عدد كبير من الأعلام الفلسطينية، وهتف العديد من المشاركين بشعار «فلسطين حرة»، طوال مسيرتهم فى محيط المهرجان.
قال ماركو سيوتولا مهندس برمجيات شارك فى التظاهرة: «تحظى صناعة الترفيه بتغطية واسعة، لذا عليهم اتخاذ موقف تجاه غزة»، وأضاف: «لا أعنى أن على الجميع الحديث عن الإبادة الجماعية، لكن على الأقل يجب على الجميع اتخاذ موقف، لأنها ليست قضية سياسية، بل قضية إنسانية».
لم تقتصر حملة التنديد على المتظاهرين فقط، فقد دعا المئات من صانعى الأفلام والفنانين المشاركين فى مهرجان فينيسيا إلى إدانة الإبادة الجماعية المزعومة المستمرة فى غزة، مؤكدين على دور الفن كمنصة للتوعية والتغيير.
عبَّر العديد من الفنانين عن دعمهم للفلسطينيين خلال المهرجان فى الأيام الأخيرة، حيث اختارت المخرجة المغربية مريم التوزانى أن تفتتح سلسلة مشاركاتها فى المهرجانات العالمية بفيلمها الجديد «شارع مالاجا»، بالظهور إلى جانب زوجها المخرج والمنتج نبيل عيوش على البساط الأحمر للمهرجان، وهما يرفعان معًا حقيبة ذات وجهين: الأول عبارة عن تصميم مستوحى من الكوفية الفلسطينية، والوجه الثانى كتبت عليه جملة واحدة بالإنجليزية: «أوقفوا الإبادة الجماعية فى غزة». تحولت حقيبة اليد إلى رمز نضاليعلى البساط الأحمر لمهرجان فينيسيا، وقالت التوزانى فى تصريحات صحفية: «أعتقد أنه من الضرورى أن نُسمع أصواتنا جميعاً. أريد أن يتمكن الجميع من التعبير عن آرائهم ورفع أصواتهم».
فى وقت سابق، وضع المخرج اليونانى يورجوس لانثيموس دبوساً بألوان العلم الفلسطينى خلال المؤتمر الصحفى لفيلمه الروائى الطويل «بوجونيا».
اتسم افتتاح المهرجان برسالة مفتوحة كتبتها مجموعة «فينيسيا من أجل فلسطين»، التى أسسها 10 مخرجين إيطاليين مستقلين، تدين الحرب فى قطاع غزة، وأكَّد فابيوماسيمو لوزي، أحد مؤسسى المجموعة، فى تصريحات صحفية: «كان الهدف من الرسالة وضع غزة وفلسطين فى قلب الاهتمام العام فى فينيسيا، وهذا ما حدث»، وأضاف: «نحن مندهشون للغاية من عدد ردود الفعل»، مشيراً إلى أن الرسالة جمعت ألفى توقيع، بينها توقيعات مشاهير من السينما العالمية مثل كين لوتش وأودرى ديوان وأبيل فيرارا.
من جانبه، قال المدير الفنى للمهرجان، ألبرتو باربيرا، إن المهرجان «لا يتخذ مواقف سياسية مباشرة»، مؤكداً تعاطفه مع الوضع المأساوى فى غزة، لكنه رفض استبعاد بعض الفنانين بسبب دعمهم النشط لإسرائيل، كما طالبت بذلك جمعية «فينيسيا من أجل فلسطين»، فى إشارة إلى الممثل جيرارد باتلر والممثلة الإسرائيلية جال جادوت، بطلى فيلم «إن ذى هاند أوف دانتي» الذى يُعرض خارج إطار المسابقة