فى مطلع عام 2025، أعلنت مصر دخولها عصر البنوك الرقمية، وذلك بإعلان البنك المركزى موافقته النهائية على تحول شركة مصر للابتكار الرقمى (mdi) المملوكة لبنك مصر على تحولها إلى بنك رقمي، ومن المتوقع أن يتم الإطلاق الرسمى ليبدأ تقديم الخدمات المصرفية الرقمية بالكامل عام 2026، خطوة طال انتظارها ضمن خطة الدولة لتعزيز الشمول المالى والتحول نحو الاقتصاد غير النقدي. البنك الرقمي، بخلاف البنوك التقليدية، لا يملك فروعًا حجرية ولا شبابيك خدمة، بل يُدار بالكامل عبر تطبيقات الهاتف والإنترنت، من فتح الحسابات وحتى الحصول على القروض وإدارة الاستثمارات.
هذه الخطوة وُصفت بالتاريخية من خبراء الاقتصاد والمصارف، لما تمثله من نقلة نوعية فى الخدمات المالية والشمول المالي، وفتح الباب أمام جيل جديد من التعاملات المصرفية السريعة والذكية.
تؤكد د. سهر الدماطى الخبيرة الاقتصادية والمصرفية، إن البنوك الرقمية تمثل تحوّلاً عالمياً جديداً، هدفه الأساسى توظيف التكنولوجيا بأفضل صورة لتسريع العمليات الائتمانية والتجارية، موضحة أنه كلما كانت الموافقات أسرع، والمعلومات متاحة للعملاء بشكل أكثر شفافية، كلما انعكس ذلك إيجاباً على القطاعات الإنتاجية، ومن ثم على نمو الناتج القومي.
وتشير إلى أن إطلاق أول بنك رقمى بحجم «وان بنك» يمثل خطوة إيجابية كبري، إذ يلبى احتياجات كبار العملاء إلى جانب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يجعله أكثر شمولاً من حيث تغطية الخدمات البنكية، مؤكدة أن هذا التحول يجعل مصر تواكب الاتجاهات التكنولوجية العالمية وأن «وان بنك» (onebank) هو كيان مستقل أسسته شركة مصر للابتكار الرقمى (MDI)، وهى شركة تابعة لبنك مصر، لتقديم الخدمات المصرفية بالكامل عبر القنوات الرقمية دون فروع فعلية بالتعاون مع بنك مصر ضمان نجاح اضافة إلى اختيار رئيس تنفيذى من الكفاءات يضمن نجاح التجربة لقدرته على استقطاب مختلف شرائح العملاء.
سرعة التنفيذ ميزة جوهرية
تضيف أن الميزة الجوهرية للبنوك الرقمية تكمن فى سرعة تنفيذ العمليات عبر المنصات والتطبيقات، وهو ما يمنح ميزة تنافسية للشركات المقيدة والمعروفة، كما يشكل حافزاً للقطاع غير الرسمى للاندماج فى المنظومة المصرفية.
الخبير المصرفى أيمن الزيات يصف موافقة البنك المركزى على إطلاق «وان بنك» بأنها خطوة استراتيجية نحو تحديث القطاع المصرفى وتعزيز التحول الرقمى وإن تأخرت كثيراً مقارنة بدول عربية سبقتنا مثل السعودية، لكنها تحمل مكاسب هائلة، فى مقدمتها دعم الاقتصاد الرقمى وتقليص الاعتماد على التعاملات النقدية.
ويرى الزيات أن البنك الرقمى يستهدف بالأساس الفئات غير المشمولة مصرفياً، إلى جانب الشباب الذين يفضلون التعامل مع التطبيقات الذكية بدلا من الإجراءات الورقية التقليدية.
ويؤكد ضرورة بناء أنظمة حماية متطورة، واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعى لضمان أمن البيانات وخصوصية العملاء، وضع معايير صارمة لحماية البيانات وضمان الخصوصية الى جانب تهيئة البيئة التشريعية والتكنولوجية لضمان مواكبة التطورات العالمية، مؤكداً أن نجاح التجربة سيمثل نقطة تحول فى مسار الاقتصاد المصرى كما يعنى توسيع نطاق التجربة عبر منح تراخيص لمزيد من البنوك الرقمية.
مضيفا ان نجاح التجربة يعنى تقليل الاعتماد على البنوك التقليدية مع انتشار التجربة لمزيد من البنوك سنشهد تسعيرا جديدا لأسهم البنوك مع توفير الوقت والتكلفة.
مكاسب استثمارية
أكد د. كريم عادل مدير مركز العدل للدراسات الاقتصادية أن خطوة إطلاق البنوك الرقمية تمثل تحولًا جوهريًا فى القطاع المصرفي، فهى ستسهل العديد من الخدمات المالية والمصرفية، خصوصًا ما يتعلق بعمليات الدفع الإلكترونى والتحويلات المالية، التى تتمتع بدرجة أعلى من السهولة والسرعة والأمان. وأوضح أن هذه الخطوة تأتى فى إطار دعم توجه الدولة نحو الشمول المالى والتحول الرقمي، فضلًا عن قدرتها على جذب استثمارات جديدة فى قطاع الخدمات المالية والمصرفية، وتحديدًا فى مجال التكنولوجيا المالية.
يلفت د. كريم أن البنوك الرقمية ستتعامل بالأساس مع الأفراد الذين يمتلكون ثقافة تكنولوجية، مثل الشباب المتعلم والشرائح التى تعتمد على الهواتف الذكية والتطبيقات الحديثة. لكنه فى الوقت ذاته أشار إلى أن هذه الفئة ليست ممثلة لكل المجتمع، إذ لا تزال هناك شرائح كبيرة لا تتعامل بسهولة مع التكنولوجيا، وتفضّل الأساليب التقليدية.
يتوقع كريم أنه من الصعب أن يعمل البنك الرقمى دون فرض مصاريف أو رسوم على الخدمات، حتى وإن تم إعفاؤها فى البداية كما حدث مع «إنستاباي»، مؤكدا أنه من الأفضل تطبيق رسوم متوازنة منذ البداية، بما يحقق استفادة للدولة والقطاع المصرفي.
أشار محمد عبدالعال – الخبير المصرفى – إلى أن الإعلان عن إنشاء أول بنك رقمى فى مصر يعد خطوة محورية تعكس تقدماً ملموساً فى مسيرة التحول الرقمى للجهاز المصرفي، فقد مر النظام المصرفى تاريخياً بعدة مراحل، بدأت بالبنوك التقليدية المعتمدة على التعاملات الورقية والنقدية، ثم تطور إلى استخدام الإنترنت والحوسبة السحابية فى تقديم الخدمات المصرفية، إلى أن برزت الحاجة إلى البنوك الرقمية التى تعتمد على أحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، التشفير، والتحليل الضخم للبيانات، وإطلاق «وان بنك» يمثل نقلة نوعية فى الصناعة المصرفية، تسهم فى تحسين جودة الخدمات وتعزيز التنافسية والابتكار.
يتوقع الخبير المصرفى أن يتزايد الطلب على البنوك الرقمية فى مصر مستقبلاً مع استمرار التطور التكنولوجى وانتشار استخدام الإنترنت والهواتف الذكية، وقد يأتى هذا الطلب سواء من البنوك التقليدية الساعية لتطوير خدماتها، أو من مؤسسات وشركات جديدة محلية، أو حتى من فروع بنوك رقمية أجنبية.
أكد أن وجود البنوك الرقمية لا يعنى انتهاء البنوك التقليدية فوراً، بل سيستمر الاثنان جنباً إلى جنب لفترة طويلة بحكم ثقافة العملاء وطبيعة القطاعات الاقتصادية المختلفة، المنافسة بينهما ستكون فى صالح العملية المصرفية والتنمية الاقتصادية، حيث يدفع كل طرف الآخر نحو تقديم خدمات أفضل.
