النفايات الإلكترونية إحدى الثروات التى لم تستغل حتى الآن فى مصر حيث يقدر حجم تلك النفايات إلى نحو 90 ألف طن سنويا تحتوى على العديد من المعادن النفيثة مثل الذهب والفضة والبلاتين والنحاس، التى تصل قيمتها إلى ملايين من الدولارات. ورغم أن إعادة تدوير طن واحد من اللوحات الالكترونى قد يدر ذهبا يفوق ما يستخرج من طن خام طبيعى فإن هذه الثروة لا تزال خارج الاقتصاد الرسمي، بل وتهدر عبر الحرق أو البيع فى ورش صغيرة غير مرخصة.
«الجمهورية» رصدت العقبات التى تحول دون استغلال تلك الثروة القومية، وسبل تحويلها إلى رافد اقتصادى يدعم الاقتصاد الوطنى عبر توفير العملة الصعبة ويحافظ على البيئة من التلوث من المكونات الإلكترونية لتلك النفايات.
الدكتور وحيد محمود إمام الخبير البيئى مؤسس منتدى العلماء العرب يرى أن الإشكالية الرئيسية لاستغلال النفايات الإلكترونية حتى الآن تتمثل فى عدم وجود استراتيجية اقتصادية وطنية محددة لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية فقط هناك وجهود محدودة لتنسيق منسقة بين بعض الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية لتعزيز إدارة النفايات الإلكترونية.
تلك الجهود تهدف إلى الاستفادة من ما يقرب من 90 ألف طن سنويا من النفايات الإلكترونية لتحقيق مكاسب بيئية واقتصادية وصحية تدعم رؤية مصر 2030 من أجل الحفاظ على البيئية بمنع تسرب المواد السامية «مثل الرصاص، الزئبق، الكادميوم» إلى التربة والمياه الجوفية، واستخراج المعادن الثمينة مثل النحاس «20 ٪$» الألمونيوم «2 ٪» والذهب «0.1 ٪» من النفايات الإلكترونية التى تحتوى على 60 ٪ مواد ثمينة «مثل البلاتين والفضة» لتقليل الاعتماد على التعدين وتقليل المخاطر الصحى الناتجة عن التعامل غير السليم مع النفايات مثل الإصابة بالسرطان أو أمراض الجهاز التنفسى والاستفادة من تصدير هذه المواد المستخلصة لتوفير العملة الصعبة، وخلق فرص عمل جديدة من خلال الاقتصاد الدائري. وأشار دكتور إمام إلى أن مصر تمتلك العديد من المقومات تجعلها رائدة فى هذا المجال أهمها وجود سوق كبير للأجهزة الإلكترونية مع توقعات بنموه بنسبة 5.29 ٪ خلال الفترة من 2025 إلى 2029، مما يزيد من حجم النفايات الإلكترونية ويجعل إعادة التدوير لها هام.
وأضاف أن مصر يمكنها قطع خطوات أسرع فى اتجاه استغلال النفايات الإلكترونية عبر التعاون مع المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، البنك الدولي، وصندوق البيئة العالمية لتوفير الدعم الفني، وتوفير البنية التحتية المطلوبة لاستخراج المعادن من النفايات الإلكترونية التى تعتمد على تقنيات ميكانيكية وكيميائية متقدمة والتى تتم فى مصانع متخصصة يوجد منها حالياً ٧ مصانع والمخطط إنشاء 6 أخري.
أوضح أن دراسات الجدوى الاقتصادية لتلك الاستثمارات تؤكد أن النفايات الإلكترونية تحتوى على معادن ثمينة بقيمة عالية تتمثل فى المعادن الأساسية وتشمل الذهب «0.1 ٪»، الفضة والبلاتين والبلاديوم ويوجد غالباً فى الدوائر الإلكترونية والموصلات على سبيل المثال، يمكن استخراج 250 – 300 غرام من الذهب من طن واحد من اللوحات الإلكترونية، مقارنة بـ 5 – 10 غرامات من طن من خام الذهب الطبيعي، النحاس «20 ٪»، الالمونيوم «2 ٪»، الحديد والنيكل، وتستخدم فى الأسلاك والإطارات النسبة الإجمالية حوالى 60 ٪ من النفايات الاليكترونية تتكون من مواد قابلة للاستخلاص، مما يجعلها ذات قيمة اقتصادية عالية.
كما أن المعادن المستخلصة مثل النحاس والذهب تصدر للأسواق العالمية، مما يعنى توفير للعملة الصعبة وعمليات الاستخلاص تخلق فرص عمل فى الجمع، الفرز، والمعالجة خاصة فى القطاع الرسمي.
عن أهم العقبات والتحديات التى تواجه مثل هذه الاستثمارات، يرى الخبير البيئى أنها تتمثل فى نقص البنية التحتية حيث يوجد ٧ مصانع فقط لإعادة التدوير فى مصر، مما يحد من القدرة على معالجة 90 ألف طن سنوياً من النفايات كما القطاع غير الرسمى يمثل تحديا أمام الاقتصاد الرسمى والدولة حيث إن حوالى 98 ٪ من النفايات يتم جمعها بواسطة جامعى القمامة غير الرسميين، مما يؤدى إلى معالجة غير آمنة «مثل الحرق أو التكسير اليدوي» فيسبب تلوثاً وفقداناً للموارد.
وتابع أن التكلفة العالية لعمليات الاستخلاص الهيدرو ميتالورجية تتطلب استثمارات كبيرة فى المعدات وأنظمة السلامة فى مقابلة قل الوعى لدى المواطنون والشركات غالباً لا يدركون قيمة النفايات الإلكترونية مما يقلل من مشارتهم فى برامج مثل «إى – تدوير مصر» مثمنا دور هذه المنصة حيث إنها استطاعت جمع حوالى ٨ أطنان حتى 2021 من خلال فروع شركات الاتصالات والأهزة منزلية والكترونية ومن خلال القطاع غير الرسمى بما يمثل 98٪ من النفايات الإلكترونية.
وفيما يتعلق بالجانب التشريعى يذكر دكتور وحيد إمام، أنه يحتاج لاستكمال حيث اللائحة التنفيذية لقانون إدارة المخلفات «رقم 202 لسنة 2020» لا تزال قيد الإعداد مما يعيق التنظيم الكامل للقطاع.
مؤكداً فى الوقت نفسه ضرورة تشجيع المستثمرين لإنشاء مزيد من مصانع إعادة تدوير المتقدمة لاستخلاص المعادن جانب تنظيم ورش عمل فى المحافظاتت لتثقيف المواطنين حول مخاطر النفايات الإلكترونية وفوائد إعادةا لتدوير.
على الجانب الآخر يرى كريم دبوس المؤسس والرئيس التنفيذى لأحد الشركات العاملة بهذا المجال التى أنشئت بمبادرة حكومية من وزارة البيئة عام 2019 كمنصة رقمية تسمح للمواطنين بتسليم مخلفاتهم الالكترنية «هواتف محمولة، لابتوبات، أجهزة منزلية صغيرة» مقابل الحصول على قسائم شراء من شركات أجهزة الكترونية ومنزلية إنه رغم نجاح المنصة فى أول شهر ونص فى جمع 20 ألف تحميل على المنصات المختلفة فى المقابل قدمت 2500 قسيمة أو قطعة تم جمعها إلا أن الاستثمار فى إعادة التدوير فى مصر يواجه إشكاليا اقتصادية لنقص الكميات الكافية من هذه النفايات للوصول إلى الجدوى الاقتصادية المقبول مشير إلى أن الجدوى الحقيقية تتطلب تجميع ملايين الأجهزة «2مليون هاتف محمول و50 ألف لابتوب على الأقل» وهو ما لا يتحقق حاليا لغياب الوعى الافى لدى المستهلك عن أهمية تجميع الأجهزة المتهالكة وإعادة تديرها.
مضيفا من الإشكاليات عدم تطبيق سياسة «المسئولية الممتدة للمنتج عن التعبئة والتغليف» المقصود بها تمويل التكلفة الكاملة لإدارة نفايات التغليف إضافة إلى العبء الضريبى العالى على المنتجات الإلكترونية موضحا أن الاستثمارات فى هذا القطاع تحتاج لمزيد من الحوافز لإجبار الشركات على تقديم قواسم شراء وكوبونات للمستهلك وتطبيق ما تسمى بضريبة جميع مخلفات البيئة.
فيما يتعلق بالاقتصاد المنافس وهو ورش الخردة وجامعى المعادن والخردة فيؤكد دبوس أنه لا يمثل عائق أمام الاستثمارات الرسمية مؤكدا أن غالبية شغل إعادة التدوير هى ورش خردة الكل يعتمد على الورش فى الجمع والتكسير ليستخرج منها المعادن، غلق هذه الورش يهدد الصناعة لأننا لا نملك آلية تجميع احترافية «محترمة» من ثم تظل هذه الورش هى الفاعلة والأكثر انتاجية مع محدودية الكميات التى تتلقاها من الأجهزة المتهالكة والمستعملة.
يذكر كريم دبوس أن منصته تعمل حاليا من خلال شراكة مع حياة كريمة بتأسيس مراكز لجمع من القرى فى المحافظات حيث قام متطوعو «حياة كريمة» بحملة توعية وشحن للقرى لتسليم الأجهزة الإلكترونية القديمة مقابل قسائم شراء أو حوافز لتصل بعد ذلك إلى شركة «جريست» المعتمدة لإعادة التدوير.
فيما يتعلق بأهمية الاستثمار فى إعادة تدوير النفايات الإلكترونية يرى دكتور محمد البهواشى استاذ اقتصاديت الطاقة أن هذا الاستثمار يمثل رافدا اساسيا من روافد الاقتصاد الأخضر يمثل فرصة لتوليد قيمة اقتصادية من النفايات ويفتح مجالات للشباب ورواد الأعمال خاصة فى قطاع التكنولوجيا مؤكدا على أن قيمة النفايات الإلكترونية تكمن فى تحويلها من عبء بيئى إلى قيمة اقتصادية مضافة مشيراً إلى أن كل شريحة الكترونية يمضمها جهاز الكترونى تحتوى على معادن نفيسة يمكن أن تدعم الصناعات التكنولوجية.
يرى البهواشى أن أهم عائق أمام تحقيق الكميات الاقتصادية يتمثل فى وعى المواطن بأهمية فصل المخلفات الأمر الذى يتطلب تحفيز المواطن بعائد مادى مع وعى بأهمية إعادة التدوير للنفايات الإلكترونية للتخلص من أضرارها البيئية والصحية وعلى الجانب الآخر يرى دور الدولة يقتصر على الإشراف وتيسير وتسهيل بيئة الأعمال من خلال تقديم الحوافز وتوفير البيئة التنظيمية المناسبة.
يؤكد استاذ اقتصاديات الطاقة على أهمية دور الاقتصاد غير الرسمى فى مجال جمع النفايات الإلكترونية بمجها فى الاقتصاد الرسمى بدلا من القضاد عليه مع مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية لجميع العاملين فى هذا القطاع.
د. شريف الجبلى رئيس لجنة تيسير مكتب الالتزام البيئى باتحاد الصناعات يؤكد على دعم الاتحاد للمشروعات المتعلقة بالتدوير من خلال تقديم قروض ميسرة للشركات لتوفير أوضاعها البيئية بفوائد صغيرة بالإضافة إلى إعداد الدراسات الفنية مؤكد على أنه لم يتلق أى رفض لطلبات التمويل لمثل هذه الاستثمارات للاهتمام البير من الدولة بهذا المجال والوعى البيئى المتزايد مضيفا إلى أن أهمية مثل هذه المشروعات فى تقليل الانبعاثات الكربونية وزيادة الكفاءات الانتاجية بما يعنى زيادة الكفاءة الاقتصادية.
وأوضح د. الجبلى أنه حتى عام 2024 تم دعم أكثر من 480 مشروعاً بإجمالى استثمارات تصل لـ900 مليون جنيه بينهم 150 مليون لمشروعات مرتبطة بإعادة التدوير بشكل عام.
