جائزة الدولة تاج على رأسى.. والاهتمام بالعمارة البيئية يتزايد
نصيحتى للمسئولين: استمعوا أكثر لعلماء الاجتماع
نجهز «بيت التراث المصرى».. وسنسعى لضم كل ما نستطيع ضمه لأمانة البيت
مناسبتان جديرتان بالاهتمام أنتجتا هذا الحوار الثرى مع مستشار وزير الثقافة وخبيرة التراث الثقافى غير المادى باليونسكو د.نهلة إمام أستاذ المعارف الشعبية والعادات والمعتقدات الأولى فوزها مؤخرا بجائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية والثانية تكليف د.هنو وزير الثقافة لها بالرد والتوضيح على ما جاء على لسان ضيفنا فى العدد السابق د.حنا نعيم مستشار العمارة التقليدية والحرف عن مصير أرشيف المأثورات الذى كان أحد مؤسسيه.
د.نهلة صاحبة دور بارز فى تسجيل عدد كبير من عناصر التراث المصرى فى اليونسكو وهى نائبة رئيس الوفد المصرى كما تم اختيارها عضوا بلجنة التقييم الدولية باليونسكو عن المجموعة العربية فضلا عن عضويتها بالكثير من اللجان الخاصة بالتراث والفنون والمعتقدات الشعبية داخل وخارج.. وفى هذا الحوار تكشف لنا عن الكثير من أسرار التراث ورحلة تسجيله فى اليونسكو.
> نبدأ من الجائزة وكيف تنظرين لتكريمك بجائزة الدولة فى العلوم الاجتماعية مؤخرا؟
>> تقدير الدولة كبير وتاج على رأسى وأعتز بتلك الجائزة فى العلوم الاجتماعية التى يحتاج العالم بشدة للالتفات لها وسط كل هذه الأزمات التى يعيشها وهى تاج على رأسى ومسئولية.
> ما تفسيرك للهجوم والتشكيك الدائم فى قيمة ومصداقية الجائزة؟
>> أتعجب من هؤلاء الذين يشككون فى أصوات مثل: أحمد زايد، على الدين هلال، وغيرهما فالأصل أن نفخر بهم قامات كبيرة وما يحدث أحيانا من تشكيك ليس فى صالح المشهد الثقافى ولا الجائزة ولا من يشكك فى قيمة وصلاحية هذه اللجنة.
فهل تمتلك دولة ما فى المنطقة كل هذه العقول والأسماء والقامات والخبرات الذين تغلق عليهم قاعة واحدة يختارون فيها فائزا ما، وهؤلاء أبعد ما يكونون عن الهوى بل جميهم أسماء وخبرات كبيرة.
> كخبيرة عادات ومعتقدات ما مدى التغير فى المجتمع المصرى وحالته الثقافية والعادات وما المقلق فيه؟
>> طبعا فيه تغير واضح فنحن لا نعيش فى ثقب أسود وسط الكون سقطت بعيدا عن حركة العالم، فقد تأثرنا بكل ما تأثر به الإقليم وتأثيرات بالهجرات الداخلية والخارجية من الريف للحضر والعكس.. والتراث ليس جامدا والسياق الثقافى مرن ويتغير بمرور الزمن والتراث ديناميكى ومتغير وهذا علميا بل وجزء من حيويته فالتراث كائن حي، بل يتطور وبعض ملامحه تختفى لعدم انسجامه مع السياق الثقافى مثل استخدامنا لـ«القلة الفخار» التى فقدت شكلا من أشكال حضورها كإناء للشرب بعد هيمنة « الثلاجة» لكنها تظل ممتدة فى صناعة الحرف بشكل أو بآخر وهكذا.. كأن تكون للزينة مثلا.. وطبيعى أن دولا كثيرة تشكو من تعرض تراثها لموجات من التغير والتبدل..
> وما دور علماء الاجتماع فى مساعدة المجتمع على حفظ تراثه؟
>> بكل تأكيد لهم دور هام فى التعريف بملامح الشخصية المصرية وجذورها ومعتقداتها وكيفية التعامل معها ومن هنا هيئات وجهات تأخذ فى الاعتبار ما يساعد على بقاء السمات الأساسية للشخصية.. فمثلا ضرورى أن أهتم بالبناء وبالبنية التحتية والإنشاءات ولكن ضرورى أيضا أن أفهم الشخصية التى أبنى لها كل هذا وكيفية تعايشها واستخدامها لهذه الأبنية والإنشاءات.. فمثلا عندما تتوجه الدولة للبناء لأهلنا فى « البدو» فعلينا أن نراعى طريقة معيشته وتفضيله لنمط بعينه يناسب حياته.
«حياة الناس»
> الدولة تبنى وتتوسع فهل تحرص فى مشروعاتها على أن تلائم طبيعة حياة الناس وبيئاتهم.
>> الاهتمام بالعمارة البيئية يتزايد وكثير من كليات الهندسة خصصت له أقساماً والدولة نفسها تسعى بشكل متزايد للاهتمام بذلك التوجه.. هناك قرية النزلة فى الفيوم كلها من الفخار اليدوى وقرية حسن فتحي.. ونصيحتى طبعا هنا للمسئول «اسمعوا أكثر للإنثربولوجيين» اسمعوا لعلماء الاجتماع».. فمثلا تقوم الدولة بتطهير الترع وتوسيعها بينما يستقر فى وعى وتراث الفلاح أن يلقى «مشيمة الحيوان» فى الترعة اعتقادا أن هذا يزيد لبنها وهذا تعارض يجب أن نلجأ فيه للمتخصصين ليكون لجهد الدولة معنى ونتيجة..
> بعد كل هذه الجهود فى التوعية والبناء هل أنت راضية عن نسبة الوعى لدى المصريين؟
>> جهد علماء الاجتماع وعلماء الدين ورجال الدولة أدى إلى تحسن اجتماعى ملحوظ فى عادات مثل: الثأر وختان الإناث وغيرها ولا شك أن الرضا التام صعب لأن تنوع البيئات الثقافية واتساعها فى مصر كبير.. لكن هناك بالفعل تطورا لافتا ومشجعا.. وجميع جهود التنمية التى تأخذ فى الاعتبار تراث الناس وعاداتهم والسياق الثقافى تنجح وتؤتى ثمارها.
«قصة أرشيف المأثورات»
> د .حنا نعيم خبير العمارة الشعبية عن مصير أرشيف المأثورات تسأل فى حوار مع الجمهورية عن الأرشيف الذى تحتكره «جمعية المأثورات الشعبية» كيف ترون فى الوزارة هذه الأمر؟
>> نحن نتحدث عن « الأرشيف» وأرشيف الجمعية المصرية ليس كله أرشيف مصر فأرشيف مصر هائل ولا يمكن حصره..
وبشكل عام فإن الارشيف الذى موله الصندوق العربى للتنمية بمعرفة د.أسعد نديم رحمة الله عليه نتاج شغل 3 سنوات تقريبا وهو غير مرض ولا يمثل من تراث مصر نقطة فى بحر.. ويحتاج إلى تحديث كبير و بعض عناصره لو وضعت على الإنترنت بهذا الشكل فهو تشويه له.
وهذا الأرشيف هو الوحيد فى مصر الذى خصص قسم خاص للمعارف الشعبية والتى تحظى باهتمام كبير حاليا فى العالم كله.. وجميع المنظمات الدولية تهتم بها حاليا.
ومن حسن الحظ أن الدكتور أسعد نديم وقع بروتوكول تعاون بين الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية برئاسة الراحل الدكتور أحمد مرسي.. وهى منظمة مجتمع مدنى غير خاضعة لوزارة الثقافة وعبر هذا البروتوكول آلت نسخة من مواد الأرشيف للجمعية وثم تدريجيا ولأسباب مختلفة توقف عمل الأرشيف وتوفى د.أسعد ..وهنا السؤال هل وزارة الثقافة «هل لديك فكرة عن جميع منظمات المجتمع المدنى التى تعمل فى الثقافة»؟! بالتأكيد لان وزارة الثقافة تعلم جهود ونشاطات هذه الجمعيات ولا تساعدها ولا تدعمها.
> ولماذا لم تقدم الجمعية نسخة مثلا لدار الكتب والوثائق رغم أن لوائحها تسمح بذلك ومن باب الحرص على المادة وحمايتها احتياطيا من التلف أو الضياع؟
>> نعد الآن بيت التراث المصرى وعند تجهيزه سنأخذ نسخة من الجمعية وأعتقد أنهم لن يتأخروا أبدا فقد أمدونا بكل ما نحتاجه فى عملية تسجيل بعض العناصر التراثية فى اليونسكو فى السنوات الماضية.
> للجمعية موقع على الإنترنت وهو موقع فقير والغريب أن مواد الأرشيف ليست متاحة عليه لفائدة الباحثين؟
>> لابد أن يستكمل ويتم تحديثه لأنه لو وضع «رفع» على النت وتمت إتاحته بهذا الشكل لن يفيد أحد وقد يسيء إلينا مثل مادة « الفخار» فمضمونها لا يشجع على إتاحتها على الإنترنت. بحالتها تلك. .. فضلا عن أن الإتاحة ليست هكذا فى المطلق فهناك خطوات من التوثيق وحفظ حقوق الملكية وغيرها قبل إتاحته.
> لكن هل المادة التى آلت للجمعية ملك أعضائها لكى يرفضوا أو يقبلوا! أليس هذا تراث مصر؟
>> المادة غير كاملة وتحتاج لجهود الباحثين فمثلا نحن نسعى لتسجيل عنصر جديد فى اليونسكو بتعاون عربى مشترك واضطررت للنزول للميدان بحثيا مجددا لأستكمل الملف.. واستكمال الجهد الذى بدأ يحتاج ميزانية وسنحاول فعل هذا بعد اتمام الانتهاء من بيت التراث المصري.
> وهل حينها ستأخذون نسخة كاملة من مواد الأرشيف الذى تحفظه الجمعية بناء على بروتوكول سابق مع الأرشيف آلت بموجبه المادة للجمعية؟
>> نعم سنطلب منهم نسخا لكن ليس كل ما لديهم فنحن لا نملك عليهم وصاية.. والوزارة ليس لها سلطة على «الجمعية» فلو حضرتك مثلا جمعت شعرا شعبيا فى بيتكم لا تملك وزارة الثقافة أن تطالبك به.. إلا بالضمير الوطني، ولذلك أنا أتعامل معهم من هذا المنطلق وقد استعنا بما لديهم فى تسجيل عناصر كثيرة فى اليونسكو وللعلم هم متخصصون فى التعامل التقنى مع الحاسب ولديهم نسخ على أكثر من «هارد» ولا شك أنهم يؤمنونها جيدا.
> وكيف لأحد مؤسسى الأرشيف مثل د.حنا ألا يتمكن من الوصول لجهده الخاص لاستكماله أو طبعه مثلا؟
>> وأنا بدورى أسأل الدكتور حنا: أين ما جمعه هو وما يحتفظ به من مادة جميلة عن العمارة الشعبية للدكتوراه ولماذا لم يتحها مثلا على النت للباحثين.. وهل أعطانا هذه المادة مثلا للوزارة، علينا أن نتقن البناء وليس الهدم والتشكيك.
> ما هى العوائد التى نستفيد منها و بها بعد النجاح فى تسجيل عنصر محدد فى « اليونسكو»؟
>> أهم مكسب هو لفت الانتباه لأهمية العنصر التراثى وحمايته وتوجيه أجهزة الدولة للحفاظ عليه وتنميته ومنحه المزيد من المساحة والاهتمام فى برامج الدولة فى تأصيله والحفاظ عليه. تماما مثلما فعلت الوزارة باحتفالها بتسجيل السمسمية فى مدينة الاسماعيلية للفت الانتباه لها والحفاظ عليها كعنصر تراثى يحمل هوية المكان .
> كنا نظن أن السمسمية تراث مصرى فقط؟
>> السمسمية موجودة فى السعودية فى المناطق الغربية المطلة على البحر الأحمر، وكذلك اليمن والسودان.. وكل من يطل على البحر الأحمر لديه «سمسمية».. وهذا الملف تحديدا كان بقيادة مصر ونحن فيه رقم واحد فى اليونسكو.. لكن كل الدول حصلت على شهادات فيه .
> ما دور اللجنة الوطنية التابعة للتعليم العالى فى عملكم ؟
>> دورها أن أى نشاط نقوم به مع المؤسسات الدولية ومنها اليونسكو لابد أن يكون عبر اللجنة الوطنية التابعة فى الأساس لوزارة التعليم العالي، وطبيعى أن تكون على اطلاع بكل ما نقوم به لأن هذا تعامل مع منظمات دولية عكس أى نشاط محلى داخل مصر فلا ضرورة أن تتابع نشاطنا وبحوثنا الداخلية فليست هذه مهمتها.. اللجنة الوطنية هى الجسر الواصل بين وزارة الثقافة والمنظمات الدولية.
لا خوف على التراث فهو فى كل مكان وهناك من يحميه والتراث ليس فى الجمعية فقط هناك أطلس المأثورات الشعبية ومركز الدراسات الشعبية.
علينا أن نعد لبيت التراث مكانا آمنا، نأمن فيه على كل ما نجمعه من التراث وقد بدأنا نحسب كل من لديه شيء جدير بضمه للبيت ولكن أكرر ليس لنا سلطة أن نجبر أحدا أن يعطينا ما لديه من مادة؛ نحن فقط نخاطب الضمير والحس الوطني.. مع العلم أن جمع التراث غاية لا تدرك وجبل لن نبلغ قمته وكل ما نستطيع فعله هو الإسهام بقدر ما نملك.
وقد نجحنا فى السنوات الأخيرة فى أن نسجل فى اليونسكو 10 عناصر تراثية، لم تكن مسجلة وذلك إنجاز طيب ورائع وعلينا الاحتفاء به والالتفات إليه.
