من الوسائل الشيطانية التى اعتاد ساسة الكيان العبرى عليها أنهم عندما يريدون تحقيق هدف ما فإنهم يدفعون سفهاءهم لطرحه، وكأنه نوع من العبث أو لهو الحديث الذى لا قيمة له، ثم تردده أبواق إعلامهم، باعتباره نقلاً عن شخص مجهول أو غير ذى قيمة، وبعدها يخرج مسئول صغير يردد نفس الكلام، وفى الخطوة الأخيرة ينبرى وزير أو رئيس الوزراء ويصرح بنفس الموضوع وبصورة حاسمة باعتباره منتهيا وواجب التنفيذ، ولا يجوز لأحد أن يتصدى أو يرفض «ترهاتهم».
مئات بل آلاف المواقف والأحداث توالت بهذا الشكل، وتحقق الكثير منها، وبالطبع يتحينون الوقت المناسب جداً لذلك وليس فى أى توقيت، فهم لا يتعجلون ويختارون اللحظة المواتية بعد أن يستطيعوا «تسوية الطبخة» وكسب التأييد الدولي، أو استغلال الظروف العالمية، أو انشغال العرب والعالم بقضايا أخري.
من ذلك ما قامت عليه الدعاية اليهودية من المظالم والتشرد فى الأرض، قبل وعد بلفور الإنجليزى المشئوم، الذى أعطى من لا يملك لمن لا يستحق، ورغم أنه صدر فى عام 1917، إلا أن الصهاينة انتظروا وصبروا أكثر من 40 عاماً، بسياسة النفس الطويل، حتى قامت الحرب العالمية الثانية وكانت الدول العربية قد خرجت منهكة من الحكم تحت إمرة الدولة العثمانية التى نهبت خيرات البلاد على مدى قرون تحت مسمى «الخلافة»، وقبل أن نتخلص من تلك الآثار أو نخرج من تلك المحنة كانت الدول العربية كلها تحت الانتداب والاحتلال الأوروبي، وفى تلك الأوضاع من التفكك والضعف والقهر، تسلل اليهود بحماية أوروبية وأمريكية ليغتصبوا أرض فلسطين، يقتلون أهلها وينهبون ممتلكاتهم وأموالهم، بعصابات كانت مدربة على المذابح البشرية ومستعدة بشكل جيد.
من بداية الاحتلال لأرض فلسطين، مروراً بشن الحروب واشعال الفتن فى الدول العربية، وصولاً إلى استغلال أحداث 7 أكتوبر 2023، نجحت الدعاية اليهودية الكاذبة الخاطئة فى أن تظهر للعالم أن إسرائيل فى مرمى أكبر خطر من حماس، واستطاعوا أن يختلقوا أحداثا من بنات أفكارهم، حتى ادعوا أن الحركة اغتصبت نساءهم، وبكل أسف صدقهم العالم دون دليل، وتحت مظلة «المظلومية» وجدوا الدعم من كل أركان المعمورة وبكل السبل، ثم ظهرت وجوههم القبيحة، وعاثوا فساداً وتقتيلاً ودماراً فى غزة، وتغيرت لغة الحديث من استجداء العالم إلى إظهار القوة الغاشمة، التى لم يستطع العالم نفسه الذى أيدهم أن يردهم عنها.
عندما خرج النتنياهو مؤخراً ليتحدث عن إسرائيل الكبري، لم يكن ذلك جديداً، وعرفناه منذ نعومة أظفارنا، وحفظنا عن ظهر قلب ما يريده اليهود، وبين الحين والآخر، وكلما حانت فرصة يخرجون بترهات مخابيلهم بالتوسع وحدود الدولة العبرية، وزادوا الطين بلة، فبعدما كانوا يقولون أنها من النيل إلى الفرات، أصبحوا يتحدثون عن خريطة «وهمية» تتضمن معظم الدول العربية ومناطق من تركيا.
الأغرب والأعجب من ذلك أننا وجدنا من بيننا «ببغاوات»، يرددون هذه الترهات، ويقوم بعضهم بإعادة نشر الخرائط المزعومة، وبالطبع يكون لذلك أثر سيء، فكثرة تكرار تلك الأكاذيب يجعل الجهلاء بالحقائق يصدقونها.
بما أن هذه المحاولات الشيطانية تهدف إلى تصعيد الأطروحات الإبليسية، من ثم لا يجب ترديدها ولا نشرها، حتى لا نسير وراء أوهامهم المريضة، بل يجب إظهار جرائم الاحتلال والحديث عن النكبة واغتصاب الأراضي، واستعادة الحقوق، والتذكير بأن هذا الكيان المسمى «إسرائيل» قام على أرض عربية، والتاريخ والجغرافيا يؤكدان ذلك، وعلينا أن نذكرهم ونذكر العالم دائماً بالحقائق.
الأمر جد خطير، وعلى الساسة والمتخصصين فى كل موقع أن يقوموا بدورهم فى مكافحة ومقاومة والتصدى للمزاعم اليهودية فى كل محفل ومكان ومناسبة، خاصة بالوثائق المؤكدة والوسائل المقنعة وليس بالكلام المجرد، وعلينا جميعاً أن نذكّر دائماً بأن الكيان الصهيونى قام على أرض عربية مغتصبة من أهلها، وندحض افتراءته ونلقمه عن كل كلمة حجراً، حتى يكف عن ترهاته وتعود الحقوق العربية كاملة، وإن شاء الله ستعود قريباً.