يحتفل المسلمون فى الثانى عشر من شهر ربيع الأول كل عام بمولد سيد الخلق سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى أهله وصحبه أزكى السلام، ذلك لإيمانهم به وبرسالة الدين الإسلامى الحنيف الذى أرسل به وتنفيذاً وتطبيقاً لقول الله الحكيم بسورة الفتح : { إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا }، ومن القربات إلى الله ورسوله مودة أهل بيته صلى الله عليه وسلم ذلك من حب المسلمين لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والاعتراف بفضلهم وقد زكاهم الله تعالى بقوله: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً»، لأن أهل البيت قد فضلهم الله تعالى بهذا الفضل حباً منه لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم ولكونهم من ذريته.
ومن أجل ذلك وجب أن يقر المسلمون لهم بهذا الفضل الذى اختصهم الله به تطبيقاً لقول الله تعالي: «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة فى القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور»، كما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى حق أهل بيته: «أحبو الله لما يغزوكم به من نعمه وأحبونى لحب الله وأحبوا أهل بيتى لحبي»، حديث شريف رواه الترمذى والحاكم، كما أوصى سيدنا أبو بكر الأمة قائلاً: «ارقبوا محمداً فى أهل بيته»، ونهج كذلك التابعون من بعد الصحابة هذا النهج وما زال أئمة المسلمين وعلماؤهم يسيرون على هذا النحو حيث قال الإمام الشافعى فى حب أهل البيت شعراً منه:
يا أهل بيت رسول الله حبكم ..فرض من الله فى القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم القدر أنكم..من لم يصل عليكم فى الصلاة لا صلاة له
والمقصود هنا بالصلاة .. الصلاة الإبراهيمية فى التشهد.
وعن زيد بن ثابت رضى الله عنه قال .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنى تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتى أهل بيتى وإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض»، وقد صححه الألباني.
وأهل البيت أهل لكل حب وفضل وتقدير لما اكتسبوا ذلك من النبى صلى الله عليه وسلم وورث الطيبون منهم كرم أخلاقه وجميل صفاته.
وقد قال المقريزيفى كتابه «فضل آل البيت» فى تعليقه على قوله تعالي: «وكان أبوهما صالحاً»، فإذا صح أن الله سبحانه وتعالى قد حفظ غلامين لصلاح أبيهما فيكون قد حفظ الأعقاب برعاية الأسلاف وإن طالت الأعقاب، وإذا كان كذلك فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أحرى وأولى وأحق وأجدر أن يحفظ الله تعالى ذريته فإنه إمام الصالحين وقد أكد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم، «ما بال أقوام يزعمون أن رحمى لا تنفع والذى نفسى بيده إن رحمى لموصولة فى الدنيا والآخرة وإنى فرطكم على الحوض».
والحب الذى ندعو إليه لأهل البيت كما أورده مؤلف كتاب سيرة آل بيت النبى هو الحب المعتدل الذى يفرضه الدين ويحتمه الواجب وتقتضيه المروءة وآداب السلوك وليس ذلك الحب المغالى فيه والذى يضيع القيم ويثير التعصب والشبهات ويغض من شأن الحقائق ويضع من أقدار الفضلاء من الصحابة لأن المحب المغاليفى حبه يرفع شأن محبه إلى درجة التقديس المبغض ويحط من شأن مبغضه إلى درجة الإرجاس.
وقد كان أهل بيت النبى يعرفون أنفسهم ويصححون للناس فهمهم الذى انحرفوا به عن الطريق السوى لهذا الحب ، فكان سيدنا على بن الحسين الملقب بزين العابدين إذا غالى المغاليفى حبه لأهل البيت يقرأ قول الله باكياً، «فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون».. سورة المؤمنون.
ومما تقدم يجب علينا أن لا نغلو فى حب أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم ونرتكب كثيراً من المعاصى والأخطاء كالنذر أو القسم بهم أو الطواف حول أضرحتهم وكذلك ما يحدث فى الاحتفال بالمولد وحلقات الذكر كالتوسل بهم بدعوى حب ومودة أهل البيت وإنهم لبريئون من كل غلو.