حاولت جاهدا ألا تطول زيارتى له.. هو بالتأكيد يحتاج الراحة بعد ليلة عصيبة قادته خلالها نوبة قلبية حادة ومفاجئة إلى قسم الطوارئ ومنه إلى غرفة العناية المركزة. دعوت له بالشفاء، سردت عليه كل ما اعرفه من عبارات تبث الطمأنينة: بسيطة إن شاء الله.. لن يستغرق الأمر سوى عدة أيام تعود بعدها إلى ممارسة حياتك الطبيعية، صدقنى قلبك مثل الحديد.. إلى آخر هذه الجمل المحفوظة عن ظهر قلب.. والتى اشك فى أن يكون لها تأثير على أى مريض.
هممت بالانصراف، فاستوقفني.. أحسست برغبته فى أن يتكلم، أن يسرّى عن نفسه بالفضفضة التى يحترفها ويعشقها، تساءل فى دهشة وحسرة: لماذا؟، أنت تعرف أننى لم أدخن أبدا، صحتى زى «الفل»، لا سكر ولا ارتفاع ضغط ولا حتى أنفلونزا، لا أتناول اللحوم الحمراء إلا نادرا، لا أعانى من ارتفاع الكولسترول، أمارس رياضة المشى كل يوم مضطرا حيث اقطع المسافة من البيت إلى العمل والتى تزيد على كيلومترين ذهابا وإيابا يوميا على قدمي، لماذا يعتل قلبى وعلى ماذا يحتج؟.
تملكتنى رغبة فى الضحك سيطرت عليها بصعوبة.. انه كما هو لم تغيره الأزمة الصحية الحادة ولا الأقطاب الكهربائية العديدة المثبتة فى صدره والمتصلة بأجهزة تصدر أصواتا رتيبة مخيفة على إيقاع القلب.. كانت الإجابة على تساؤلاته حاضرة فى ذهني.. وكان طرحها عليه مستحيلا.
اعرف تماما انه هو من ظلم قلبه.. أن قلبه تعب من فرط الضغط عليه. منذ عرفته فى المدرسة الثانوية لم أره إلا شاكيا غاضبا متبرما، إذا حصل على درجة متدنية فى امتحان فالمدرس يظلمه وهو يستحق درجات افضل، إذا فشل فى انتخابات اتحاد طلاب المدرسة فبفعل فاعل خوفا من حضوره الطاغى وانتقاداته اللاذعة، الكل يتآمرون عليه، الحياة لا تعطيه ما يستحق.
قبل امتحانات الثانوية العامة كانت غاية أحلامه أن يحصل على مجموع يؤهله للالتحاق بأى كلية جامعية «محترمة»، ليس مهما الطب أو الهندسة، لا يتطلع إلى الصيدلة أو الطب البيطري.. تكفى كلية التجارة أو الحقوق أو الزراعة أو الآداب، المهم أن يصبح طالبا جامعيا وان يحصل على شهادة لها اعتبار فى المجتمع.. وعندما التحق بالفعل بكلية التجارة فى إحدى الجامعات المرموقة بالقاهرة.. نعى حظه.. فقدراته تؤهله لكى يصبح طبيبا نابغا أو مهندسا مشهورا.
حالة الشعور بالظلم والاضطهاد، حالة عدم الرضا، حالة التبرم من أى شيء ومن كل شيء، استمرت معه فى جميع مراحل حياته.. لم أره راضيا أو سعيدا أبدا. إذا حصل على علاوة استثنائية فى العمل فهى اقل مما يستحق، وإذا لم يحصل عليها فهو مظلوم. قبل أن يتزوج كان دائم التبرم من حياة العزوبية ومن حرمانه من حقه الطبيعى فى أن يكون رب أسرة، وعندما تزوج ممن أحبها.. بدأ يشكو من أعباء الزواج ومن فقدان الإحساس بالحرية. تمنى أن ينجب أطفالا.. وعندما تحقق له ما يريد تبرم من متاعب الأبناء وطلباتهم التى لا تتوقف عند حد. كان يحلم بامتلاك بيت وعندما امتلكه تبرم من موقعه فى حى شعبى لا يتناسب مع مركزه الاجتماعي.. فهل كان يحتاج التدخين أو إلى أى سبب آخر غير كل ذلك .. لكى يمرض قلبه ويعتل؟!!
القاعدة الذهبية.. الرضا التسامح التصالح مع النفس الحب القناعة مفاتيح الصحة والشباب الدائم.