فى كل مرة يرفع فيها العلم المصرى على سارية سفارة فى قلب عاصمة عالمية، ترتفع معه كرامة وطن، وتاريخ أمة، وسيادة دولة لا تقبل الانكسار، السفارة ليست مبنى عابرا، بل هى بيت للمصريين فى الخارج، وملاذ آمن لكل مغترب، وجزء من تراب مصر يغرس فى أراضى الغربة. ومع ذلك، باتت هذه القلاع الرمزية تحاصر، ترشق بالشعارات والشتائم، وتحارب بلا رصاص، فى ما يمكن وصفه بلا مواربة بأنه إرهاب دبلوماسى منظم. ما نشهده اليوم ليس احتجاجا عفويا، ولا تعبيرا سياسيا مشروعا، بل مسرحيات مدفوعة الثمن، تديرها أياد خفية، وتغذيها أجندات مغرضة تسعى لتشويه صورة مصر أمام العالم ، عن طريق مجموعات صغيرة، مأجورة، مدفوعة من الخارج، تحول أبواب السفارات المصرية إلى ساحات صراع وهمي، ترفع شعارات جوفاء، وتردد أكاذيب معدة سلفا، والهدف ابتزاز الدولة المصرية، ومحاولة ضرب هيبتها الدبلوماسية. إن هذا الإرهاب الدبلوماسى أخطر مما يبدو للوهلة الأولي، لأنه يستبدل القنابل بالحناجر، ويستبدل السلاح بالتحريض، لكنه فى جوهره لا يقل عنفا ولا خطورة ، إنه يسعى لتحويل السفير إلى أسير محاصر، والسفارة إلى جدران مطوقة بالخوف. إن أبعاد المؤامرة أكبر من مجرد صراخ أمام أبواب السفارات، فهى محاولة ماكرة لخلق الفوضى ، فى مشهد يظنه البعض احتجاجا عفويا بينما هو فى حقيقته لعبة نفسية خبيثة تستهدف كسر الروح المعنوية للأمة قبل جسدها السياسي، ما نراه ليس سوى فصل جديد فى مسلسل طويل من المسرحيات الهزلية، التى تكتب نصوصها فى الغرف المظلمة وتخرجها تنظيمات مأزومة، تبحث عن مسرح بديل لتعويض سقوطها المدوى فى الداخل. وتتضح خيوط المسئولية على مستويين؛ دولى ومصري، فعلى الدول المضيفة أن تقوم بواجبها وفق القانون الدولى والاتفاقيات ، لأن أى تراخ فى حماية البعثات لا يعد مجرد إهمال، بل يرقى إلى تواطؤ غير مباشر يشرعن الإرهاب الدبلوماسى ويمنحه مسرحا جديدا، أما مصر، التى وقفت شامخة أمام عواصف الإرهاب فى صحرائها ومدنها، فهى لن تسمح لشكل جديد من الإرهاب أن يطوق سفاراتها أو يمس كرامة علمها المرفوع، ردها جمع بين الحزم القانونى والردع الدبلوماسى والقدرة الإعلامية التى تكشف الأكاذيب وتعيد الحقائق إلى نصابها. نحن أمام حرب جديدة، لا تخاض بالمدافع، بل بالحصار والتشويه، حرب تستهدف مصر فى رمزها وكرامتها، فى أعلامها التى ترفرف على أبواب سفاراتها ،إنهم يظنون أن بإمكانهم إسقاط هيبة الدولة من خلال جموع مأجورة، لكنهم يتناسون أن مصر التى صمدت أمام أعنف موجات الإرهاب، لن يرهقها حصار سفارة أو صراخ مرتزق. الإرهاب الدبلوماسى ما هو إلا قناع جديد للمؤامرة، وحيلة ضعيفة يحاول بها الأعداء طمس الحقائق، لكن تبقى مصر… مصر التى كسرت على أرضها شوكة الإرهاب، والتى دافعت عن كرامتها وكرامة شعبها، لن تخضع لمكرهم، ولن تنحنى أمام خبثهم.