انتعاش البورصة والأسهم.. رواج عقارى.. والذهب «يزداد بريقًا»
جاء قرار البنك المركزى المصري، بخفض أسعار الفائدة 2 ٪، خلال اجتماعه الخامس لهذا العام، ضمن سلسلة من الاجراءات النقدية المرنة والتى استطاعت التكيف مع التحديات والتغلب عليها حتى وصلت لمرحلة حصار التضخم، فطبقا لتوقعات المركزى من المرجح ان يستمر المسار النزولى للتضخم بشكل عام ليصل إلى نطاق 14 ٪ خلال العام الحالي، ليقترب من المستهدف خلال 2026.
ويوضح خبراء الاقتصاد أن سياسات البنك المركزى على مدار السنوات الماضية استطاعت العبور من التحديات والأزمات العالمية، مشيرين إلى نجاحها فى السيطرة على معدلات التضخم، من خلال سياسة تقييدية والتى تعنى رفع أسعار الفائدة لامتصاص السيولة المتداولة وادخارها فى الودائع، ثم جاءت مرحلة التيسير النقدى من خلال خفض أسعار الفائدة على الودائع والإقراض، الأمر الذى من شأنه تنشيط الاقتصاد والتشجيع على الاستثمارات الحقيقية، وزيادة معدلات النمو والتشغيل، مؤكدين أن خفض أسعار الفائدة جاء استجابة لتحسن المؤشرات الاقتصادية من تراجع معدلات التضخم، والتحسن الملحوظ للجنيه، مع زيادة المعروض من النقد الأجنبي.

أكد خبير أسواق المال محمد رضا أن قرار لجنة السياسات النقدية بخفض أسعار الفائدة جاء استمرارًا لنهج التيسير النقدى الذى بدأ بعد أكثر من أربع سنوات ونصف من التشديد. وأوضح أن هذه الخطوة كانت متوقعة فى ضوء المؤشرات الاقتصادية الأخيرة، حيث كانت التوقعات تدور بين خفض يتراوح بين 1 ٪ و3 ٪.
أشار رضا إلى أن المركزى يستهدف إنهاء عام 2025 بمستوى فائدة عند 21 ٪، وهو ما يعنى أن هناك خفضًا إضافيًا متوقعًا خلال الاجتماعات المقبلة، خاصة بعد الانتهاء من الإصدارات الدولارية الحكومية المرتقبة، وكذلك عقب تطبيق تخفيضات الدعم على الطاقة بنهاية العام.
أضاف أن قرار الخفض الأخير سيكون له آثار إيجابية على عدة محاور، أبرزها تحفيز قطاع الصناعة والاقتصاد غير النفطى إذ من المتوقع أن يتجاوز مؤشر مديرى المشتريات مستوى الـ50 نقطة خلال الفترة المقبلة بعد أن سجل 49 نقطة مؤخرًا. ودعم الموازنة العامة: عبر تخفيف عبء خدمة الدين المحلى وانخفاض تكلفة الاقتراض الحكومي.
وتشجيع البنوك على زيادة تمويل القطاع الخاص: بعد تراجع مستويات الفائدة التى وصلت سابقًا إلى أكثر من 30 ٪ وكانت تمثل عائقًا أمام الاستثمار والإقراض الصناعي. وتنشيط سوق المال: من خلال جذب مدخرات الأفراد بعيدًا عن الأوعية الادخارية التقليدية وتوجيهها نحو البورصة والاستثمارات غير المباشرة.
وتوقع رضا أن يسهم هذا القرار فى رفع معدل النمو الاقتصادي، حيث قد يتجاوز معدل النمو المستهدف البالغ 4.5 ٪ ليصل إلى نحو 4.7 ٪ بنهاية العام الجاري، على أن ترتفع المعدلات إلى متوسط 5 ٪ خلال عام 2026 مع استمرار السياسات التحفيزية، لافتاً إلى أن كل المؤشرات «تدعو للتفاؤل».
أكد أن التحدى الأكبر فى المرحلة المقبلة يتمثل فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، باعتبارها الركيزة الأساسية لدعم الاقتصاد المصرى على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن استقرار سعر الصرف وتحسن تدفقات النقد الأجنبى من المصريين بالخارج يوفران مناخًا أكثر جاذبية للمستثمرين.
وأشار إلى أن قرار خفض الفائدة الأخير يعكس توازن البنك المركزى بين دعم النشاط الاقتصادى من جهة، والحفاظ على استقرار الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة والاحتياطى النقدى من جهة أخري، خاصة فى ظل التوجهات العالمية نحو خفض أسعار الفائدة بقيادة الفيدرالى الأمريكي.

أكدت الدكتورة عالية المهدي، العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى بخفض سعر الفائدة بنسبة 2 ٪ يُعد خطوة حكيمة على أكثر من صعيد.
فالقرار من ناحية يخفف بصورة ملموسة من عبء أقساط المديونية على الموازنة العامة للدولة، ومن ناحية أخرى يفتح المجال تدريجياً أمام تحفيز حركة الاستثمار، بما يدعم النشاط الاقتصادي.
وأضافت أن الجانب السلبى للقرار يتمثل فى انخفاض العائد الذى تحصل عليه الأسر من الفوائد البنكية، وهو ما يمثل عبئاً عليها فى هذه المرحلة، إلا أن المكاسب الاقتصادية على المدى المتوسط قد تفوق هذا الأثر.
وشددت على أهمية أن تواكب الحكومة هذا التوجه بسياسة إنفاق رشيدة، والابتعاد عن المزيد من الاقتراض، مع العمل على ضبط معدلات التضخم وخفضها باعتبارها أحد أبرز الأعباء على الأسر المصرية.
عالية ترى أنه يمكن أن تؤجل الحكومة أى زيادات جديدة فى أسعار البنزين أو الكهرباء خلال الأشهر الستة المقبلة على الأقل، حتى تتمكن الأسر من استعادة قدرتها على الاستقرار النفسى وعلى توفير احتياجاتها الاستهلاكية الضرورية.

أكد الدكتور أحمد شوقى الخبير الاقتصادى أن خفض أسعار الفائدة له أثر مباشر على المستثمرين، من خلال تحفيزهم لزيادة النشاط الاستثماري، موضحا أن خفض تكلفة التمويل وتقديم التسهيلات اللازمة للحصول على القروض اللازمة للمشروعات من شأنه زيادة النشاط الاقتصادي، مضيفا أن خفض تكلفة الاقتراض تدعم المستثمرين فى الحصول على التمويل اللازم لزيادة رأس المال العامل او زيادة توسعات المشروعات والتوسع فى الأعمال.
تابع أن خفض تكلفة التمويل ينعكس على نسبة الربحية وزيادة قيمتها مما يشجع المستثمرين على الاقتراض لزيادة رأس المال العامل، أو زيادة توسعات المشروعات والأعمال، والتى بدورها تزيد من فرص العمل وزيادة الانتاج بما ينعكس ايجابيا بزيادة معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالي، وتوفير فرص العمل بشكل مباشر وانخفاض معدلات البطالة، لافتا إلى أن تخفيف أعباء التمويل تزيد من ربحية المشروعات، مما يسهم فى خفض أسعار المنتجات والسلع.
أوضح أن هناك بعض المستثمرين لديهم فوائض مالية، يبحثون عن فرص استثمارية مع خفض أسعار الفائدة، فيلجأون إلى سوق الأسهم والبورصة، فهى الأكثر جذبا لشريحة كبيرة من المستثمرين، مقابل انخفاض جاذبية الودائع بالبنوك وشهادات الاستثمار، مضيفا أن الذهب والعقارات يمثلان الخيار الأمثل للمدخرين وقت خفض أسعار الفائدة، متوقعا أن تشهد أسعار الذهب خلال الأيام القادمة ارتفاعا ملحوظا فى ظل تزايد المطلب المحلى والعالمي.
أشار إلى أن أسعار الفائدة تقوم على أساس العرض والطلب، مؤكدا ان السياسة النقدية التى يتبعها البنك المركزى تستطيع التعامل الجيد مع احتمالية خروج الأموال الساخنة، فى ظل وجود وفرة دولارية، ومرونة سعر الصرف، والقضاء على السوق الموازية للعملات، لافتا إلى أن أسعار الفائدة مازالت جاذبة.

قال الباحث الاقتصادى محمود جمال سعيد إن خفض أسعار الفائدة يُعتبر إحدى الركائز الأساسية التى تعتمد عليها السياسات النقدية للبنوك المركزية، لا سيما عندما تواجه الاقتصادات فترات ركود أو تباطؤ فى النمو.
أوضح سعيد أن هذه الخطوة لا تنحصر آثارها على قطاع معين، بل تتشعب لتكون حافزا لزيادة تدفقات الاستثمار وحركة الأسواق المالية، إلى جانب تحركات الأصول الرئيسة مثل الأسهم، الذهب.
أشار إلى أن الانخفاض فى أسعار الفائدة ينعكس إيجاباً على تكلفة التمويل لدى الشركات؛ إذ تصبح تكلفة الاقتراض أقل، ما يدفع الشركات نحو ضخ مزيد من الاستثمارات والتوسع فى تنفيذ مشاريع جديدة. كما أضاف أن سلوك الأفراد فى الإنفاق يميل للارتفاع تحت وطأة الفائدة المنخفضة، إذ تتراجع دوافع الادخار، وهذا بدوره ينعكس على انتظام عجلة الاقتصاد ويدفع معدلات النمو للتحسن المستدام على المدى المتوسط.
أوضح سعيد أن أسواق الأسهم غالباً ما تكون المستفيد الأبرز من مثل هذه السياسات، نتيجة انخفاض تكلفة الاقتراض وارتفاع رغبة المستثمرين فى اقتناص عوائد أكبر مقارنة بالأدوات المالية ذات الدخل الثابت. أما فيما يخص سوق الذهب، فأشار إلى أن خفض الفائدة يزيد من مكاسب الذهب، لا سيما إذا رافق ذلك تزايد متوقع فى مستويات التضخم؛ الأمر الذى يعزز التوجه نحو الذهب كملاذ آمن يحافظ على القيمة أمام التقلبات، مؤكدا أن الحكومة نجحت فى تحقيق التوازن بين مواجهة التضخم وتنشيط الاقتصاد.