صناعة الإخوان تزامنت مع تأسيس إسرائيل..والتمكين كلمة السر فى العلاقة المشبوهة بين الجماعة وتل ابيب
فى المشهد الفكرى الذى يتناول الإسلام السياسي، تبرز أعمال قليلة بالعمق والمنهجية التى يقدمها كتاب «ألغام فى منهج الإخوان» للدكتور أحمد ربيع الغزالي.. والكتاب ليس مجرد إضافة عددية إلى المكتبة التى تفند جماعة الإخوان الإرهابية بل هو عمل تشريحى دقيق للمبادئ العقائدية التى قامت عليها الجماعة الإرهابية، يقدمه باحث قضى سنوات داخل صفوف التنظيم كواحد من قياداته، فهو لا يحلل من الخارج وإنما يفضح من الداخل.
فيتجاوز الكتاب مجرد السرد العابر أو كشف الممارسات، ليبحث فى الاصول الأيديولوجية للجماعة وتفكيك المنهج الإخوانى إلى مكوناته الأولية، كاشفًا كيف تم تحوير مفاهيم إسلامية أساسية إلى أدوات تنظيمية إرهابية، تخدم هدفًا واحدًا للجماعة وهو تفكيك الدولة وتمدد التنظيم وصولاً إلى السلطة وتحقيقا لأهداف الكيان الإسرائيلي.
أهمية «ألغام فى منهج الإخوان» تتضح من عنوانه..فلم يختر المؤلف مصطلح «أخطاء» أو «انحرافات»، بل اختار مصطلح «ألغام»..واللغم هو شيء الذى يُزرع عمدًا، ويظل كامنًا تحت السطح، ويبدو محيطه طبيعيًا وآمنًا، لكنه مصمم لإحداث أقصى درجات التدمير عند تفعيله..
الألغام فى الجماعة الإرهابية ليست فى ممارسات خاطئة يمكن تصويبها، بل «منهج» دموى تدميرى يُقدم للأعضاء الجدد كصورة نقية للإسلام الشامل، لكن فى حقيقته نسخة محورة ومؤدلجة، تم فيها تفخيخ المفاهيم الكبري.. وعليه، فإن أى محاولة لإصلاح الجماعة أو التصالح معها محكوم عليها بالفشل، لأن المشكلة ليست فى الثمار الفاسدة، بل فى البذور المسمومة نفسها.
أول وأخطر لغم يكشفه «الغزالي» هو تحويل الجماعة فى نظر أعضائها من «وسيلة» لخدمة الإسلام إلى «غاية» مقدسة فى حد ذاتها وهى مبادئ أرساها حسن البنا، وأخذ عنها سيد قطب فصاغها كنظريات فلسفية انتشرت فأصبحت التربية الإخوانية (أو التجنيد العقائدي) تعمل بشكل ممنهج على نقل «مركز القداسة» من المبادئ الإسلامية العامة إلى الهيكل التنظيمى الخاص بالجماعة.
يسرد الكتاب ما قاله حسن البنا مؤسس الجماعة فى مؤتمرها الخامس «إن قعود المصلحين الإسلاميين «يقصد الإخوان» عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض باستخلاص قوة التنفيذ من أيدى الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف».
يوضح الغزالى أن منطق البنا أصبح مبادئ الإخوان بعد ذلك، والتى تخلق لدى أفرادها قناعة بأن «الجماعة هى الإسلام، والإسلام هو الجماعة»، وأن الخروج عليها هو خروج على الإسلام نفسه.. «جماعة المسلمين» لا «جماعة من المسلمين» فمن ليس معهم فهو إما مسلم قاصر أو ضال أو كافر.
ليس هذا فقط بل إن كل فرد إخوانى عليه أن يتحرك «ليستخلص» الحكم من الموجودين، بناء على أن الحكام ليسوا إخوانا، والإخوان هم المسلمون.
«فقه سياسة الإخوان»
يفضح الكتاب كيف أن الجماعة تسعى لاحتواء الدين بأكمله داخل أطرها. فالفقه يصبح «فقه السياسة»، والسياسة هى «سياسة الجماعة»، والاقتصاد هو «اقتصاد التنظيم» بهذا، لا يعود الإسلام هو المرجعية الحاكمة للجماعة، بل تصبح «مصلحة الجماعة» هى المرجعية الحاكمة لفهم الإسلام وتطبيقه..هذا اللغم هو «اللغم الأم» الذى تتفرع عنه بقية الألغام، لأنه بمجرد زرع قدسية التنظيم فى عقل العضو، يصبح من السهل تمرير أى مفاهيم أخري، حتى لو كانت منحرفة، طالما أنها تصب فى مصلحة التنظيم.
ويكشف الغزالى ان لغم الحاكمية وتكفير المجتمع هو أول نتيجة مباشرة لتقديم التنظيم فتم اختطاف مفهوم «الحاكمية لله» من سياقه القرآنى الواسع، الذى يعنى سيادة المبادئ الإلهية العليا للعدل والشوري، وتحويله على يد سيد قطب ليصبح المفهوم الذى يتعلمه عناصر الجماعة أن أى مجتمع لا يحكم بالشكل الذى يراه التنظيم (تطبيق حرفى للشريعة وفق تفسيرهم) هو مجتمع «جاهلي» وكافر.
هذا اللغم هو الذى يمنح الشرعية الأيديولوجية للخروج على الدولة، وتكفير مؤسساتها، واعتبار أنظمة الحكم القائمة «أنظمة طاغوتية» يجب هدمها.
«الولاء والبراء»
لغم الولاء والبراء يكشفه الكتاب وكيف تمت صياغة هذا المبدأ وتقديمه كجزء أساسى من العقيدة، و»الولاء» يعنى لدى الإخوان فى المقام الأول الولاء للجماعة وقياداتها وأعضائها، وأصبح «البراء» يعنى البراءة من كل من هو خارج التنظيم، بما فى ذلك الحكومات والمؤسسات وحتى التيارات الإسلامية الأخري..وهذا اللغم هو المسئول عن خلق العقلية المنغلقة التى ترى فى أى نقد للتنظيم خيانة للإسلام، وفى أى تعاون مع «الآخر» ذوبانًا وتمييعًا بل حتى قبول الآخر والاعتراف بحقوقه هو كفر
لغم الجهاد..
يفضح الغزالى الأصول العقائدية لدى الإخوان وكيف تم اختزال مفهوم «الجهاد فى سبيل الله» إلى معنى القتال العسكري، وتوجيهه بشكل أساسى نحو الداخل بهدف الاستيلاء على السلطة..يوضح الكتاب أن أدبيات الجماعة، خاصة السرية منها، تركز على «الإعداد» و»التربية الجهادية» ليس لمواجهة عدو خارجي، او محاربة إسرائيل التى تدعى الجماعة انها العدو، بل للتحضير لـ «ساعة الصفر» التى يتم فيها الانقضاض على الحكم..وهنا تبرز خطورة «التنظيم الخاص» أو الجهاز السري، الذى لم يكن مرحلة تاريخية وانتهت، بل هو تجسيد لهذه الفلسفة، ويمثل العقلية العسكرية الكامنة التى تنتظر اللحظة المناسبة للظهور.
«إرهاب البنا»
يوضح الكتاب أن منهج الإخوان قائم منذ حسن البنا على الإرهاب، فحسب ما قال «الإسلام الذى يؤمن به الإخوان يجعل الحكومة ركنا من أركانه ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد والحكم معدود فى كتبنا الفقهية من العقائد والأصول وليس من الفقهيات والفروع.» وبالتالى فالتوجه الذى يتم زرعه فى الأفراد يدفعهم إلى الفعل والتدخل فى شئون الدولة بغض النظر عن الخبرة والمعرفة والتخصص، فهو أمر إلهى الصمت عنه غير مقبول.. وهو فرض عين على كل شخص، هذه المبادئ التى وضعها سيد قطب بشكل صريح كقواعد الجاهلية.
كما أن الفكر الانعزالى الرافض للمجتمع لم يبدأ من سيد قطب وإنما بدأ من رسالة التعاليم فى كتابات البنا حيث يوصى بـ«مقاطعة المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التى تناهض الفكرة الإسلامية مقاطعة تامة..ثم تنتهى هذه الفكرة عند سيد قطب إلى وجوب إعلان الحرب المقدسة على الناس كافة وليس فقط انعزالهم أو الاستعلاء عليهم.
«مؤسسات الدولة»
أبرز ما يتوقف عنده الكتاب أن منهج الجماعة زرع بذور كراهية عميقة تجاه الدولة الوطنية ومؤسساتها، وتم تصويرها فى العقيدة الإخوانية أنها فى عداء دائم مع الدين وبالتالى لابد من الاستعداد لمواجهتها مع التسرب إلى مفاصل النقابات لاجتذاب أفراد أكثر يستعدون للمواجهة، .
كما يلفت الى ان عداء الجماعة الإرهابية كان يتوجه بشكل رئيسى إلى الجيش والشرطة والقضاء..ففى أدبيات الإخوان، يُصوَّر الجيش المصرى على أنه «أداة الحكم الجائر» وبالتالى لابد من استعداد مماثل لمواجهته وانتزاع صلاحياته، وتُصوَّر هذه الأدبيات والمحاضرات والأحاديث السرية مؤسسات الدولة على أنها خصم دائم.
«الألغام البشرية»
لذلك أصبح التركيز على تأهيل وتخريج أجيال من الجماعة على استعداد للتضحية بنفسها فى مواجهة مع الدولة بحجة انها « تحمى الإسلام»، ويطلق غزالى تعبير الألغام البشرية على الأجيال التى تمت تربيتها داخل الجماعة وفق هذا الفكر. هؤلاء الشباب ــ كما يصفهم ــ تم تحويلهم إلى «ألغام بشرية»، يمكن تفجيرها فى أى وقت بتوجيه من القيادة.. فهم وقود الصدام، وأداة المواجهة مع الدولة والمجتمع.. ومع ذلك يظهرون بصورة مسالمة وعادية بل قد لا يتحدثون عن وجهة نظرهم تجاه الأحداث المختلفة.
«الفرد المعيارى»
لا يكتفى الغزالى بتشريح الأفكار، بل يشرح الآلية العملية التى يتم من خلالها زرع هذه الألغام فى عقول الشباب..يركز هنا على نظام «الأسرة» التربوي، معتبرًا إياه المختبر الذى يتم فيه إعادة برمجة عقل العضو..فالعضو الجديد لا يُترك ليقرأ بحرية، بل يُقدم له منهجًا دراسيًا محكمًا ومغلقًا يبدأ برسائل حسن البنا، ثم ينتقل تدريجيًا إلى كتابات سيد قطب، مع التركيز على غرس المفاهيم المفخخة بحيث يتم خلق «فقاعة فكرية» تعزل العضو عن أى مصادر معرفية أخري، وتقدم له إجابات جاهزة ومبسطة لكل الأسئلة المعقدة.
والهدف النهائى لنظام التربية الإخوانى كما يقول الغزالى هو إنتاج «فرد معياري» متشابه فى طريقة تفكيره، ولاؤه الأول والأخير للتنظيم.. فيتم قمع أى أسئلة نقدية أو تشكيكية، وتُقابل بالاتهامات بـ«ضعف الإيمان» أو «التأثر بالشبهات».. والنتيجة هى «عقل مغلق» غير قادر على التفكير المستقل، ومصمم فقط على استقبال الأوامر وتنفيذها.
«العنف المرجأ»
يركز الغزالى على أخطر وأخبث لغم فى المنهج الإخوانى «العنف المرجأ» فقد أسس حسن عند تشكيل الجهاز السرى مبدأ تأجيل العنف وكان ينتظر منه أن يصل عدد الأفراد إلى 12 ألف فرد مقاتل مسلح يمثلون بالنسبة له جيش الجماعة الذى يستبدل به الحكومات التى تتعارض مع مبادئ الإخوان.
فالعنف لم يكن للحظة مبدأً مرفوضًا عند الجماعة، بل هو «خيار استراتيجى مؤجل». وبالتالى فإن سلمية الجماعة فى مراحل معينة لم تكن قناعة ولو وقتية، بل هى مجرد تكتيك تفرضه موازين القوى فى مرحلة «الاستضعاف».. ويوضح الغزالى أن الجماعة تعمل بمنطق «المراحل»، ففى مرحلة «الاستضعاف» تتبنى خطابًا سلميًا ومنفتحًا، ولكن فى مرحلة «التمكين» يظهر الوجه الحقيقى القائم على الإقصاء وفرض الرؤية الواحدة..وهو ما يسميه البعض «التقية السياسية»، وهى جزء أصيل من المنهج.
يذكر الكتاب أن هذا ما يفسر سبب الاستعداد الجمعى لدى كل الاخوان تجاه العنف والاجرام والدمار السريع بعد ثورة 30 يونيو، فهو جزء أصيل من تكوين النشء، أن العنف أداة أساسية يتم استخدامها للمواجهة عندما يوجه مكتب الإرشاد أو الأمير بذلك، وهو جزء من الحفاظ على الدين والدفاع عنه.
«اللغم الأخير»
يصل الغزالى إلى اللغم الأخير الذى يربط كل الخيوط ببعضها.. الهدف الأسمى والنهائى للجماعة وهو «التمكين» والوصول للسلطة، من أجل ذلك سخر الإخوان المليارات من الدولارات لإنفاقها على الانتخابات والاعتصامات والمظاهرات وأضروا الوطن وحققوا أهداف العدو ومخططاته..وفى غمار سعيهم نسى الإخوان أن السلطة وسيلة وليست غاية..وأن الغاية هى تقوى الله.
لو أن الإخوان كانوا يعرفون شيئا عن الإسلام وأنفقوا عشر ما أنفقوا لإحداث الفوضي، لكفى مجالات الصحة والتعليم والتنمية ورعاية اليتيم والقعيد والأرملة والمسكين، والتشغيل ورعاية المسنين واستصلاح الأراضى وتعميرها لكان ذلك أرجى عند الله وأنفع عند الناس وأبهى للدعوة بصورتها الوطنية المشرفة.
لكن يكشف الغزالى ان عقيدة «التمكين» كهدف أسمي، تجعل كل شيء آخر مجرد وسيلة. بل يمكن التحالف مع أى جهة، حتى لو كانت معادية فى الظاهر، ويمكن استخدام أى خطاب، حتى لو كان مناقضًا لأدبياتهم، ما دام ذلك يخدم الهدف النهائي. هذا المنطق النفعى هو ما يفسر تقلباتهم السياسية وتحالفاتهم غير المبدئية عبر تاريخهم وصولا الى التحالف مع تل ابيب نفسها ضد الدولة المصرية.
«مصلحة إسرائيل»
ففى سبيل الوصول لأهدافهم استمروا في الخيانة وتحالفوا لسنوات مع أمريكا لمصلحة إسرائيل..
يكشف الغزالى عن حقيقة وجود اتفاق كان يدور فى الخفاء لسنوات بين قيادة الجماعة فى الداخل والخارج من جهة وبين الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها من جهة أخري، وإن كان الاتفاق أصبح علنيا بعد وصول الجماعة للحكم فى العام الظلامى من خلال لقاءات صريحة بين كارتر ومكتب الإرشاد إلا أنه يكشف الكثير من سلوك الإخوان قبل ذلك والتى خدمت تحركاتها لسنوات كثيرة مصلحة إسرائيل.
بحسب سطور الكتاب فإذا ما عرفنا أن الولايات المتحدة هى راعية المصالح الإسرائيلية ومنفذة لأهداف الصهيونية؛ فإن أى اتفاق سيتم مع قيادة الإخوان يقتضى بالضرورة القاطعة مراعاة مصالح إسرائيل فى المنطقة، وأهدافها الحالية والمستقبلية، وهذا يقتضى بالتالى نزول قيادة الجماعة عن مبادئها الدعوية المعلنة بل وعن الثوابت الإسلامية، وبالضرورة عن كل مبادئ الأمن القومى المصرى حتى يتم الاتفاق البناء مع الكيان، وهذه الاتفاقات تصل فى أغلبها إلى أخطر من مجرد الجاسوسية فهى تحرك آلتها وأدواتها فى الداخل المصرى لخدمة الكيان الإسرائيلى تحت مظلة الدين الإسلامى وبألغام الدعوة القائمة على أن الجماعة هى الدين ومخالفتها أو نقدها هو كفر وبالتالى فالأوامر المتسربلة بالمسمى الدينى هى أول ما تضر الدين نفسه.
«التحالف الأمريكي»
العلاقة بين الإخوان وامريكا ليست طارئة بل يوضح الكتاب أن تأسيس الجماعة جاء متزامنا مع تأسيس دولة إسرائيل، وكانت الرؤية وقتها تفكيك دول الشرق الأوسط لدويلات صغيرة فى إطار مبادئ الشرق الأوسط الجديد، وبالفعل وضع لكل دولة سيناريو خاص بها، أما مصر فكان تكوينها وتاريخها وهوية شعبها عصية على أى مخطط لذلك لا شك أن بداية تكوين الجماعة كانت برؤية استخباراتية أمريكية لكن العلاقة كانت سرية بينهم.
والكتاب يضع تحت المجهر هذه العلاقة المعقدة والسرية فى كثير من الأحيان بين جماعة الإخوان وأمريكا، كاشفًا لغم «النفاق الاستراتيجي» المتمثل فى هوة سحيقة بين الخطاب العدائى ضد امريكا الموجه للاستهلاك المحلي، وبين المسارات الخلفية التى كانت تسعى فيها الجماعة لنيل الرضا والدعم الأمريكي.
«تضليل الجماعة»
يوثق الكتاب كيف أتقنت الجماعة فن اللعب على التناقضات، كى يشعر المواطن البسيط أن الجماعة تحقق له غايات «الجهاد المزعوم» فبينما كانت منابر الإخوان وخطب قادتها الموجهة إلى القواعد الشعبية تندد بـ «الشيطان الأكبر» و»الإمبريالية العالمية» و«الغطرسة الأمريكية»، كانت وفودها وقياداتها تعقد لقاءات منتظمة مع المسؤولين فى الخارجية الأمريكية والسفارات والمؤسسات البحثية الغربية.
خطورة هذا اللغم كما يؤكد الغزالى لم تكن مجرد تناقض، بل فى أنه استراتيجية متعمدة تهدف إلى تحقيق هدفين فى آن واحد: الأول، تعبئة الشارع المصرى ضد الحكومة عبر استغلال مشاعره المعادية لأمريكا وكيان الاحتلال وتصوير الدولة كعاجز عن مهاجمة امريكا وإسرائيل لكن الجماعة تفعل ذلك، بل إن الحكومة تتواطأ معهم وتمنعنا عن «الجهاد فى سبيل الله» وتحرير القدس والأقصي، والجيش لا يتحرك فنحن البديل الأمثل.
أما الهدف الثاني،فهو طمأنة الإدارة الأمريكية بأنهم «حليف يمكن الاعتماد عليه» و»شريك براجماتي»، وأن خطابهم العدائى موجه فقط للاستهلاك المحلي، وهو خطاب شعبوى قادر على تحريك عدد ضخم «كقطيع» وبالتالى تتحقق مخططات «الفوضى الخلاقة».
يستخدم الغزالى استعارة «الحرباء» ليصف قدرة الجماعة الفائقة على تغيير لون خطابها السياسى حسب طبيعة الجمهور الذى تخاطبه.. فعندما يتحدث قادة الإخوان لقناة الجزيرة أو لجمهورهم فى مسجد، يكون الخطاب ناريًا، يتحدث عن «المؤامرات الصهيو-صليبية»، ووجوب «تحرير الأقصي»، ورفض «الهيمنة الغربية»..ولكن عندما يجلس نفس القادة مع دبلوماسى أمريكى أو يتحدثون لشبكة CNN، يتغير الخطاب تمامًا ليصبح وديعًا، يتحدث عن «احترام المعاهدات الدولية» (فى إشارة إلى معاهدة السلام مع إسرائيل)، و»ضمان حقوق الأقليات»، و«الديمقراطية التشاركية»، و«حرية السوق».
هذا اللغم تفجر فى الجماعة، رغم نجاحه التكتيكى فى بعض المراحل، فالقواعد الشعبية شعرت بالخيانة حين رأت قادتها يتوددون لمن كانوا يصفونهم بالأعداء، بينما أدركت الإدارات الغربية وخاصة بعد ثورة 30 يونيو أن الوعود التى قُدمت لها كانت مجرد غطاء لأجندة أيديولوجية خاصة.
«تحذير الرسول»
يوضح الغزالى فى تحليله للمنهج العقائدى للجماعة الإرهابية أنها خالفت كل مبادئ الشريعة إلى حد التضاد الظاهر بين دين الإسلام ودين الإخوان، وظلت ملتزمة بمنهجها الذى يجعل المرشد فى مرتبة «إله» من يخالفه كافر ومن يعارضه اقترف كبيرة لابد أن يتوب منها، فلم ير مكتب الإرشاد إلا الوصول إلى الحكم خاصة مع مطلع الألفينات.
هذا الهدف جعل الجماعة تخرج عن كل الأطر التى حددتها لنفسها فلم يعد مكان لدستورها «الذى جاء كبديل لأبناء الجماعة عن دستور الدولة» ولم يعد هناك أمان لأفرادها أنفسهم وأصبح الحل الإقصائى هو الحتمى والوحيد.
ظلت الجماعة هكذا ووقعت أحداث يناير بخيانتها وتحالفها مع الصهاينة ثم وصلت إلى الحكم فتفجرت فيها الألغام التى وضعتها بل تحقق من خلالها تحذير الرسول.. يقول الغزالى «لقد تحققت فى الإخوان نبوءة الرسول فيما رواه البخاري: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ»..فما أحلى طعم السلطة فى فم الإخوان حين اعتلى مرشحهم الإرهابى محمد مرسى كرسى الرئاسة فى غفلة من الزمان وخداع للبسطاء ، وما ألذ الحكم، وما أروع السلطة، وما أقيم الرئاسة، وما أعز الجاه، فنعم المرضعة فى أول الحكم كما قال النبي، وخلال انبهارهم تكشف وجههم القبيح وأعلنوا العداء ضد الوطن والهوية ففطمهم الشعب سريعا من السلطة..فطاما كان مريرا لأنه بوعى الشعب كله.
الكتاب يقدم أكثر من مجرد فضح لممارسات تنظيم؛ إنه يقدم خريطة جينية لفكر متكامل، و«دليل مستخدم» لفهم آلية عمله.. هو يثبت أن الخطر ليس فى وجود تنظيم سياسى له مرجعية إسلامية، بل فى وجود تنظيم سري، مغلق، شمولي، يقدس نفسه، ويحور المفاهيم الدينية لتخدم أجندته السلطوية، وينتج أفرادًا مغلقى العقول ولاؤهم للتنظيم فوق الوطن ويحمل العداء لشعبه.