أخطر ما تواجهه البشرية الآن هو الذكاء الاصطناعي، فمن خلاله سيتحدد مصير العالم إما بالبقاء أو الفناء، لسنا أمام مجرد طفرة تكنولوجية عابرة، ولسنا أمام برنامج حاسوبى يسهّل حياتنا اليومية. نحن أمام ثورة كاسحة اسمها الذكاء الاصطناعي، ثورة ستعيد تشكيل خريطة العالم، وستحدد من هو السيد ومن هو التابع، من يقود ومن يُقاد. هذه ليست مبالغة، وإنما حقيقة يلمسها الخبراء ويقرأها الإستراتيجيون جيداً. الولايات المتحدة والصين.. صراع البقاء اليوم، تدور رحى معركة شرسة بين واشنطن وبكين. الأولى تريد أن تحافظ على تاج الهيمنة العالمية، والثانية تتقدم بخطى واثقة لتقتنص هذا التاج وتعلن ميلاد قوة عظمى جديدة. الصين أطلقت إستراتيجيتها: «أن تكون الدولة الأولى فى الذكاء الاصطناعى عام 2030». والولايات المتحدة تضخ مئات المليارات لتبقى متصدرة المشهد والنتيجة؟ سباق لا يرحم، كل طرف يعلم أن من يتخلف اليوم لن يجد مكاناً على مائدة الكبار غداً.
تشير تقارير المنتدى الاقتصادى العالمى إلى أن نحو 85 مليون وظيفة حول العالم معرضة للاختفاء بحلول عام 2025، نتيجة الأتمتة والاعتماد على الخوارزميات والروبوتات الذكية. فى المقابل، قد يخلق الذكاء الاصطناعى حوالى 97 مليون وظيفة جديدة، لكن التحدى يكمن فى أن هذه الوظائف تتطلب مهارات عالية تختلف تمامًا عن المهارات التقليدية التى يمتلكها أغلب العاملين اليوم.
إن أخطر ما يواجهه سوق العمل هو فجوة المهارات. فالعامل البسيط الذى يقضى يومه خلف ماكينة أو مكتب قد يجد نفسه فجأة خارج المنظومة، بينما تتطلب الوظائف الجديدة مهارات فى تحليل البيانات، والبرمجة، وإدارة الأنظمة الذكية هذا التحول السريع يهدد بارتفاع نسب البطالة وزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وبين الدول المتقدمة والدول النامية وإذا نظرنا من زوايا أخرى سنبدأ بالبُعد العسكري.. وحين تتحكم الخوارزميات فى الحرب سيكون الخطر ليس فقط فى التطبيقات المدنية ولافى المصانع، الأخطر حين يدخل الذكاءالاصطناعى إلى ميدان المعارك. جيوش تبنى أسلحة ذاتية التشغيل، طائرات بدون طيار تقاتل وتقتل دون تدخل بشري، أنظمة رصد وتحليل تُقرر مصيرالحرب فى ثوانٍ. تخيلوا: من الذى يطلق النار؟ من الذى يحدد العدو؟ هل هو الجندي؟ أم الآلة؟ أم الخوارزمية الباردة التى لا تعرف قلباً ولا ضميراً؟ هنا تكمن الكارثة الكبري.الاقتصاد.. من يملك «العقل الرقمي» يملك العالم الذكاءالاصطناعى ليس فقط قوة عسكرية، بل ثروة اقتصادية تفوق الذهب والنفط معاً. تقارير دولية تتحدث عن تريليونات ستُضاف للاقتصاد العالمى خلال عقد واحد فقط. من يسيطر على الشرائح الإلكترونية العملاقة، على الحوسبة السحابية، على البيانات الضخمة، سيكون المتحكم فى اقتصاد القرن الحادى والعشرين. أمريكا تراهن على شركاتها العملاقة، الصين تبنى مصانع وابتكارات لا تتوقف، والاتحاد الأوروبى يحاول أن يجد لنفسه موطئ قدم فى هذه الحرب الاقتصادية الطاحنة. صراع القيم والمعايير وليس الصراع ماديا فقط، بل هو أيضاً صراع على القيم والمعايير. هل سنسير خلف النموذج الغربى الذى يرفع شعار الحرية والخصوصية؟ أم النموذج الصينى الذى يُخضع كل شيء لرقابة الدولة وسلطتها؟ من يفرض معاييره على الذكاء الاصطناعى سيفرض رؤيته على العالم، سيصوغ التشريعات، وسيضع القوانين، وسيصنع الإنسان الرقمى كما يشاء.العالم إلى أين؟نحن أمام لحظة فارقة فى تاريخ البشرية. إما أن يتحول الذكاء الاصطناعى إلى أداة للتعاون، لحل مشكلات الكوكب من المناخ إلى الغذاء، أو أن يصبح أداة للصراع والهيمنة والسيطرة. لكن الحقيقة المؤلمة أن المؤشرات كلها تؤكد أننا أقرب إلى السيناريو الثاني، إلى عالم تُديره الخوارزميات وتتحكم فيه القوى الكبري، بينما تقف بقية الدول موقف المتفرج. الذكاء الاصطناعى ليس رفاهية،وليس خياراً، بل هو لغة القوة فى هذا العصر. من يتأخر يُقص ومن يتقدم يحكم. لذلك فإن الصراع الدائر بين الولايات المتحدة والصين، ومعهما بقية القوى الكبري، هو فى حقيقته صراع على من يملك المستقبل. إنها معركة القرن، معركة العقول والبيانات والخوارزميات، معركة ستحدد شكل العالم لعقود طويلة قادمة.