القدرة على صناعة الثقة هى العنوان الأهم فى معركة اجتذاب الاستثمار. ولا يبدو أن القاهرة غافلة عن هذا التحدى ولا مترددة فى مواجهته، بل تمضى فى مشروع صعب ومعقد عنوانه إعادة تشكيل البيئة الاقتصادية على نحو يليق بدولة لها ثقلها الإقليمى والدولي.
مصر اليوم ليست وجهة تستند فقط إلى إرث جغرافى يضعها على مفترق طرق التجارة والنفوذ، بل تسعى لتكون خيارا عقلانيا مدعوما بإرادة سياسية تدرك أن السباق الحقيقى يُحسم بتهيئة المناخ وتوفير الأدوات وتشجيع رأس المال المنتج على الدخول لا كمغامر مؤقت، بل كشريك طويل النفس.
ما يجرى فى مصر خلال السنوات الـ10 الأخيرة لا يمكن اختزاله فى مشاريع بنية تحتية مهما بلغت ضخامتها ولا فى تعديل تشريعى مهما بدا جذابا، بل هو محاولة لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والسوق وإعادة ترسيم دور الحكومة بحيث تكون ضامنا للاستقرار وميسرا للنمو.
ورغم أن التحديات لم تغادر المشهد سواء فيما يتعلق بحجم الدين، أو تقلبات الأسعار، أو أثر المتغيرات الإقليمية، فإن المتابع الحصيف يلاحظ أن القاهرة لا تنكر هذه التحديات، بل تضعها على الطاولة وتتعامل معها بمنطق الممكن لا بمنطق الإنكار. وهى بذلك لا تسوق وهما، بل تسعى لكسب وقت حقيقى يعيد تشكيل القاعدة الإنتاجية ويخفف من الضغط الهيكلى على الاقتصاد.
الفرص التى توفرها مصر لا تقتصر على قطاع بعينه، بل تمتد من الطاقة المتجددة إلى اللوجيستيات ومن الصناعات التحويلية إلى البنية الرقمية وهى فرص تتغذى على حجم سوق داخلية كبيرة وموقع جغرافى استثنائى وشبكة علاقات دولية تتسع بهدوء دون ضجيج وضمن رؤية تقوم على تنويع الشراكات.
فى مصر لا تكتفى الدولة بإزالة العوائق، بل تسعى لإعادة بناء الأرضية ذاتها التى يقف عليها المستثمر. وهى بذلك لا تقدم الحوافز فقط، بل تعيد كتابة فلسفة الإدارة وتحرص على إرسال إشارات متواصلة بأن رأس المال الجاد مرحب به وبأن زمن العبث قد ولّي.
مصر اليوم ليست فى سباق مع الدول فقط، بل فى سباق مع نفسها مع ماضيها المثقل بالتحديات ومع حاضرها المشغول بإعادة البناء ومع مستقبلها الذى لا يحتمل الإخفاق.