يبدو أن إسرائيل قد مزقت آخر ما تبقى لديها من «رقاع» فى برقع حيائها «المهترىء».. وراحت تكشف بشكل «فاجر متسارع» عن مشروعها الشيطانى الإستعمارى فى «المنطقة بأكملها» وليس فى فلسطين فقط!!.. فعلى مدى الأيام الخمسة الماضية بعثت إسرائيل بمجموعة جديدة من «الرسائل» فى كافة الاتجاهات.. تؤكد جميعها إصرار حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو على المضى قدما ودون تأخير أو تأخر فى تنفيذ «المشروع».. المشروع الكبير.. مشروع الحلم أو «الوهم» القديم!!
من أخطر الرسائل التى بعثت بها إسرائيل خلال الأيام الخمسة الماضية هو البدء بشكل إجرامى مهول فى تنفيذ واحدة من أخطر خطوات «المشروع الكبير» ألا وهى «محو غزة».. محو جميع مبانيها ومساكنها وجميع معالمها مع إجبار أهلها على النزوح «جنوبا» تمهيداً للتهجير والتصفية النهائية للقضية الفلسطينية.. هذا ظنهم الذى لن يكون بإذن الله.. الخطوة الخطيرة هذه أعلنها صراحة المرصد «الأورو متوسطى لحقوق الإنسان» حيث قال المرصد إن إسرائيل بدأت بالفعل فى عمليات نسف وتدمير واسعة للمربعات السكنية فى غزة فى هجوم متزامن على المناطق المختلفة بالقطاع يقوم به جيش الاحتلال من أجل «المحو الممنهج» لغزة.. نعم إسرائيل لا تريد بشراً ولا شجراً ولا حجراً.. لا فى غزة ولا فى غيرها من الأراضى الفلسطينية.. إسرائيل تريد فقط تهويد فلسطين بالكامل والشروع فى التحرك نحو وهم «إسرائيل الكبرى»!!
من الرسائل الخطيرة أيضا التى بعثت بها إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية.. رسالة جاءت على لسان وزير ماليتها وأحد أبرز أركان «حكومة الإبادة» بتسلئيل سموتريتش.. فبكل وضوح ودون أدني مراوغة أو مواربة.. قال سموتريتش «بالحرف الواحد» فى تصريح جديد له أطلقه يوم الإثنين الماضي: «سنواصل تعزيز الاستيطان فى جميع أنحاء أراضينا.. لن نقيم أبدا دولة عربية إرهابية على أرض إسرائيل.. غزة منطقة قتال ويجب إخلاء سكانها لحماية أنفسهم وعزل الإرهابيين.. بمجرد أن نفعل ذلك علينا فرض حصار كامل ومنع دخول الطعام وإغلاق أنابيب المياه والوقود والكهرباء.. عندها إما أن يموت الإرهابيون فى الأنفاق أو يستسلموا ويسلمونا الرهائن».. ما قاله سموتريتش هو تأكيد جديد لنوايا إسرائيل ومخططاتها فى المنطقة.. ليس بالضرورة أن تكون فلسطينيا لكى تكون عدوا لإسرائيل.. يكفى أن تكون عربيا.. فالعرب جميعا «فى نظر إسرائيل» هم أعداء وقتلهم «عمل مقدس».. يؤكد ذلك هنا ما قاله سموتريتش بأنه لن يتم السماح بإقامة دولة «عربية إرهابية».. لم يقل سموتريتش «دولة فلسطينية».. عند إسرائيل كل العرب «فلسطينيون».. وكل الفلسطينيين «عرب».. والعرب والفلسطينيون جميعهم لدى إسرائيل «إرهابيون»!!.. هذه «النظرة» ليست مقصورة على سموتريتش وحده بل هى نظرة تعبر عن المكنون فى أعماق «النفس الإسرائيلية» دون استثناء.
رسالة أخرى «دالة وكاشفة» خرجت من «تل أبيب» خلال الأيام الخمسة الماضية.. هذه الرسالة أشار إليها زعيم «المعارضة الإسرائيلية» يائيرلابيد.. حيث أعلن «الإثنين الماضي» أيضاً عن وجود «خطة» فى الوقت الحالى «جيدة من وجهة النظر الإسرائيلية» ووافقت عليها «حماس».. من الممكن أن تؤدى هذه الخطة إلى وقف لإطلاق النار فى غزة وإعادة الأسرى الإسرائيليين.. ماذا قال يائيرلابيد عن تعامل حكومة نتنياهو مع هذه الخطة ؟!.. لقد قال لابيد «إن حكومة نتنياهو تتلاعب والأسرى يموتون».. إن ما صرح به وأعلن عنه زعيم المعارضة الإسرائيلية يؤكد الرغبة الصهيونية الجامحة التى أطلق لها نتنياهو العنان لكى تقتل وتذبح وتبيد وتصفى وتهجر دون حياء أوخجل.. رغبة صهيونية إجرامية أججها وفجر كامل طاقاتها الشيطانية هذا الصمت والتخاذل الدولى الذى يرقى دون أدنى شك إلى مرتبة «الاشتراك» فى هذه «الجريمة» التى سيسجلها التاريخ باعتبارها «عار البشرية»الأبدي!!.. ما قاله يائير لابيد يؤكد «للمرة الألف» أن إسرائيل لا تريد وقف الحرب.. إسرائيل تريد استمرار الحرب وإبادة أى بارقة أمل يمكن أن تتحدث عن «السلام»!!
«حقيقة إسرائيل» ونواياها وأهدافها ومشاريعها ومخططاتها.. تكشفها وقائع ومواقف وأدبيات إسرائيلية «قديمة وحديثة».. من بين هذه «الكاشفات» مجموعة من الأحداث وثقها الصحفى والأديب الفلسطينى الراحل غسان كنفانى والذى اغتالته إسرائيل فى «سبعينيات القرن الماضي».. وثقها غسان كنفانى فى كتابه «الأدب الفلسطينى المقاوم تحت الاحتلال».. تناول خلالها الأدب الفلسطينى الذى قاوم الاحتلال الإسرائيلى فى الفترة ما بين عامى «1948» و«1968».. فى هذا الكتاب سرد غسان كنفانى مجموعة من الأحداث التى وقعت فى تلك الفترة وتكشف عن «حقيقة إسرائيل».. كل إسرائيل.. هذه الأحداث التى سردها كنفانى فى كتابه لا تعبر عن اتجاه سياسى أو حزبى أو حكومى معين داخل إسرائيل.. إنها تعبر عن المجتمع الإسرائيلى بأكمله والأفكار التى تشكله وتسيطر عليه وتحدد اتجاه حركته.
يقول غسان كنفانى فى كتابه إنه خلال مناقشة ثقافية مفتوحة لعدد من «المثقفين الإسرائيليين» فى الأراضى الفلسطينية المحتلة تحدث أحدهم وقال: «إن الكيان القومى هو فوق كل اعتبار حتى فوق الاعتبارات الأخلاقية.. إن وجود أقلية عربية فى إسرائيل يشكل أكبر خطر عليها.. وحتى نمنع وقوع ذلك علينا أن نعمل كل شيء بشكل لا يثير الاحتجاجات العالمية.. علينا أن نجد لذلك غطاء ملائما وعبارات جميلة.. ولكن إذا لم يكن بد من ذلك علينا أن نتجاهل الرأى العام.. علينا أن نقصر خطواتهم وأن نأخذ أراضيهم.. كل عربى ينهى الدراسة الثانوية أو الجامعية لا نعطيه عملا وليبحث عن عمل خلال ثلاث أو أربع أو خمس سنوات حتى ييأس ويفهم أنه لا مكان له فى هذه البلاد وليبحث عن بلاد أخري.. علينا أن نقنع العرب بعدم سماع الراديو العربي.. علينا أن نقطعهم عن الثقافة العربية ونضعهم تحت تأثير الثقافة اليهودية».
ويروى غسان كنفانى أيضا أن ذات يوم من أيام عام «1967» اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلى شاباً فلسطينياً يدرس فى كلية الطب.. ولما تم الإفراج عنه بعد المدة التى قضاها أخبر الشاب عما جرى له وللمعتقلين الفلسطينيين الآخرين داخل سجون الاحتلال.. يقول الشاب وفقا لما وثقه غسان كنفانى فى كتابه: «جاءنى شاويش يحمل رشاشاً من نوع عوزى وطلب منى أن أذهب معه إلى مركز الشرطة فى كرمئيل واحتجزونى هناك.. سمعت صوتا يأتينى من داخل مركز الشرطة يقول: لقد حلت نهايتكم وسوف نحصدكم.. واقترب منى أحد جنود الاحتلال وصاح فى وجهي: أريد أن أشرب كأسا من دمك.. وبعد ذلك أخذونى إلى مركز عكا.. وهناك نظر قائد الشرطة إلى بعض رجاله وقال لهم انظروا إلى هذا العربى الذى يدرس الطب لكى يسمم الماء فى إسرائيل.. ثم انهالوا على جميعاً بالضرب واللكمات».
ويشير غسان كنفانى فى كتابه كذلك إلى أنه فى الفترة من عام «1948» وحتى عام «1968» بدأ الاحتلال الإسرائيلى فى التأسيس لحرب جديدة ضد الفلسطينيين.. حربا ثقافية وتعليمية.. يقول كنفانى ان تلك الفترة شهدت بداية الموجات المتصاعدة من «حرب الهوية».. حيث بدأ التدخل الإسرائيلى الفج فى شئون التعليم الفلسطينى من قبل الحاكم العسكرى الإسرائيلى وجهاز «الشين بت».. فصار للشرطة والجيش الإسرائيلى الكلمة الأولى فى اختبار المدرسين دون أدنى نظر لكفاءاتهم العلمية.. كما شهدت تلك الفترة أيضا بداية الحد من أعداد المدارس والنقص الشديد فى الكتب والمختبرات والتجهيزات المعملية والخرائط الجغرافية.. يؤكد غسان كنفانى فى كتاب «الأدب الفلسطينى المقاوم تحت الاحتلال» أن إسرائيل تسعى دائما بشتى الطرق وفى كل الأوقات إلى محو أى ارتباط بين الأجيال الفلسطينية والعربية الصاعدة وبين «ماضيها التاريخى المجيد».. لأن هذا يسهل على إسرائيل تحقيق أهدافها الاستعمارية والتوسعية فى المنطقة كلها.
هذه هى إسرائيل.. أهدافها ونواياها ومخططاتها ومشاريعها «منذ النشأة».. هى نفس الأهداف والنوايا والمخططات والمشاريع التى تنفذها حكومة نتنياهو «اليوم».. الذى تغير فقط هو «الجرأة» فى الإعلان.. و»الإجرام» فى التنفيذ.. و»الدعم» الأمريكى غير المسبوق.. وأيضا «التخاذل الدولي» منقطع النظير!!.. إن إسرائيل «الآن» تظن أن «اللحظة» مناسبة لتحقيق «الهدف القديم».. لكن هذا الظن قد يفتح عليها أبواب الجحيم.. جحيم لا يبقى منها شيئاً.. حتى لوكانت أعتى قوى العالم تقف بجانبها.
على الرغم من حالة «النشوة الجوفاء» التى تعيشها إسرائيل «اليوم».. إلا أننى عندما أنظر إلى «صراع الإرادات» وكيف أن الفلسطينيين نجحوا فى مواجهة كل هذا «الإجرام» غير المسبوق تاريخيا.. عندما أنظر إلى ذلك وأرى هذا «الصمود الفلسطينى الأسطوري».. أكاد أن أجزم أن الهزيمة الساحقة لإسرائيل قادمة لا محالة باذن الله .. حتى وإن رأى البعض أن ذلك بعيد.. لكنه فى حقيقة الأمر «قريب» إن شاء الله.. جميع الفلسطينيين الآن «مقاومون».. يدافعون عن قضيتهم ويقفون ضد «مشروع التهجير».. وليس شرطا أن تكون حاملا لمدفع أو رشاش لكى تكون «مقاوما» للاحتلال.. يكفى أن تكون واعياً.. يقظاً.. حافظاً ومدافعاً عن فلسطبن.. فلسطين الشعب والقضية.. فلسطين الأرض والعرض.. يكفى أن تكون واعيا ويقظا وحافظا ومدافعا حتى بالكلمة أو «الصورة».
تابعت بعض «الإبداعات الفلسطينية المقاومة».. التى تعمل على نقل مأساة الشعب الفلسطينى إلى العالم «على أوسع نطاق» والتذكير بقضيته العادلة.. تلك «الإبداعات» يقوم بها فلسطينيون من أماكن متفرقة سواء داخل الأراضى المحتلة أو خارجها.. من هذه «الإبداعات» تلك «السلسلة القصصية» التى أطلقتها الإذاعية الفلسطينية براء عماد وتحمل عنوان «هذه قصتي».. هذه «السلسلة القصصية» موجهة للأطفال فى كل أنحاء العالم باستخدام الرسوم الكارتونية والذكاء الاصطناعي.. تنقل لهم ما يعانيه أطفال فلسطين من قتل وتشريد وحصار وتجويع.. تقول براء عماد إن هذه «المبادرة» التى قامت بها أقل مايمكن أن تقدمه لشعبها بصفتها إذاعية فلسطينية.. وهى ترى أن مبادرتها «هذه قصتي» تقوم بدور آخر أيضا وهو التعريف بالقضية الفلسطينية والحفاظ على فلسطين فى عقل ووجدان الأجيال العربية القادمة.
وأنا أتأمل «المشاهد».. القادمة من غزة.. الساعة تلو الساعة.. يحضرنى دائما كلمات شهيرة للرئيس الفلسطينى الراحل الشهيد ياسر عرفات والذى لم يكن يذكر كلمة «القدس» إلا ويقول : أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى حبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. يحضرنى دائما وأنا أتأمل «المشاهد» القادمة من غزة ما كان يردده الرئيس الراحل ياسر عرفات: «إن شعبنا الفلسطينى المرابط بأرض الرباط.. لا يعرف عدونا أن هذا الشعب لا يركع إلا لله».. نعم لا يركع إلا لله.
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.