إلى أين يتجه العالم.. وإلى أين ستقودنا بوصلة التقدم العلمى فى المستقبل القريب.. وكيف سيكون شكل العالم خلال سنوات قليلة ربما لا تزيد على عقدين أو ثلاثة على أبعد تقدير؟.. هذه التساؤلات فرضت نفسها على المتخصصين والعامة بعد التقدم المذهل فى تقنيات الذكاء الصناعى أو الاصطناعى الذى تحقق خلال الأعوام القليلة الماضية.. والذى أدى إلى تطوير روبوت يفكر ويحلل ويتخذ القرار وينفذ من تلقاء نفسه.. ما قاد إلى تساؤلات شديدة التشاؤم من نوع هل سيحكم الربوت الذكى العالم وهل ستصبح الروبوتات الذكية القادرة على إصلاح نفسها واتخاذ قرارتها هى المهيمنة على العالم والمسيطرة على الإنسان والمسخرة له أيضا.
الحقيقة المؤكدة هى أن تقنيات الذكاء الاصطناعى نقلت الإنسان إلى محطات غير مسبوقة وإلى تطبيقات كان مجرد التفكير فيها قبل سنوات ضربا من الخيال الجامح.. وأن استخدمات الذكاء الاصطناعى قدمت اسهامات فائقة الأهمية فى مجالات التشخيص والعلاج الطبى وفى مجالات الهندسة المتعددة وحتى فى المجالات الترفيهية.. ولعل أشهر هذه التطبيقات استحضار شخصية أم كلثوم وجعلها تغنى ألحانا جديدة لم تغنها فى حياتها وهو ما أثار موجة شديدة من الجدل بين المؤيدين والمعارضين.. والحقيقة الثانية هى أن الإنسان هو من يتحكم فى إنتاج أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعى وهو سيبقى لسنوات طويلة قادمة المهيمن الأول على استخدماته وتطبيقاته.. وأن فكرة سيطرة أجهزة الذكاء الاصطناعى على العالم عبثية.. وأن موجة التوقعات المتشائمة تكررت مع كل اكتشاف جديد طوال العقود الماضية.. فعندما ظهر التليفزيون وانتشر فى كل البيوت توقع المتشائمون أن يقضى على السينما وأن دور العرض ستغلق أبوابها وشركات الإنتاج السينمائى ستسرح العاملين فيها.. ومرت السنوات وازدهر الانتاج السينمائى فى عهد التليفزيون أكثر مما كان قبل ظهوره.. والامثلة كثيرة وكلها تؤكد أن التشاؤم هو الصفة السائدة فى استقبال أى انجاز علمى جديد.. وهو ما ينطبق على تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعى.
لقد شهدت العقود القليلة الماضية اكتشافات وانجازات غيرت وجه الحياة على الأرض وأعادت تشكيل الحضارة الإنسانية بما يفوق ما حققه الإنسان منذ بدء الخليقة ومنذ اكتشاف النار وقوة البخار والمحركات النفاثة.. وليس أدل على ذلك من هذا الجهاز الصغير الذى يحمله الكبار والصغار ومعظمهم لا يدرك قيمته الفائقة وإمكانياته المذهلة ونقصد هنا جهاز الموبايل أو الهاتف المحمول.. فقد حل هذا الجهاز محل عشرات الأجهزة التى كنا ننوء بحملها أو حتى لا نفكر فى اقتنائها.. فهو دليل تليفونات رقمى ومفكرة رقمية وأجندة مواعيد ومناسبات وساعة ومنبه وساعة إيقاف أو ستوب ووتش.. وعلى هذا الجهاز الصغير نستطيع تكوين مكتبة تحتاج إلى عربة نقل ثقيل لحملها.. وعلى هذا الجهاز الصغير نستطيع تحميل آلاف الكتب والمجلات.. وقراءة ما يحلو لنا خلال الانتقال فى الاتوبيس أو أثناء الاسترخاء أو خلال الرحلات.. وأصبحنا نستطيع تحميل آلاف الأفلام ومقاطع الفيديو من مواقع يوتيوب وغيره وتكوين مكتبتنا الخاصة بحيث نستطيع مشاهدة ما نريد وقتما نريد.. فحلت هذه المكتبات محل شرائط الفيديو والمحال التى كانت تؤجرها.. ونستطيع متابعة كل أخبار العالم وتطورات أحداثه عبر تقنية الانترنت.. ونستطيع الاتصال بأى مكان على وجه الأرض بمجرد ضغط الرقم الذى نريده.. باختصار أنت تحمل مدينة كاملة فى جهاز صغير لا يتجاوز حجم كف اليد.
وباستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى تم تطوير أجهزة لعلاج السرطان بالأشعة والنظائر المشعة.. قادرة على تمييز الخلايا المريضة فتدمرها والخلايا السليمة فتبتعد عنها.. واستطعنا تطوير روبوتات جراحية تستطيع الوصول إلى أماكن صعبة فى جسم الإنسان كان من الصعب الوصول إليها باستخدام الطرق الجراحية التقليدية.
ولأن الذكاء الاصطناعى أصبح مرادفا للتطورات العلمية الدرامية فقد اهتمت الدولة به من خلال توفير الكليات والمعاهد العلمية المتخصصة فى تعليمه ومن خلال استخدامه فى العديد من مجالات التنمية الزراعية والصناعية لتدخل مصر هذا العالم التقنى المتطور من أوسع أبوابه.